”قتيل الجيزة”.. حَلم والده أن يراه في ”الكوشة” فحضر ”دفنته”

 

 

دعاء الفولي:

 

 

لعلك اشتريت منه فاكهة من قبل، ولعلك ألقيت عليه التحية في يوم من الأيام وأنت تقود سيارتك أثناء مرورك به، قد تكون تراه يوميًا، يقف بجلبابه المعتاد في نفس المكان، أبعد قليلًا أحيانًا ولكنه في نفس المربع فتحفظ شكله  ملامحه، لكنك لم تسأله يوما ”إسمك ايه ؟ ”.

“مصطفى عيد محمد الجمل” شاب لم يكد يكمل عمره الواحد وعشرين بعد، حصل على شهادة  “الدبلوم ” الصناعي، وكان على وشك الزواج، إلا أن القدر لم يقدر له ذلك؛ حيث خرج بعد ذلك بشهور قليلة من الدنيا كلها .

يسرد “عويس الجمل” – عم مصطفى – المأساة من البداية ” كان بيحصل حملات كتير على البياعين اللي في الجيزة من الشرطة ويمشونا، وكنا بنرجع عشان معندناش حتة تانية وقالولنا هنعملكوا أسواق ومفيش حاجة حصلت”.

“لقينا حملة أمنية كبيرة عاملها ظابط اسمه “هشام نصر” عشان البياعين كلهم، ولقينا العساكر بيلموا الناس، وجريوا ورا أخو مصطفى عشان يجيبوه لكن هرب منهم، ولما معرفوش يوصلوا له خدوا أبوه ومصطفى في القسم بتاع الجيزة “، قالها “عويس” والحزن يكسو وجهه .

إلا أن كل ما حدث حتى هذه اللحظة لم يكن يتعدى التهديدات العادية المعتادة واللفظية، ولم يكن “عويس” يتوقع أن تتسارع الأحداث بهذا الشكل؛ فبعد أن ذهب “مصطفى” إلى قسم الشرطة هدده الضابط بأنه يجب إحضار أخيه “محمد” الذي هرب من العساكر في السوق وإلا سيطلق عليه النار – على حد قوله – ولكن أحدا لم يلقي بالًا لهذا التهديد إذا أنهم اعتبروه ” تهويش وهيروح لحاله ” .

وخوفًا من ما قد يحدث فقد قرر “عويس” ومن معه من البياعين “قعدنا يومين مش بنفرش في الشارع عشان خوفنا ليحصل حاجة، وبعدين نزلنا نفرش في شارع “محمود عزمى”، وده شارع جانبي مش في الميدان، مفيهوش إشغال للطريق، وفجأة لقينا لجنة جت فيها ظباط وعساكر والريس بتاعهم اللي اسمه هشام نصر” .

يأخذ “عويس” نفسًا عميقًا محاولًا الحفاظ على رباطة جأشه ومانعًا نفسه من اهتزاز صوته كلما تذكر الفاجعة ليواصل الحكاية “الظباط نزلوا من العربيات الميكروباص شتمونا، وبعدين جه هشام نصر سأل مصطفى عن أخوه وليه مجابوش، وحاولوا يخدوا مصطفى معاهم بدل أخوه فجرينا عشان نتحايل عليهم يسيبوه، فضربوا والده وهو بيحاول يخده من إيديهم، والناس اتلمت فضربوا نار في الهوا، وطلعنا نجري كلنا بسبب صوت النار” .

حاول الضباط أخذ والد “مصطفى ” إلى قسم الشرطة، فعاد العم والفقيد لموقع الحادثة مرة أخرى لمعرفة ما يجري، وفي غمرة الأحداث وتجمع الناس كما يؤكد “عويس “، لاحظوا فجأة أن “مصطفى” ملقى على الأرض دون حراك فاعتقدوا أنه فقد الوعي فقط، ولم يتخيلوا ما حدث إلا بعد الذهاب إليه ليجدوا أن الدم يغطيه من كل مكان وهو يقول كلمة واحدة  كانت “إلحقوني”.

وبعد الانتقال بـ”مصطفى” وهو بين الحياة والموت من مستشفى إلى أخرى حتى استقروا في النهاية فى مستشفى بولاق؛ حيث دخل العمليات ليمكث هناك دقائق معدودة ثم يموت بعدها على إثر طلق ناري اخترق جنبه وخرج من الجهة الأخرى.

قد تكون تلك المأساة كافية لقلب حياة أسرة “مصطفى” رأسا على عقب، إلا أن المأساة اكتملت عندما اختفى الضابط المسئول عن الحادثة من البداية، “احنا عايزين نعرف الظابط اللي قتل ابننا متحققش معاه ليه، ولو احنا بلطجية زي ما بيقولوا، ايه اللي هيخلينا نقعد هنا في وسط ميدان الجيزة منتظرين حد من الحكومة يشوف حل في مشكلتنا ” بهذه الكلمات ارتفع صوت “عويس”.

الأسرة المكلومة حاولت أن تنخذ كل السبل القانونية لمعرفة مصير قضية ابنهم؛ فذهبوا لدار القضاء وقابلوا النائب العام وقاموا بتوكيل محام عنهم، بالإضافة إلى تطوع أكثر من محامي للعمل في القضية، لكن أحدا لم يفعل شيئًا ذا قيمة حتى الآن، على الرغم من مرور عشرة أيام على الحادث وأسبوع على اعتصام الأسرة في ميدان الجيزة، ولكن “لا حياة لمن تنادي”.

 

 

مصراوى

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى