عبد المنعم الصاوييكتب: «بفلوسى»

36

أظن أن زوجتى ستعتبر هذا المقال هو أفضل هدية تلقتها طوال زواجنا الذى تجاوز عمره ربع القرن.. كنت أتمنى أن يكون تاريخ نشره أقرب إلى عيد ميلادها حتى أستغله وأهرب من الهدية، ولكن -مع بُعده عن كل التواريخ العائلية- أضع فيه أملاً كبيراً فى زيادة رصيدى لديها.

أرجو ألا أكسب زوجتى وأخسر الكثيرين من أصدقائى الذين أتوقع منهم استبسالاً فى مقاومة الفكرة.. أدعوكم إلى الهدوء التام والتقاط الأنفاس العميقة، وتذكروا أنى لست مفتياً، وغير مستعد لحمل أمانة ومسئولية الفتوى، لكنى محب للتفكير الحر وتدَبُّر الأمور كما أمرنا الله؛ لعله يهدينا إلى ما يرضيه وينفعنا.

الموضوع: توقفت أمام الإحصاء الأخير الذى أفاد بالتقارب الشديد بين أعداد رجال ونساء مصر، قلت على الفور: معنى هذا أن من يتزوج بالثانية يصادر فرصة شاب فى العثور على زوجة؟! شعرت أن الأمر بحاجة إلى مناقشة مجتمعية موسعة.. مناقشة مهذبة، لا تقترب أو تتجرأ على ما أُمرنا به فى شرع مستقر، حاشا لله، لكنى أسعى -مع من هم أعلم منى- لاستيعابٍ أعمق للأوامر ومقاصدها الشرعية.

الأصل فى الزواج واحدة، أما التعدد فهو ترخيص مشروط لمواجهة ظروف غير طبيعية؛ ذلك أن الخروج عن القاعدة واللجوء إلى الاستثناء يجب ألا يقعا إلا فى ظروف استثنائية، كوقوع نقص شديد فى الرجال نتيجة لحرب أو غيرها من الأسباب.. يقول الرجل المتدين: ولِمَ تريد أن تحرمنى من متعة مشروعة ما دمتُ قادراً على نفقات الزواج؟ أقول: وكيف تقبل أنت أن تحرم رجلاً آخر من حقه فى الزواج؟ وأضيف: ليتك تتحمل نفقات زيجة رجل آخر، وتعينه على أن يعف نفسه!

أعرف أن ما أقول لا يسعد البعض ممن ارتاح ضميرهم للزواج بأكثر من واحدة، لكنى أكرر أن رأيى فى مثل هذه الأمور ليس إلا اجتهاداً متواضعاً، أعلن استعدادى للرجوع عنه بمجرد إدراكى لخطئه.. ومن يدرى؟ فربما يأتى اليوم الذى تتغير فيه الموازين ويصبح الزواج بأكثر من واحدة فضلاً ندعو له جميعاً أو يدعو له الأحياء منا.

يغرينى هذا المدخل بالحديث عن فكرة أو موقف إنسانى لا أراه يليق أبداً بأتباع الدين.. إنها نظرية «بفلوسى» التى أبغضها وأنكرها كلما طُرحت أمامى.

أتساءل: لماذا ينسى كثير من الطيبين الآية الكريمة: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»؟ لقد أُمرنا بالإيثار، وهو فضيلة وقيمة تفوق العدل؛ حيث لا يكتفى المرء بتوخى إعطاء الآخرين حقوقهم، وإنما يسعى إلى تفضيلهم على نفسه. أين نحن من هذه المشاعر؟ «بفلوسى» تبعدنا عنها تماماً وتقربنا من منطقة شديدة الخطورة، ألا وهى تلك التى وردت فى «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا».

إن أخطر ما فى التبذير هو احتكار الخير أو المتع أو الفرص، ما يؤدى إلى حرمان آخرين منها، سواء كان الآخرون من مواطنى بلدنا أو من بنى آدم فى أى مكان من العالم، أو كان الآخرون من معاصرينا أو من أجيال تأتى من بعدنا، لتلعننا وتلعن إهدارنا لنعم الله وإتلافنا للبيئة التى ائتُمِنَّا عليها.

أذكر نفسى وكل قارئ بخطورة التبذير فى استخدام المياه والطاقة بأنواعها، والتبذير فى الأطعمة التى يبدأ بكبسها فى المعدة، وينتهى بإهدار كميات منها تُلقى فى سلة المهملات.

لعل واحداً يقرأ هذا المقال ويقرر أن يزوج شاباً لأول مرة بدلاً من أن يتزوج هو للمرة الثانية، فيثيبه الله، ويثيبنى.

الوطن

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى