خطة الإخوان لإفساد «استفتاء الدستور»

71

 

 

 

التنظيم يهدف إلى تحويل 19 نوفمبر لشرارة «حرق الأرض» أمام السلطة وعرقلة إتمام الاستفتاء باستخدام «القوى الثورية»

الجماعة تدرك أن إقرار الدستور بأغلبية مريحة يعنى هزيمتها فى صندوق الانتخابات بعد أن سحقها الشارع فى 30 يونيو

 

ليس مهما أن تزيح الإخوان أو غيرهم من تيارات الاستبداد والفاشية الدينية، من سدة الحكم. الأهم أن يكون هناك بديل جاهز قادر على شغل فراغهم فى الشارع من جهة، ومن جهة أخرى حاضن لأصوات المصريين فى صندوق أى انتخابات أو استفتاءات مقبلة.

 

 

هزيمة الإخوان على الأرض، وسقوط مندوبهم فى قصر الاتحادية، إثر فيضان 30 يونيو، ثم ما تلا ذلك من حظر شعبى وقضائى تام، طارد الجماعة بمجرد لجوئها إلى العنف ومسيرات واعتصامات الدم والفوضى، وتحالفها مع التيارات التكفيرية والإرهابية المسلحة، واستحلالها الكذب والتدليس والمتاجرة بدماء ضحاياها التى دفعت بهم إلى قلب معارك خاسرة مع الجيش والشرطة والشعب، كل ذلك سيتبدد مع الوقت ما لم تتحقق خسارة فادحة للتنظيم فى صندوق الاقتراع.

 

 

وبينما تبدو أن مشاركة الجماعة فى الاستفتاء المنتظر على الدستور الجديد، مطلع يناير المقبل، ناهيك بالانتخابات البرلمانية والرئاسية فى ما بعد، بصورة تنظيمية محل شك كبير، بعد الضربات الأمنية لمراكز أعصاب وإدارة وماليات الإخوان، منذ عزل محمد مرسى، إلا أن دفعها بمرشحين مستترين، أو دعمها لتيارات وأحزاب قريبة منها ولمشروعها الرامى لإسقاط الدولة على أمل القفز على السلطة مجددا، هو سيناريو أقرب للمنطق وللتحقق.

 

 

ساعتها وإن لم تنجح الجماعة، ولن تنجح، بطبيعة الحال، فى التأثير المباشر فى ميزان أى استحقاقات ديمقراطية قريبة، فإنها وعبر أذرعها وتربيطاتها «وخلاياها الانتخابية النائمة» فى الريف على وجه الخصوص، ستتمكن على أقل تقدير من هز نتائج أى انتخابات أو استفتاءات، وربما تحويل فوارق فوز طرف على آخر فيها لأرقام ضئيلة، بما يفتح المجال للحديث عن تدخل السلطة الحاكمة لتغيير إرادة الناخب، أو تزوير عمليات التصويت والفرز، إلى جانب تعظيم مسألة أن المصريين منقسمون فعليا، بما كان يشبه الوضع أيام الرئيس المعزول.. وعليه ستتبارى ألسنة عدة فى الزعم بأنه لم يكن هناك أى ضرورة للانتفاض على محمد مرسى، ومنحه وجماعته ونظامه السياسى فرصة كاملة فى الحكم والإدارة ما دام أن شيئا لم يتغير بعده.

 

 

الأدهى أن التنظيم يراهن على تحقق تلك النتائج، اعتمادا منه على الفشل التاريخى للأحزاب المدنية والتيارات الثورية والحركات الشبابية، ومن يطلقون على أنفسهم تيارا ثالثا ينتهج العمل المباشر مع الجماهير، بعيدا عن التعقيدات الحزبية، فى الحشد سواء للخروج فى مظاهرات أو للتصويت فى اتجاه معين فى الانتخابات، فضلا عن ضعف بنيتهم التنظيمية، وقلة مواردهم المالية.

 

 

خسارة الإخوان فى صندوق الاقتراع، حتى ولو كانوا بعيدين عن السلطة حاليا، ليس أقل فى الأهمية بأى حال من الأحوال، من إفشال مخططاتهم السابقة للأخونة والتمكين والإقصاء باسم الدين. كما أن صنع كيانات مدنية وليبرالية مؤمنة بقواعد اللعبة الديمقراطية، وقادرة على العمل مع جميع التيارات المختلفة معها أيديولوجيا وسياسيا، بات ضرورة حتمية لحماية الدولة من التيارات الانتهازية، بشرط أن تنتهج تلك الكيانات ذلك المسار بعيدا عن التمسح بأركان النظام المباركى الذى تطفو بعض أعمدته حاليا على السطح، ومن غير الاتساق مع دولته البوليسية، وقبل هذا وذاك من دون أى تنسيق مع المؤسسة العسكرية، حتى لا يسهم ذلك فى تغولها، وتحويل دورها من حام للحدود والدولة من أى أخطار خارجية، للاعب سياسى لن يأتى من ورائه غير المشكلات نظرا لمنافسته فى مباراة لا يجيدها من الأساس.

 

 

على ذكر المبارايات.. تبدو الدولة المصرية الآن بعد عزل مرسى، وقبله ثلاثون عاما من تكلس وقمع نظام الرئيس الأسبق، وفشل ثورتين متعاقبتين حتى الآن، فى تحقيق أهدافهما المباشرة، تماما كحال الفراعنة مع إطلاق صافرة نهاية مباراة غانا الشهيرة الشهر الماضى، والتى انتهت بهزيمة مخزية لهم بنصف دستة أهداف، ومن ثم ضياع حلم الوصول إلى المونديال بنسبة تتجاوز 99.99% على أقل تقدير.

الدولة المصرية الآن تحتاج إلى فوز معنوى كالذى يحتاجه الفراعنة من مبارة العودة مع «البلاك ستارز»، من أجل استعادة الثقة، ومنح الجماهير/الشعب، أملا فى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

 

 

وإذا كانت الساحرة المستديرة تعرف المعجزات، بما يعنى أن مصر يمكنها نظريا (لا عمليا على الأرجح) عبور غانا بغلة وفيرة من الأهداف، ومن ثم اللحاق بكأس العالم من الباب الضيق، فإن الدولة نفسها إذا ما أنجزت خارطة الطريق بشفافية وحيادية وسرعة، وصنعت مؤسساتها المنتخبة، من برلمان ورئاسة ومرجعية دستورية وحكومة قوية، بديمقراطية وعدالة، وتخلت عن العقلية البوليسية، وأبعدت مؤسساتها الأمنية عن السياسة، وانحازت إلى المواطن وهمومه فقط، قد تتمكن هى الأخرى من قلب الخيال لواقع، ومن ثم قد تلحق بركب البلدان الناهضة فى زمن قياسى.

 

 

لكن أول شروط المعجزة التى يجب أن تهرول الدولة المصرية لتحقيقها هو الانتفاض على إرث حزب مبارك المنحل فى تزوير الانتخابات والاستفتاءات (تحقق ذلك على نحو كبير مع اعتياد المصريين بعد 25 يناير على النزول بكثافات للمشاركة فى التصويت)، فضلا عن التخلص من هيمنة الإخوان والتيارات الإسلامية على صناديق الاقتراع، الأمر الذى لن يحدث إلا بتأسيس حياة حزبية وسياسية حقيقية مرنة ومحتوية، يمكن أن تبرز من خلالها تيارات مدنية بديلة تؤثر فى المزاج العام للناخب بعيدا عن ابتزاز مشاعره الدينية.

 

 

المثير فى الأمر أن الإخوان يدركون أن هزيمتهم الحقيقية لم تأت بعد. تمرير الدستور المنتظر بأغلبية مريحة، وبمشاركة شعبية واسعة، تعكس توحد المصريين بعد 30 يونيو، وتؤكد طلاقهم البائن من الجماعة، على الأقل فى العقدين المقبلين، ترعبهم بشدة. فكان قرار ما تبقى من تنظيمهم فى الداخل، أو ضمن التنظيم العالمى التابع له، وبدعم من قوى دولية وإقليمية تتحالف معه لأسباب متباينة لا علاقة لها بمصالح الدولة المصرية وثوابتها، أن يتم حرق الأرض أمام السلطة والحكومة قبل موعد الاستفتاء، والذى سيكون على الأرجح فى يناير المقبل، على أمل إفشاله بأى صورة. وهو سيناريو إخوانى سيتكرر كذلك قبل الانتخابات البرلمانية، ثم الرئاسية.

 

 

مخدوع هو من يصدق أبواق الإخوان الزاعقة، التى تروج لنزول أعضاء التنظيم وحلفائه فى الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود، فى 19 نوفمبر الجارى (وصفت الجماعة شهداء الأحداث ومصابيها بالبلطجية أيام حكم المجلس العسكرى بقيادة المشير حسين طنطاوى)، لاستكمال أهداف الثورة، والقصاص للشهداء، ومن أجل الالتحام بالحركات الثورية المطالبة بتحقيق أهداف 25 يناير و30 يونيو، من عيش وحرية وكرامة إنسانية، والغاضبة من إجراءات الحكومة المقيدة للحريات. الجماعة ببساطة تبحث عن معركة أخيرة مع السلطة القائمة فى ذلك اليوم. معركة سقف طموحاتها ومكاسبها لن يتخطى مرحلة الوجود فى الحياة العامة من جديد. وإن لم يتحقق ذلك فعلى الأقل تجنب الهزيمة فى صندوق الاستفتاء على الدستور بعرقلة إتمامه، بينما يبدو الأمل الأضعف للإخوان من ذلك اليوم وما بعده، فى إمكانية المساومة على حرية قيادات الإرشاد الكبار فى السجن، وكذا الحفاظ على الجماعة وعرقلة حظرها ومصادرة أموالها وعقاراتها.

 

 

هذه المرة، وبعد أن فقدت كل أوراقها المؤثرة، خصوصا زخم المظاهرات وضخامتها والدعم الدولى، بدت الجماعة مجبرة على خوض معركة الوجود ضد سلطة ما بعد 30 يونيو، من بوابة الحركات الشبابية والثورية، على أمل غسل يدها من دماء المصريين من ناحية، ومن ناحية أخرى للولوج مجددا إلى قلب الأحداث بثوب ثورى، يجدد أدوات وأوراق الضغط فى يدها، بحثا عن أى صفقة، مع أى طرف فاعل أو مؤثر فى الدولة، كالحكومة أو الجيش، إضافة إلى دعم تحركات أى حليف فى الخارج للضغط على السلطة بالداخل.

 

 

معركة 19 نوفمبر وما بعده بالنسبة إلى الجماعة ستكون كذلك آخر حواجز الصد فى مواجهة هزيمة توشك أن تتحقق فى صندوق الاستفتاء. لكن المضحك والمثير للشفقة فى ذات الوقت أن السلطة لا تزال تحتفظ بكتالوج المواءمات واتفاقات الكواليس، ما قد يحولها، فى ظل إصرار عدد من رموزها على وقع عجزه فى ضبط فوضى الشارع الأمنية، على المصالحة مع الإخوان، وعدم رؤيتهم لأى مانع فى تجاوز القانون، أو خيانة الملايين التى انتفضت فى 30 يونيو، وإبرام صفقة لإنقاذ رقبة أعضاء مكتب الإرشاد، لأكبر مساند لتنظيم يدعم الإرهاب، ويرفض التبرؤ منه، أو الاعتذار عن جرائمه السياسية والجنائية فى حق المصريين، أو إجراء مراجعات فكرية لأدبياته ومناهج تربية قواعده، بل إنه لا يتردد فى مد يده للخارج من أجل قنص كرسى الحكم.

 

 

السلطة القائمة تدرك تماما أن بتلكؤها فى تنفيذ حظر الإخوان، وعدم تحقيقها للعدالة الناجزة والقصاص العادل من كل من ارتكب جرائم من قادتهم، وعدم ممانعتها فى دوران عجلة الوساطات مع الجماعة، أنها ستكون طوق نجاة لها، لكنها لا تعى فى الأغلب أن ذلك الطوق لن يتردد لحظة فى الانقلاب عليها والالتفاف حول رقبتها وخنقها فى أقرب فرصة ممكنة سانحة لذلك.

 

الدستور الاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى