محسن شعلان يكتب: عصر البلابيص….

لم يتلطّخ تاريخ مصر الحديث مثلما تلطّخه الآن عصابة الحكم المسلوب من ثورة ترمّلت يوم عرسها.. هذه الثورة التى شعر كل من خرج من أجلها بأنه يحملها فى ضميره، ويفتديها بحياته. وهذا هو ما جعل الثوار لم ينتبهوا إلى أنهم جسد بلا رأس.. جيش بلا قائد.. ميدان بلا راية!!
لم يخطر أبدا ببالهم النقى المنشغل بتحقيق مطالب التغيير، أن هناك أسرابا من الجراد تعشّش فى الظلام.. تتربّص فى الزوايا الضيّقة وفى الأركان البعيدة المنزوية شديدة العتمة.. هم ليسوا جرادا فقط.. لكنهم خليط من خفافيش وأفاعى مصّاصة دماء!!
وما إن زالت الغمّة وانقشع الظلام، وبدأت تلوح فى الأفق بشائر الحرية.. حتى تلبّدت السماء مرة أخرى بكتل من غيوم.. وبشكل خاطف كالبرق ساد غمام أغلظ.. أشد سوادا وأكثر ظلمة وغلظة وضراوة وغدرا وجهلا وعنجهية خاوية.. وعمامة فارغة من تقوى الله وتقوى النفس المكتظّة بالحقد والكراهية لهذا الشعب عريق الأمجاد.. وركبوا!! نعم ركبوا بثعابينهم وخفافيشهم وجرادهم الذى أتى شرِها لإبادة كل أخضر ويابس.. ركبوا بتزويرهم المختلف عن تزوير من سبقوهم ممن قامت عليهم الثورة.. فهؤلاء يزورون ويرشون ويدلسون ويشحنون البشر فى علب العوذ والشح والاحتياج.. وفور أن ينهوا مهمتم، وتزول أهمية هؤلاء.. يلفظونهم على قارعة الطريق عراة مصدومين مقهورين.. ومن يفيق منهم ويثور ليثأر من تضليله وتسخيره بكذب وغش وافتراء.. يلقى به مرة أخرى على قارعة الطريق!! لكن فى هذه المرة هو ليس على نفس الطريق.. هو فى هذه المرة على طريق المظالم المؤدى إلى كرسى السلطان!! وأيضا فى هذه المرة هو ليس على هيئته المتواضعة رثة الثياب!! وا خزياه… فقد جرّدوه من ملابسه الرثّة.. وألقوا به عاريا.. فهم قوم لا يعرفون الستر ويتمسحون فى الستّار!! داسوا على رقابهم بالأحذية الميرى.. وسحلوهم على أسفلت ميرى محاط بعيون ميرى ورتب ميرى من جنود السلطان.. واهم العصر ومفتعل الأوان!!
إن ظاهرة تعرية المصريين المولع بها حكم مرسى وشرطته ورفاقه الأبرار، وزبانيته لم تشهدها مصر على أيدى حكامها منذ عصر محمد على، ومرورا بالملك فؤاد وفاروق.. وحتى عبد الناصر الذى يكمنون ويعلنون له كرها وغيظا لم يعرهم بلابيص فى الشوارع.. ولا على قارعة الطريق المؤدى إلى منزله فى منشية البكرى… ربما يكون قد بلبصهم فى السجون والمعتقلات.. ولكن لماذا «ربما»!! فمن المرجح جدا أن يكون بلبصهم فعلا ولكن على استحياء!! فقد سترهم واكتفى ببلبصتهم فى الخفاء.. ولم يبلبصهم فى الشوارع على مرأى ومسمع من الناس والعشيرة!! وإذا كان عبد الناصر قد فعلها حقا.. فهو بذلك يكون مكشوفا عنه الحجاب حيا وميتا.. فقد كان بالتأكيد يثأر للمصريين منهم مقدما!! وحتى الرئيس السادات الذى قتلوه غدرا وخيانة وخسّة.. لم يعرهم بلابيص على قارعة الطريق.. فالرجل كنّى نفسه بالرئيس المؤمن.. والمؤمن لا يبلبص!! فكيف أنتم مؤمنون وتبلبصون البشر!!
لقد فتح هذا التعرى شهية كل المعقدين نفسيا.. وأصحاب تراكيب النزعات الشاذة والساديين لنرى مشهدا مقززا داخل إحدى مصحات علاج الإدمان وقد تحولت لما يشبه سجن أبو غريب الذى هزّ العالم بمشاهد التعذيب فيه بالانتهاك الجسدى والتعرى!!كأن هذه المصحّة قد حصلت على إذن وتصريح الجودة من حكومة التعرى!! هى سمة.. خاتم مدموغ بشعار الحرية والعدالة سيجد الكثيرون ممن يتسابقون عليه إرضاء لمصاصى الدماء.. تماما كما فعل وزير الداخلية الذى تسابق فى أن يأتى بما لم يأت به حبيب العادلى وزير داخلية مبارك الذى يلقبه مرسى بالرئيس المجرم!! فيصبح العادلى وزيرا «فافى» بيتعشّى سوسيس.. ومابيعرفش يبلبص.. فيصبح بالنسبة إليه «حمل وديع»!! ولا إيه يا وديع.. (الداخلية تتحدى الملل)!!
إذن هو عصر التعرى.. عصر بلبصة المعارضة.. فيه تعرّت ست البنات (وعدّت).. وتعرّى النصف الفوقانى لأبو العز الحريرى (وعدّت).. وتعرى النصف التحتانى لواحد أكيد مانعرفوش لأنه لم يصوره أحد (وعدّت).. وتعرّى الثوار وهم يعذّبون فى مداخل العمارات المحيطة بالاتحادية (وعدّت).. وتعرّى حمادة صابر (وعدّت).. وتعرّى نزلاء المصحّة… واعتبروها (عدت)!!
لذا.. فالحل الوحيد فى ما بعد.. أن ينزل الثوار من بيوتهم وهم بلابيص حتى يضيّعوا على هؤلاء فرصة النشوة بممارسة التعرية مع سبق الإصدار والتفخّد!! ونعلنها جلية نحن فى عصر فريد جديد يقبل معارضة البلابيص!!
التحرير