<<< يا رئيس الوزراااااء >>>

حقيقة أني أشعر أحيانا أن الجنسية المصرية التي ولدت بها ليست مجرد شرف ، بل هي تحد كذلك يسقط على جسدك المصري المعذب ، وبالتحديد على المرارة وضغط الدم، تلتزم الصمت وتحاول التزام حدود الأدب أنت الضعيف المسكين، وتعض على نواجذ الصبر الذي يحرمك النوم وأنت تلجم لسانك وتصمت وتصبر على هذا الحاكم أو ذلك المسئول مرة تلو الأخرى ، تتضايق من نفسك ومن لغتك الحادة وتعاهد نفسك أن تكون هادئا موضوعيا إلى أن تصل إلى نقطة الانفجار
هو أستاذ اقتصاد كبير هذه حقيقة لا جدال فيها ، مؤلفاته تقول ذلك وقد قرأت منها عدة كتب أذكر منها كتابه الرائع دور الدولة في الاقتصاد الذي قرأته عدة مرات يرسم فيه الدكتور الببلاوي ببراعة خبير اقتصادي محنك حدود تدخل الدولة في نشاط السوق، وخلال حكومة عصام شرف، وعندما كان الدكتور الببلاوي وزيرا للمالية، أعلن التلفزيون أنه سوف يستضيفه، وتلقيت هذا الإعلان باهتمام كبير ورغبة عظيمة في الاستماع لأستاذ كبير أعرف قدره جيدا، وتكلم الدكتور فماذا قال؟
حكى لنا عن جهوده المضنية في جمع المنح والمعونات من دول الخليج، مستعرضا الدول الخليجية التي “التزمت” بلغته ، ومعاتبا للدول التي وعدت ” ولم تلتزم” واستعرض مساعيه في الحصول على مزيد من المعونات لمصر صاحبة الثقل العربي والمقام العالي! تضايقت، واستغربت قليلا من غياب فكرة المشروع الاقتصادي المصري في ذهنه اكتفاء منه بمد اليد للشقيقات الخليجيات. قلت لنفسي أن الرجل ليس وزير اقتصاد ولكنه وزير مالية ( يا فرحتي بأن المالية لها وزارة والاقتصاد له وزارة!
ولزمت الصمت، ومضت حكومة عصام شرف، ودارت الأيام وبعد جهد ومفاضلة وتعطيل للمراكب السايرة مرة تلو الأخرى بمعرفة حزب النور الذي يحب مصر ويحب نفسه ، تولى الدكتور الببلاوي رئاسة الوزراء، لم ارتح كثيرا للفكرة بسبب انطباعي السابق، لمت نفسي على قلقي ومخاوفي وقلت أن الرجل لن يتولى وزارة المالية، ولكنه سيتولى رئاسة الوزراء وسيكون له كأستاذ في الاقتصاد رؤية ومشروع، ويصرح رئيس الوزراء في يومه الأول أنه لن يستطيع أن يقدم شيئا للاقتصاد بغير استتباب الأمن، ورغم أن وجهة النظر صحيحة مبدئيا إلا أن السؤال الذي ثار في ذهني فورا” ولماذا إذن قبلت رئاسة وزارة إنقاذ من أساسه إذن؟!!”ويعلن التلفزيون مؤخرا عن لقاء مع رئيس الوزراء، وتسأله المذيعة عن الاقتصاد فماذا قال؟ للمرة الثانية استعرض الرجل المنح والمعونات المقدمة من دول الخليج كالعادة، قال أنه حصل من الشقيقة العربية الخليجية الفلانية على مبلغ كذا، ومن تلك الأخرى على مبلغ كيت، وأن الشقيقة الإمارات سوف تبني لنا صوامع قمح لكي نستطيع تخزينه ومن ثم شراءه في أوقات انخفاض الأسعار، وأنها ستمنحنا مستشفى في منطقة منشية ناصر العشوائية على أعلاااااا مستوى!!” (وما هو موقفك أنت من المنطقة العشوائية من أساسه؟ مفيش!!)
وأن الكويت منحتنا وديعة لن نستطيع استخدامها كثيرا لأن مدتها سنة واحدة، ولكن محافظ البنك المركزي استطاع التفاهم مع الأشقاء الذين وافقوا مشكورين على مد أجلها لخمس سنوات ويا له من إنجاز ولكن، أين هو مشروع بناء مصر الحديثة بسواعد المصريين؟؟؟ لا يوجد ،أين هي الرؤية؟ لا يوجد، مخططات التنمية وجدولها الزمني والأهداف المحددة؟ لا يوجد، التعليم؟ القضاء على الأمية؟ لا يوجد، خريطة تنمية الصعيد؟ لا يوجد. . فقط مد اليد والنظر لموارد الآخرين والأكل من عرق الغير.وفقط كالعادة، مستشفى، صوامع ، منح وبالسلامة، والدكتور يعرف أن هذه الأمور لا تنهض بها أمة ولا ينبني بها اقتصاد .
انتهى اللقاء وأنا شاعر بالمهانة والمرارة وقلة القيمة، أهذه هي مصر؟ تسول ومد يد؟ الفارق كبير بين التعاون والمعونة، التعاون هو أن طرفا بدأ بشيء ويجاهد لإنفاذه فيتدخل الطرف الآخر ويمد يده ليعاونه، هذا هو التعاون، أما المعونة فهي لرجل مشلول بغير مشروع ولا طموح ، قرر أن يتقبل شاكرا الوظيفة الكبيرة ثم اختار م اليوم الأول بإرادته أن يكون مشلولا يجلس على كرسي بعجلات ليشكو الجوع مكتفيا بأن يدور على أموال الآخرين وهو يقول لله يا محسنين، والحياة اختيارات تحسمها عدة عوامل، الإرادة السياسية ووضوح الهدف والرؤية ، ثم تحويلها للمشروع قومي كبير يلتف حوله الشعب
ثم التصميم بكل قوة على بلوغ الهدف بالكفاح والعرق والجهد، هكذا فقط تبنى الأمم ، ولكن كل هذا غائب ولا وجود له في ذهن أستاذ الاقتصاد الكبير، وأصمم على الانثناء على مرارتي الموجوعة والتزام الصمت، وما الفائدة؟ أنا أؤذن في مالطة، أحذر من النص الدستوري الذي يترك تنظيم الإخطار قبل التظاهر”بالقانون” ولا فائدة، أحذر من أن غياب آلية لمحاكمة الرئيس حال غياب مجلس شعب المنوط به وحده اتهام الرئيس حال تخابره مع دولة أجنبية سيعطيه حصانة مطلقة ضد أفعال يمكن ان تذهب بمصر في داهية ولا مجيب، يعني هيا جت على المظهر المتسول لمصر “أم الدنيا اللي حا تبقى قد الدنيا” أمام العالمين متجسدا في رئيس وزراء مصر؟ ثم أطالع خبرا في الجرائد يقول “قال إيه ” أن مصر غاضبة من السادة/ صندوق النقد الدولي لأنهم تعاملوا مع مصر بشكل “مهين لكرامتها”!! حسنة وأنا سيدك!! الأمم تعمل وتتقدم واحنا عايشين في الوهم لا يفيقنا منه ولا حتى الصفر بتاع ملف كاس العالم قديما، ولا الستة بتاعت تصفياتها حديثا، لأن مصر قد الدنيا!! ولماذا أتعلم الصيد عندما أستطيع كأي قط جائع أن أقف بجوار الصياد في انتظار أن يلقي لي بسمكة؟ فإذا غضب الصياد الأمريكاني أذهب للصياد الخليجي وأظل اتنقل بين الصيادين دون أن أفكر في أن أصطاد بنفسي لأني تعودت أن يتقدم الآخرون علما بأن لدي في الشمال أرضا لو زرعتها لكنت من كبار مصدري القمح في العالم بدلا من أن أكتفي بصومعة قمح يهبونها لي لآكل منها عيش بسعر رخيص، ثم لا يوجد ما يمنع أن أنتفض كعبد السلام النابلسي في الأفلام القديمة وأنا أصيح ” كرامتي!!” فإذا غضبوا جميعا متنا من الجوع لأننا تعودنا على الأكل من موارد غيرنا دون أن يكون لدينا مشروعنا نحن حتى ولو عاوننا فيه الآخرون ؟
ثم يعلن أن الدكتور الببلاوي قادم للإمارات وأنا أعرف مقدما لماذا هو قادم، ويعلن أنه سيقابل أفراد الجالية المصرية في الإمارات ، لا أريد أن ألقاه والصمت أفضل، وتنهال الأخبار، مدارس، منحة أربعة مليارات دولار ، اتفاقيات..إلخ، وأخيرا تأتي لحظة الانفجار، أطالع اليوم في صحف الصباح كلام حكام الإمارات لسيادة الدكتور، قالوا في وجهه بالحرف الواحد بأكثر الطرق نبلا وتهذيبا ومعهم كل الحق، أن المعونات لا يمكن أن تستمر إلى الأبد ، وأن الدول لا تقوم على موارد الدول الأخرى وإنما على سواعد أبنائها ، وبأن حكومة دبي ، وهي بالمناسبة لا يوجد بها نقطة بترول واحدة، نجحت في تحقيق التنمية والرخاء لشعبها رغم كل المصاعب والتحديات بما مفاده “الكلام لك يا جار”، هذا ما قاله حكام الإمارات للسيد رئيس الوزراء المصري، وبماذا رد سيادة الدكتور
رد بابتسامته إياها بأن مصر لديها مشروع اقتصادي استراتيجي طويل المدى!!! ما هو؟ لا أحد يعلم، أي كلام ! مجرد طق حنك و”برو عتب” قبل الهروب بالمنحة الثمينة، وها هنا فقط انفجرت مرارتي وتعاظم الإحساس بها لدرجة التقيؤ . أفرغت ما في معدتي يا بلدي العظيم وها أنذا أكتب وأكتب!! ولأنني لا أريد أن أكون ناقدا فقط فدعوني أقول حقيقة أخرى، وهي أن جانبا ضخما من نجاح الإمارات بارك الله فيها تحقق على أيدي شباب مصر المتميزين المبدعين الذين لم يجدوا في دولة العواجيز فرصتهم، وهكذا كان قراري الكبير قبل فترة إنشاء فريق ” الملف المصري” جمعت فيه عددا كبيرا من صفوة علماء مصر الشبان في الإمارات ، خبراء تخطيط مدن وتطوير عشوائيات واقتصاد وموارد وطرق ومواصلات وكمبيوتر وطاقة متجددة ، وتطور الفريق ليضم متخصصين مصريين من كل دول العالم من بينهم شاب مصري نوبي يعمل في اسبانيا ووظيفته هناك هي نائب رئيس غرفة صناعة السياحة الاسبانية !! ولديه واحدة من كبريات شركات السياحة العالمية!! جميعهم في ثلاثينيات عمرهم، احتفظوا لمصر بمشاريع كبرى على أمل أن يتمكنوا يوما من تنفيذها ، وكلما وقعت تحت أيديهم فكرة تناسب مصر وضعوها على جنب على أمل أن يتمكنوا من تنفيذها على أرض مصر الغالية يوما ما ! نعيد رسم خريطة مصر التي نحلم بها لندفعها للأمام خمس سنوات في كل سنة بجدول زمني لتتقدم عشرون عاما في أربع سنوات وهكذا.
منهم من حاول وذهب إلى مصر بالفعل وتقابل مع مسئولين ولا فائدة، خبير الطاقة المتجددة أخبرني في أن منطقة توشكى هي افضل بقعة في العالم لانتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، وأن مصر تستطيع تصدير الكهرباء للعالم كله خلال عشرين عاما موردا كبيرا للاقتصاد، وأنه ذهب مع خبراء عالميين لمسئول كبير في وزارة الكهرباء، استمع الرجل قليلا ثم سقط نائما في غفوة أمام أعين الأجانب أثناء الاجتماع بحكم السن!! ليس أمامنا إلا أن نعمل على إعادة بناء الخريطة المصرية، وسنعلن عن الموقع الالكتروني للملف المصري قريبا لنجمع فيه كل الدراسات التي تفيد مصر من كل العالم،نوجه من خلاله دعوة مفتوحة لكل العلماء المصريين في جنبات الأرض ولكل مصري في الداخل والخارج يريد أن يساهم في المشروع المصري الكبير دون سعي لسلطة أو منفعة ، سنعمل على الخرائط المصرية بكل سنتيمتر ، ولو كان هناك أمل ولو واحد بالمائة أن يتمكن فريق الملف المصري يوما من الانطلاق بمصر وطاقاتها الشابة ومواردها العبقرية إلى آفاق السماء فالأمل يستحق، ومصر تستحق ، لعلنا نفيق من حوار الطرشان والاستقطاب والغيبوبة والأغاني الوطنية لنبدأ في العمل بجد ، بجنون، بطموح وتصميم لا يلين إلى أن ينهض العملاق الصناعي المصري، الحلم المصري العظيم بإرادات الرجال،المكان والزمان والتاريخ والرفعة، النمر الاقتصادي المصري الذي يراه العالم كله ممكنا ،ولا يصدق وجوده أصلا السيد رئيس الوزراء المصري، لا حول ولا قوة إلا بالله.
المستشار أشرف البارودي
الدستور الاصلى