ردوا هدية الأقباط

الأقباط على مسافة أربعة أيام فقط من إعلان اسم البابا الـ118 حيث ستقع القرعة يوم الأحد على أحد الثلاثة الذين حققوا أعلى الأصوات في انتخابات الاثنين الماضي.
البابا الجديد لا يعني المسيحيين المصريين فقط بل المسلمين أيضًا، فهو رمز لأهلنا الذين يشاركوننا هذا الوطن ولا يمكن الاستغناء عنهم لأنهم عضو في جسد إذا اُفتقد لأي سبب صار الجسد معاقًا.
ولأن مصر تخضع لحكم إسلامي في الوقت الحاضر حيث يتولى أمرها رئيس من رحم جماعة الإخوان المسلمين، فإن العالم اهتم بشخص البابا المقبل وهل سيكون دينيًا أم سياسيًا، وإن كانت مقدمات المشهد توحي بأن أهلنا الأقباط قرروا أن يكون دينيًا بإبعاد بعض الأسماء المثيرة للجدل خلال المرحلة الماضية.
استبعدت لجنة الانتخابات البابوية الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس الذي يوصف بالرجل القوي استجابة لدعاوى قضائية رفعها أقباط خشية من أن يدخل الكنيسة في صدام. وحينها قال نادر شكري المتحدث باسم شباب ماسبيرو إن اللجنة استطاعت باستبعاد بيشوي أن تحمي الكنيسة من حدة الصراعات وتمكنت من التعبير عن نبض الأقباط وشعرت بمخاوفهم.
إذا كان مسلمو مصر لم ينسوا لبيشوي بعض مواقفه، فإن المسيحيين لم يعتبروه بطلاً بل أصروا على استبعاده من الانتخابات البابوية بسبب ذلك ليقدموا حرصهم على وحدة الوطن وسلامة جسمه الاجتماعي على أي اعتبارات أخرى، فبيشوي هو صاحب تصريح أن المسلمين حلوا ضيوفًا على مصر في القرن السابع الميلادي.
ونحن على أعتاب صناعة تاريخ جديد لمصر، نتمنى أن يكون التيار الإسلامي على قدر المسئولية الملقاة على عاتقه وأن يطبقوا سماحة الإسلام وعدالته على عيش المسلمين المشترك مع مواطنيهم الأقباط، فالعدالة والسماحة تقتضيان أنهم مواطنون متساوون تمامًا في الحقوق والواجبات، ولا يجب أن نمنع عنهم أي حق بتمييز ديني. لقد قدم المسيحيون هدية لوطنهم بإبعاد التشدد الديني والسياسي عن منصب البابا، وبات على التيار الإسلامي الحاكم أو القريب من الحكم أن يرد الهدية بأحسن مثلها.
لا مكان للتشدد الديني والغلو والتضييق على الناس والحرمان الطائفي في ظل مصر الجديدة التي نبنيها على أسس ديمقراطية ودستورية وقانونية. وإذا كان الدين الرسمي للدولة هو الإسلام ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فإن ذلك لا ينزع حقوق المسيحيين الكاملة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية، وأي شيء غير ذلك يصنف غلوًا تتبرأ منه مصر عبر تاريخها الطويل.
لا يجب أن ننسى وصية الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عدالة الخليفة عمر بن الخطاب عندما جاءه المصري شاكيًا ابن الأكرمين، فقد أعطاه حقه على الملأ بأن أتاح له ضرب ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه بل وطلب منه أن يضرب عمرو نفسه.
المصريون