الأخبار

بــــرامـــج حــــرق الـــوطـــــن

 

 

خيط رفيع يفصل بين الحياد والفوضى، ورغم مرور عامين على ثورة 25 يناير، فمازلنا نفتقد الحياد الإعلامى والضحية هو المشاهد المنقسم ، بعد أن أصبح الشأن الإعلامى مُجرد اتباع سياسات وأجندات لأصحاب المَصالح، وتفضيل أولوياتهم على مَصلحة الوطن فى هذا التوقيت الحساس ، دون مُراعاة لحَجم الفوضى التى نعيش فيها، فيتشتت الرأى العام للجماهير.. ويُصبح أمام المَنظومة الإعلامية إما «فى اتجاه» الشارع المصرى أو «تحريضه» .
لم يقتصر الأمر على «التحريض» فقط، ففى الآونة الأخيرة ظهرت بعض حالات الخروج عن النص فى وسائل الإعلام أيضاً – خاصةً الفضائيات، حكومية أو خاصة – فالجميع كانت لديه خطوط حمراء لا يتجاوزها، حتى جاءت الثورة لتجعل حُرية الإعلام بلا حدود، لكن الأدهى أن المُذيعين أخطأوا أكثر مِمَا أصابوا، وانتشرت حالة الفوضى العارمة فى أغلب برامج «التوك شو»، فبدأت البرامج فى استعراض عضلاتها، إما لتأييد المَيدان وإعطاء مَساحة كبيرة لضيف مُعارض للنظام أو العكس!.
بالتالى أصبح للضيوف شروط خاصة لظهورهم، مِنها التدخل فى نمط الأسئلة، بالإضافة إلى الظهور مع مُذيعة محجبة – إذا كان ينتمى الضيف إلى التيار الإسلامى – أو العكس، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى ظاهرة فريدة مِن نوعها وهى طرد الإعلاميين لضيوفهم لمُجرد الاختلاف معهم فى الآراء!.. وهو ما يطرح الأسئلة الكثيرة حول هذه الظاهرة إذا كانت بين هوس الاختلاف أو البحث عن الشُهرة؟!.
البداية كانت عِند مُذيعة التليفزيون المصرى «عزة مُصطفى» حينما قامت بطرد الشيخ «جمال صابر» – مُدير حملة المُرشح الرئاسى السابق «حازم أبوإسماعيل» – فلم يكُن ماحدث على الشاشة لقاء إعلامياً بالقدر الكافى، بل هو أشبه بـ«خِناقة فى حارة»، فتبادلهما للاتهامات، وطرد المُذيعة لضيفها، دون مُراعاة للجماهير، خلق نوعاً مِن الارتباك والتشتت عِند المُشاهد.
وفى إحدى حلقات برنامج «استوديو مصر» دار حوار حول الاختلاف على حُرية الإبداع بين «أحمد أبو بركة» – أحد قياديى حِزب «الحُرية والعدالة» – وبين المُخرج المسرحى «جلال الشرقاوى» والسيناريست «د. مِدحت العدل» وعضو مجلس الشعب المُنحل «محمد أبوحامد»، فوجه «أبوبركة» هجوماً شديداً على الفن فى الفترات الأخيرة، ووصفه بأنه فن مُبتذل، ليتطور الحوار بعد ذلك بطرد «أبوبركة» من البرنامج!.
حالة أخرى حدثت مع الإعلامية «لبنى عسل» – مُقدمة برنامج «الحياة اليوم» – حين حدثت مُشادة بينها وبين الشيخ السلفى «مَمدوح إسماعيل»، عضو مجلس الشعب المُنحل، حين اتهمها فى الحلقة بأنها تتعمد استقبال مُكالمات مَن يُريدون الهجوم على التيارات الإسلامية فقط، عندما قالت رأيها بصراحة فى الأحداث الأخيرة التى تمر بها مصر بعد صعود التيارات الإسلامية، فتطاول عليها «إسماعيل» بالقول: «إنتِ مِش مُحترمة»، فقامت «لبنى عسل» بطرده.
أما القصة الأشهر، حين طُرِدَ الشاعر «عبدالرحمن يوسف» مِن برنامج «القاهرة اليوم» الذى يُقدمه الإعلامى «عمرو أديب»، خاصةً أن إدارة البرنامج أرادت أن تُثبت مبدأ التخوين، وأن هُناك بعض العناصر التى تُريد إشعال النيران فى مصر، فكانت البداية مع نجل الشيخ «يوسف القرضاوى»، الذى وصفه التقرير المُعد عنه – قبل الحلقة – بأنه مواطن «قطرى – مصرى»، وانتماؤه الكامل لـ«قطر»، وهو ما رفضه «عبدالرحمن يوسف»، على اعتبار أنه مواطن مصرى، ولكن «أديب» طرد «يوسف» بعدما قام الأخير بطلب تعديل التقرير والاعتذار!.
وأخيراً قامت الإعلامية «جيهان منصور» – خِلال تغطية مليونية «حِلم الشهيد» – برفض الاستماع لـ«د. خالد سعيد» – المُتحدث باسم الجبهة السلفية – حينما وجه «سعيد» لـ«جيهان» عِبارة: «غنوا لوحدكوا بقى»!.. لترد «جيهان»: «ما أنت غنيت كثير»!.
«جيهان» أيضاً استعرضت تأييدها للميدان، بعد أن قال «سعيد»: «البعض ممَن يعتصمون فى التحرير غسلوا وجوههم المُلوثة فى الميدان، وهم فى الأساس فلول كعمرو موسى، مُرتضى منصور، سامح عاشور، وأحمد سبايدر، والذين تم الاحتفاء بهم، وحَملهم على الأعناق فى الميدان .. لترفض «جيهان» هذا الوصف، وتؤكد أن الحلقة تتم إدارتها حسب رَغبتها الشخصية!.
«د. ليلى عبدالمجيد» – عَميد كُلية الإعلام بجامعة القاهرة – أكدت لنا أن حجم برامج «التوك شو» خلق نوعاً مِن المُنافسة الشرسة، التى أضرت بالصَالح العَام للمَواطن البَسيط، خاصةً أن أغلب القنوات تعمل الآن وِفَقاً لمَصلحتها الشخصية، وهذا ما يحدث، فهُناك العديد مِن البرامج التى تستضيف الضيوف، سواء مؤيدين أو مُعارضين، بهدف الشد والجذب، مِمَا يعمل على زيادة نِسبة الإعلانات، وأيضاً زيادة نِسبة المُشاهدة، وهذا ما يؤكد على أن الأمر تحول إلى تِجارة ورِبح.
وأضافت «د. ليلى» أن الإعلامية «لميس الحديدى» مِن الشخصيات التى مازالت تحترم ميثاق الشرف الإعلامى على شاشتها، فهى تحتفظ برأيها الشخصى لنفسها، ولكن أمام الكاميرا حيادية، وأرى أيضاً أنها تحترم ضيوفها، وتُحاول بشتى الطُرق أن تُعطى لكُل ذِى حقٍ حقه فى التعبير عن رأيه.. أما الإعلامى «محمود سعد» – والكلام لـ«د. ليلى» – فكان موالياً للرئيس السابق «مُبارك» مِثل باقى الإعلاميين، ليتحول بعد ذلك ويُناصر الإخوان، لينتهى به الوضع الآن إلى مُعارضة الرئيس والنظام الجديد بأكمله.
∎∎
«سيادة مبدأ التخوين والهجمات الشرسة التى يتناولها التيار الإسلامى والليبرالى لبعضهم البعض هو من وضع الإعلام فريسة للفشل».
هكذا وصف «د. فاروق أبوزيد» – عميد كُلية الإعلام السابق – حال القنوات الفضائية الآن، مؤكداً أن مِساحة الحُرية التى فرضتها الثورة، قد استغلها الإعلاميون، سواء لتصفية الحِسابات الشخصية، أو العمل على تقسيم مصر بين دولتين، الأولى للإخوان والثانية للثوار، وهو ما يتطلب وضع تشريعات لضبط الإيقاع، حتى يُسمح بفتح الباب للرأى والرأى الآخر، دون أن يخرج المُذيع الكارت الأحمر للضيوف.
أما «د. محمود علم الدين» – أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة – فقال: «ما أراه الآن ليس هو الإعلام بمفهومه الصحيح، حيث إن أغلب القنوات الفضائية فُرضَ عليها الطابع الفوضوى والتحررية، دون معايير مُقننة لها، فمِن المُفترض أن الإعلام هو مرآة الشعب الصادقة التى يجب أن تنقل الحقيقة إلى الناس، وتُزود مِساحة الوعى والفِهم والمَعرفة لديهم بمِهنية عالية وصِدق كَامل، فإذا كانت هذه المرآة مليئة بالخدوش، أو يُغطيها الضباب، فلا يُمكن أن تصل الحقيقة إلى الناس».

وأضاف «علم الدين» أن الشعب المصرى بدأ يُصنف القنوات على حسب رؤيته، فعلى سبيل المثال قنوات الـ «CBC»، «النهار»، «دريم»، «الحياة» قنوات خاصة.. بينما «الجزيرة»، «مصر 25» والتليفزيون المَصرى تابعة للإخوان، لـيتساءل «علم الدين»: هل مِن المُمكن أن تتحول المنظومة الإعلامية فى مصر إلى هذا الحد مِن الفوضى دون تواجد إعلامى واحد يلتزم بمبدأ الحياد.

 

 

 

 

روز اليوسف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى