مصر على حافَّة الإفلاس

10

يستعد جون كيرى وزير الخارجية لزيارة مصر فى إطار جولة تبدأ الأحد القادم وتشمل عديدا من الدول الأوروبية والشرق أوسطية، وحرصت واشنطن فى الأيام الأخيرة أيضا، كما اعتدنا منها منذ فترة، على عدم اتخاذ موقف المواجهة أو المجابهة مع الرئيس مرسى رغم كل ما يصدر عنه وعن حكومته ورغم ما تشهده مصر من تصعيد سياسى وانهيار اقتصادى وتدهور أمنى. ونعم الكونجرس فى إجازة هذه الأيام، إلا أن بعض القيادات الجمهورية به تحديدا لم تتردد فى إظهار قلقها وإبداء رفضها علنا لما يحدث فى مصر، وأن تقول إنها «واقفة بالمرصاد لما يقوم به مرسى وإخوانه»، ويوم الثلاثاء المقبل 26 فبراير تُعقَد جلسة بمجلس النواب لمناقشة «مصر بعد عامين من الثورة».

وبالتأكيد المشهد يزداد ارتباكا مع استمرار تدهور الأوضاع فى مصر، والأوضاع فى مصر بتقلباتها وقلقها وغموضها يراها أهل واشنطن من كَثَب ويتابعونها ويترقبونها ويرصدونها لحظة بلحظة. وصور الواقع من خلال الإعلام بكل أنواعه تعكس الأوضاع واعتراض الشارع وبطش رجال الأمن وغضبة بورسعيد والاستقطاب السياسى والترهيب الإخوانى. وقد نشرت «واشنطن بوست» أمس (الخميس) مقالة مطولة فى صفحة الرأى عن ضرورة أن تقوم واشنطن باستخدام بعض من «حبها القاسى» لمصر فى تحقيق إصلاح سياسى شامل وأن لا تقوم واشنطن بتدليل مرسى والسكوت عما يرتكبه مثلما فعلت وأخطأت مع مبارك من قبل. المقالة كتبها اثنان من المهتمين والمهمومين بمصر من أهل واشنطن هما روبرت كيجان وميشيل دان. الأول من أقطاب الفكر السياسى فى الحزب الجمهورى وينتسب إلى المحافظين الجدد، وهو حاليا زميل كبير بمعهد «بروكنجز»، أما الثانية فهى خبيرة قديرة فى شؤون مصر وتشغل حاليا منصب مديرة مركز رفيق الحريرى للشرق الأوسط بمجلس «أطلنطيك»، والاثنان معا يرأسان «مجموعة عمل عن مصر» هى مجموعة تتشكل عضويتها من الحزبين الديمقراطى والجمهورى.

والمقالة المهمة بمضمونها وتوقيتها تبدأ بالقول: «الرئيس أوباما وجون كيرى وزير الخارجية فى حاجة إلى إعطاء مصر اهتماما الآن، فمصر، أكثر الدول العربية سكانا، ورمز الربيع العربى، تواجه أزمة اقتصادية تزداد وضوحا وانهيارًا فى القانون، والنظام يتوسع انتشارا بما فيه من تزايد حالات الجريمة والاغتصاب. وأى من هاتين الأزمتين سوف تشلّ جهد مصر المتعثر فى أن تصبح ديمقراطية مستقرة».

وتضيف: «وإدارة أوباما تعاملت مع مصر فى المقام الأول كمشكلة اقتصادية، وحثت القاهرة على التحرك بسرعة لإرضاء طلبات صندوق النقد الدولى من أجل توفير التمويل. ولكن لا يمكن فصل أزمة مصر الاقتصادية عن أزمتها السياسية.. أو عن إخفاقات حكومتها الحالية. إن الاقتصاد المصرى يتصارع والفوضى منتشرة لأن قادة الدولة، المجلس العسكرى أولا والآن الرئيس محمد مرسى، فشلوا فى إقامة عملية سياسية شاملة للكل لا إقصاء فيها. وحتى قيام ذلك لن يقوم أى كم من تمويل الصندوق بتغيير الحال». ولم يكتفِ كاتبا المقالة بوصف المشهد، بل قاما بتشخيص الحالة: «وعلى الرغم من أن مرسى انتصر بفارق بسيط الصيف الماضى فإنه لا يزال فى حاجة إلى أن يتعلم ماذا يعنى أن تقود مجتمعًا ديمقراطيًّا. جماعته الإخوان المسلمون هى أقوى قوة سياسية بمصر، ولكن لا تحظى بأغلبية التأييد الشعبى. والجماعة لا تستطيع أن تفرض ببساطةٍ إرادتها على الوطن، خصوصًا أن هذا الوطن ما زال منتفضا بروح الثورة. مرسى قد يستطيع بالكاد أن يقوم بمهام ملحة مثل إلغاء الدعم المهدر للوقود وإصلاح فساد وزارة الداخلية وقوات الشرطة حينما يكون أغلب البلد ضده ومستعدًّا أى ينزل إلى الشوارع مع أدنى تحريض».

ثم يكتبان فى وصف مصر الآن «فى ظل نظام مرسى أصبح المجتمع المصرى مستقطبا بين الإسلاميين وغير الإسلاميين. وبإغاظة المعارضة السياسية فى نهاية العام الماضى قام مرسى بتمرير دستور جديد يحتوى على مواد لا توفر الحمايات الضرورية لحقوق المرأة وغير المسلمين ويتيح إمكانية مراقبة التشريع من جانب رجال الدين الإسلامى. وقد تم تجاهل المظاهرات الاحتجاجية حول العملية المعيبة التى تمت من خلالها صياغة الدستور وتمريره. كما أن مرسى يتحرك قدما تجاه انتخابات تشريعية بناء على قانون للانتخابات تعارضه المعارضة. فى الوقت ذاته تأخذ حكومته إجراءات صارمة ضد الصحفيين وتوجه اتهامات زائفة ضد قيادات المعارضة وتحد من حق التظاهر العام. كما أنها تفكر فى إصدار تشريع سوف يحد من نشاطات المنظمات غير الحكومية أكثر مما فعله حسنى مبارك».

وبما أن المقالة تتعرض لوصف حالة مصر بالتفاصيل وكما يراها الكل، فإنها تتحدث عن الإحباط الذى أصاب المعارضة وأن مصر أصبحت أيضا على حافة الإفلاس: «الاحتياطى يكفى لما يمكن دفعه لشراء احتياجاتها من الغذاء والوقود لثلاثة أشهر فقط» و«الاقتصاد يغرق والصراع السياسى يتصاعد والوضع الأمنى يتدهور».

وتنتقد مقالة «واشنطن بوست» إدارة أوباما على أساس أن ردها على الأزمة كان غالبا أن تستمر فى التعامل كما كانت تفعل من قبل وأن الولايات المتحدة كما تمسكت بمبارك فى يوم ما فإن إدارة أوباما ارتبطت من كثب بمرسى بمنحه زيارة لواشنطن واستمرار الإمداد بـ1.3 مليار دولار من المساعدة العسكرية، ومنها إرسالها حديثا مقاتلات من طراز «F-16». وكما أشار كيجان ودان فإن الإدارة صمتت فى رد فعلها على هيمنة مرسى وأن المعارضة فى مصر «تؤمن بأن واشنطن عاودت تجاهل الممارسات غير الديمقراطية ما دامت الحكومة المصرية تحمى مصالح أمريكا الاستراتيجية». ويرى الكاتبان أنه «خارج إطار فتح اتصالات جديدة مع جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة لم يجرِ أى إعادة تقييم أساسى لسياسة أمريكا تجاه مصر منذ خلع مبارك فى عام 2011. وإن مساعداتنا العسكرية والاقتصادية بقيت كما هى فى ما عدا أن كل المساعدات المرتبطة بالديمقراطية والمجتمع المدنى قد قُطعت».

وتقول المقالة «لقد حان الوقت لمعالجة جديدة، والإدارة والكونجرس معا فى حاجة إلى إجراء تقييم شامل للمساعدة العسكرية والاقتصادية لمصر. ماذا يحتاج إليه الجيش المصرى لتحقيق الأمن فى سيناء غالبا ليس (F- 16). ما الشروط التى يجب أن يضعها الكونجرس لتقديم المساعدة؟ إن مجموعة المساعدات السابقة التى تم اعتمادها كانت مشروطة بتحقيق تقدم نحو الديمقراطية، ولكن الإدارة أصرت على استخدام الأمن القومى من أجل تقديم المعونة بغضّ النظر عن سلوك مصر. ربما الكونجرس يجب أن لا يسمح باستخدام هذا التبرير فى القرار المقبل الخاص بالمساعدة، أما فى ما يتعلق بزيارة مرسى المقررة لواشنطن فإنه سيكون من الأفضل تعليق الدعوة حتى يُظهِر مرسى التزاما جادا للعمل مع كل المجتمع المصرى وأن يسمح بالحرية الحقيقية لكل المواطنين، وهذا يعنى مساندة قانون يلبى المقاييس الدولية فى ما يخص تقنين المجتمع المدنى، والسماح لمنظمات المراقبة بأن تعمل بحرية، وأخيرا إيجاد حل للوضع المثير للخلاف للمنظمات غير الحكومية الأجنبية وأيضا المصرية الممولة أجنبيا. وهذا يعنى إنهاء ملاحقة الصحفيين وشخصيات المعارضة، والالتزام بإصلاح الشرطة ومحاسبتهم وبناء وضع توافقى حول قضايا حرجة مثل الدستور وقانون الانتخابات». وفى ختام المقالة يقول كيجان ودان: «لقد ارتكبت الولايات المتحدة خطأ استراتيجيًّا لسنوات عديدة بتدليلها مبارك، ورفضه للقيام بإصلاحات أدى إلى ثورة ميدان التحرير. ونحن نكرر الخطأ بتدليل مرسى فى هذه اللحظة الحرجة. إن الولايات المتحدة تحتاج إلى أن تستخدم كل خياراتها، المساعدة العسكرية والمساعدة الاقتصادية ونفوذ أمريكا لدى صندوق النقد ومقدمى قروض دوليين آخرين، من أجل إقناع مرسى لكى يتوافق مع السياسيين العلمانيين وقادة المجتمع المدنى حول قضايا السياسة وحقوق الإنسان من أجل إعادة بناء الأمن ووضع الاقتصاد على المسار الصحيح». لا شك أن هذه المقالة ستكون حديث واشنطن وأهلها، إذ قامت بتشخيص الحالة الإخوانية فى مصر وبتحذير الإدارة الأمريكية من استمرار صمتها تجاه ما يفعله مرسى، أو بتعبير أدق وأصدق تجاه ما لا يفعله مرسى، فى مواجهة الأوضاع المتردية والأزمات المتصاعدة فى مصر.

روبرت كيجان وميشيل دان قالا ما يجب قوله بصراحة ووضوح وجرأة وفى توقيت مهم. وكيرى خلال وجوده فى مصر من المنتظَر أنه سيسمع كثيرًا من المصريين سواء من المسؤولين أو القيادات السياسية أو النشطاء أو رجال الأعمال. ونحن فى انتظار الأيام المقبلة بما تحمله من مواقف ومفاجآت.. وتصريحات وتسريبات!

جورنالك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى