خطاب مرسى ولعنة الدم

بعض السذج وحسنى النية توقعوا أن يعلن الرئيس محمد مرسى إلغاء الإعلان الدستورى وتأجيل الاستفتاء على الدستور خلال خطابه الأول الرسمى بشأن الأزمة المستحكمة التى تعيشها مصر.
الاشتباكات الدموية أمام قصر الاتحادية والقتلى الخمسة أو الستة، ومئات المصابين، والتداعيات الكارثية للأحداث، ليست ثمنا كافيا حتى الآن لتقنع مرسى وجماعة الإخوان أنه ينبغى عليهم الالتزام بمبادئ وأهداف ثورة 25 يناير الفعلية.
مبارك ترك الحكم وخلع إلى شرم الشيخ عندما رأى الجموع الحاشدة تقترب من مقر إقامته، ومرسى لن يتخلى عن الإعلان الدستورى المشوه والدستور غير التوافقى إلا إذا شعر بأن حجم الرفض الشعبى أكبر من حجم جماعته ومن حجم احتماله.
الهدف الرئيسى لمحمد مرسى من خطاب «ليلة الخميس» المتأخر هو شراء الوقت وليس حل الأزمة، هو باختصار يحاول استهلاك الزمن بأى صورة حى يأتى يوم السبت المقبل للاستفتاء على الدستور، ومراهنا هو وجماعته على أن أنصار التيار الإسلامى «وحزب الكنبة» سوف يمررون هذا الدستور ولو بنسبة 51٪، وبعدها سوف يتخلق واقع سياسى جديد مدعوما برضاء اقليمى ودولى.
هو أعطى بصيصا من الأمل حينما أعلن عدم تمسكه بالمادة السادسة من الإعلان الدستورى التى تعطيه صلاحيات الطوارئ، لكنه يعلم أن أثر هذه المادة سينتهى بعد الاستفتاء.
هو يراهن أنه سيلتقى بعض السياسيين اليوم السبت، وسيناقشون ويتفاوضون وقد يواصلون الاجتماع ليوم أو اثنين ثم يستهلكون ما تبقى من الأسبوع فى مبادرات وبالونات اختبار حتى يأتى يوم الاستفتاء.
صياغة الخطاب حاولت أن ترضى الجميع، فلم ترض أحدا. لكن الخطأ الأكبر هو أن مرسى لم يدن أو يستنكر انقضاض واعتداء أهله وعشيرته وجماعته على متظاهرين ومعتصمين سلميين أمام قصره، بل أشاد بالمعتدين بصورة غير مباشرة.
وكما كان متوقعا، فقد عاود مرسى التلميح بوجود مؤامرة، واتصالات وتمويلات من الخارج، هى أشياء نسمعها منذ شهور، ونتمنى أن يتم إرسال الأمر بأكمله إلى «جهات تحقيق عادلة» حتى لا يتحول الحديث عن هذه المؤامرة إلى سيف مشهر فوق رقاب كل المعارضين لمرسى والإخوان.
يعتقد البعض أن السر الحقيقى لقوة مرسى ليس انتخابه شعبيا، ولكن جماعته التى تحميه وتحشد له وتهاجم معارضيه ومنتقديه لفظيا وماديا، ولذلك إذا صح هذا التفسير فإن الرئيس لن يستطيع أن يتخلى عن مشورة الجماعة ورأيها بل وربما قرارها، وبالتالى فعلينا أن نتوقف عن وهم كبير اسمه الفصل بين الرئيس والجماعة، لأنه أمر غير واقعى.
يتضح الآن شيئا فشيئا أن الإعلان الدستورى كان فكرة شيطانية احتوت مواد بلا ضابط أو رابط بعضها يبدو ملائكيا ثم تبين أنه من دون جوهر وبعضه مغرق فى الشر، والهدف بأكمله صناعة قنبلة دخان لها هدفان، الأول حماية مؤسسات الإخوان مثل الشورى والتأسيسية والثانى إعماء الجميع عن مناقشة الدستور ومواده، وانشغلنا فقط بالاشتباكات فى قصر الاتحادية؟!.
طبعا هناك شهداء أبرار سقطوا، نعزى كل أسرهم بغض النظر عن هويتهم السياسية إخوانا أو ليبراليين، مسلمين أو مسيحيين.. هم جميعا مصريون، لكن للأسف أن دم هؤلاء تم استغلاله بمهارة فى معركة سياسية متنوعة الأهداف.
ماكينة الشر والدم التى دارت فى الأيام الأخيرة قد تحقق بعض الأهداف السياسية قصيرة النظر والأمد، لكن مخترعيها أو مشغليها لا يدركون أن لعنتها لاتزول.
الشروق