حتى تكون المقاطعة مجدية

yahya

 

 

 

يعيش الشعب المصرى فى هذه المرحلة ظروفاً سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، منذ أيام المماليك. يقيناً منذ عام 1805 حين اختار الشعب المصرى محمد على والياً على مصر، وبايعه السيد عمر مكرم، ومصر تسير فى مراحل متعاقبة، كثير منها فى اتجاه الأمام، وبعضها غير انتظامى عن خط التقدم، ولعل أهم مرحلة للتقدم والتحضر بعد محمد على شهدتها مصر كانت فى عهد الخديو إسماعيل الذى أكمل بناء ما بدأ به جده العظيم، الذى جعل من القاهرة- كما قيل بحق- باريس على ضفاف النيل.

ثم بدأ الركود مع توفيق ومع الاحتلال البريطانى، ثم فرض الحماية البريطانية على مصر، إلى أن انتهت الحرب العالمية الأولى، وصدر تصريح 28 فبراير 1922 نتيجة لثورة 1919، التى فجرها شباب الحزب الوطنى «الوطنى»، بقيادة مصطفى النحاس، التى اختارت سعد زغلول زعيماً لها وصولاً إلى دستور 1923 وإجراء أول انتخابات ديمقراطية فى مصر، تحت إشراف وزارة محايدة، ومما يذكر أن رئيس الوزارة التى أجرت الانتخابات لم ينجح فى دائرته لصالح أحد مرشحى حزب الوفد الذى كان يتزعمه سعد زغلول.

كان دستوراً برلمانياً ديمقراطياً- رغم ما قد يحيط نشأته من بعض المثالب، وكانت انتخابات حرة نزيهة أجرتها حكومة محايدة، ومع ذلك جاءت بأغلبية كاسحة لحزب الوفد الذى كان آنذاك هو حزب الأمة بحق. ولكن مجلس النواب مع ذلك لم يخل من ممثلين للمعارضة.

وعاشت مصر فترة الليبرالية بين 1919 و1952 تتأرجح صعوداً وهبوطاً إلى أن جرى التفريط فى منجزات ثورة 1919، وحرص القصر والاحتلال على ضرب الوفد لصالح الأحزاب الصغيرة الموالية للقصر والاحتلال، وكان حتماً عندما وصلت الأمور إلى هذا الحد أن يتصدى تنظيم الضباط الأحرار، بقيادة جمال عبدالناصر لإنقاذ مصر مما انحدرت إليه، فكانت ثورة 1952 وما بعدها.

وظلت مصر فى صعود ثم هبوط حتى وصلت إلى عام 1980، ومن يومها بدأ الهبوط والانهيار والانحدار، ووصل الفساد إلى أعلى عليين حتى أصبح هو- الفساد- أقوى المؤسسات فى مصر، بل إنه طرق أبواباً كانت مغلقة عليه قبل ذلك. وصل إلى القضاء والجامعة، كما قلت فى محاضرة فى المعهد القومى للتخطيط سنة 2005.

وبدأ الرفض يتصاعد، وبدأ الغضب يتجمع، وتكونت حركة كفاية ثم حركة السادس من إبريل، ثم قام حزب الجبهة الديمقراطية، وأدرك الجميع أن مصر مقدمة على تغيير جذرى كبير، وقد كان. وجاء يوم 25 يناير 2011 وكسرت ملايين الشعب المصرى حاجز الخوف، وأدرك الطاغية أن الجيش لن يحميه فى مواجهة شعبه وعندها أعلن التنحى.

وبدأت مصر مرحلة جديدة من حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبدا واضحاً لكل دارس ومراقب أن الشعب المصرى بعد 25 يناير أسقط حسنى مبارك، لكنه لم يسقط نظامه، ولم يستطع أن يبنى نظاماً سياسياً جديداً.

كانت الساحة السياسية خالية إلا من التيار الإسلامى الذى لم يشارك فى الثورة أيامها الأولى، ولكنه استطاع أن يختطفها بعد عدة أيام، وإلى جوار هذا التيار كانت هناك بعض الأحزاب الضعيفة التى لم تتجذر بعد.

وجرت انتخابات للرئاسة، وجرت انتخابات لمجلس الشعب ثم لمجلس الشورى، وأسست جمعية لوضع الدستور، واستفتى على الدستور، وهناك شكوك دستورية قوية حول دستورية ذلك كله، بحيث إن هناك بعضاً من ثقاة أساتذة القانون الدستورى يرون أن الوضع كله يشوبه عدم الدستورية.

وفى هذا الوقت يجرى الاستعداد لانتخابات برلمانية جديدة. والنظام الحاكم متحفز لإحكام قبضته على كل شىء. ويقول المحبذون: هل بعد صندوق الانتخابات معيار لوزن الأمور؟! أما القوى الأخرى- وفى مقدمتها جبهة الإنقاذ بكل مكوناتها- فإنها تدعو إلى مقاطعة الانتخابات حتى لا تعطيها مشروعية لا تستحقها.. وكلا الأمرين لا يمكن قبوله فى المطلق.

الانتخابات وحدها ليست دليلاً على وجود الديمقراطية. الانتخابات إحدى آليات الديمقراطية، شريطة أن تؤدى إلى تداول السلطة بين أحزاب متقاربة فى قوتها، وشريطة وجود حكم القانون وسيادته واستقلال القضاء. هذا من ناحية.. وبهذا المعيار فالحديث عن وجود ديمقراطية فى مصر لأن فيها انتخابات هو حديث خرافى.

من الناحية الثانية، فإن المقاطعة حتى تكون مجدية يجب أن توجه إلى الشعب نفسه بحيث تقاطع جموع الناخبين هذه الانتخابات، وبحيث يبدو واضحاً للمراقبين أن الشعب غير مؤمن، ولا مقتنع بهذه الانتخابات التى تجرى فى جو محتقن مسموم بعيد عن الديمقراطية. إذا استطاعت الجبهة أن تقنع الشعب بألا يذهب إلى صناديق الانتخابات- كما حدث فى انتخابات مجلس الشورى، وأكثر منه فى الاستفتاء (المزور) على الدستور- إذا حدث ذلك فإن المقاطعة ستكون مجدية وفعالة، وسيظهر للعالم كله ضلال ما يقال إنه ديمقراطية فى مصر. أما إذا استطاع النظام الحاكم أن يحشد أغلبية الناخبين، وأن يغريهم بالزيت والأرز وبهذا النعيم فى الدار الآخرة، فإن الضلال والتضليل سيستمران، وستظل معاناة مصر وانهيار اقتصادها وخراب سياحتها وظلام عقول أغلبية أهلها إلى مدى قد يطول سنوات والعياذ بالله، ومع ذلك فإن علامات الأمل موجودة كما أشرت لها فى مقالات سابقة لى.

إن شباب مصر الرائع الذى فجر ثورة الخامس والعشرين من يناير، والذى أقام جبهة الشباب الليبرالى، والذى يقود قياداته فى جبهة الإنقاذ قادر على إنقاذ مصر.

وقل عسى أن يكون ذلك قريبا.

والله المستعان

 

المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى