اللاجئون السوريون: فقدنا كل شيء

فر الآلاف من السوريين الذين أصبحوا ضحايا الوضع الحالي السيئ في بلادهم، إلى حيث لا قتل ولا إطلاق نار.. إلى لبنان المجاور، بعضهم دعم ويستمر في دعم المعارضة في سوريا، في حين يقف جزء آخر منهم ضد النظام السوري الحاكم فقط لأن الجيش الحكومي خلال مداهماته وملاحقته للمقاتلين، تسبب بجرح أو قتل أقاربهم.

ميخائيل غوسيف، مراسل “نوفوستي”، بر إلياس، عرسال (لبنان) – موسكو
مراسل “نوفوستي” زار المدن والبلدات اللبنانية على الحدود مع سوريا، حيث رأى بأم عينيه، كيف يعيش أولئك الذين فروا من بلاد تمزقها الصراعات.
بعد التحدث مع عدد من اللاجئين، تكتشف أن قصصهم جميعها متشابهة، حيث شارك معظمهم في المظاهرات السلمية التي انطلقت في سوريا قبل عامين تقريبا، ثم بدأ الاضطهاد ضدهم وأسرهم. بعضهم ربما بقصد، أو بمحض الصدفة، حمل السلاح، فيما ظل البعض الآخر ثائرا “في أعماق روحه”.

الظروف المعيشية للسوريين الذين فروا إلى لبنان، بعيدة تماما عن المعايير الأوروبية، فهنا لم ينتظرهم أحد، وليست هناك أي مخيمات مقامة للاجئين من سوريا، لذلك فإن مسألة أن يعثر صحفي عليهم، ليست بالمهمة السهلة.
وبما أن الحكومة اللبنانية لا تهتم بمشكلة اللاجئين السوريين ومساعدتهم، فإن عبء مساندتهم ودعمهم، وقع على عاتق المجتمع المحلي ورجال الدين. ووفقا لحساباتهم، فإن عدد اللاجئين السوريين في لبنان وصل إلى قرابة 35 ألفا.

في مسجد بلدة بر الياس، يجلس الإمام في غرفة كبيرة وراء طاولة ازدحم حولها اللاجئون، الذين يرغبون في تسجيل أنفسهم رسميا كلاجئين، وتلقي المساعدات الإنسانية. هؤلاء مهاجرون غير شرعيين، وصلوا حديثا إلى لبنان بعد مغادرة سوريا، وهم على الأرجح، لم يعبروا الحدود من خلال المعابر الحدودية الرسمية، بل تسللوا عبر الجبال، ذلك أن السلطات السورية لا تسمح لأنصار المعارضة بمغادرة البلاد.
بعد أن علم اللاجئون أننا من روسيا، بدؤوا بإبداء علامات عدم الترحيب، ورفضوا الحديث معنا، إلا أن إمام المسجد، هدأهم ودعاهم إلى عدم الخلط بين السياسة والقيم الإنسانية العامة.
يقول الشيخ قاسم الجراح، إمام المسجد “يسرني أن روسيا على الأقل تريد أن تعرف ما هو الوضع في سوريا حقيقة، نحن نساعد ونحصل على بعض المساعدة من دول أخرى. على سبيل المثال، المملكة العربية السعودية وقطر. والحقيقة أن روسيا ليست في هذه القائمة”. السؤال لماذا الحكومة اللبنانية نفسها لا تريد مساعدة اللاجئين السوريين يؤدي به الى الارتباك.

أمامنا كوخ مغطى بأكياس من البلاستيك، فجأة من وراء ستار من البلاستيك يظهر وجه صغير، يتبعه آخر، ليصبح عددهم سبعة. جميعهم أطفال حفاة الأقدام، يرتدون ملابس ممزقة وقذرة. الأطفال يركضون إلى الشارع. وجوههم متسخة، وأيديهم وأقدامهم قذرة من الغبار مزرقة من البرد. فرغم أن لبنان بلد من بلدان البحر الأبيض المتوسط، ولكنه فصل الشتاء.

وراء الأطفال تخرج امرأة شابة، والدتهم. أنعام (33 سنة) من إدلب (شمال غرب) سوريا. تقول أنعام “لقد وصلنا مؤخرا. في سوريا، عمل زوجي بائع خضروات. الآن، بعد عملية القلب التي أجريت له، لم يعد بإمكانه العمل. نحن نعيش على مساعدة اللبنانيين المحليين”. وتضيف أنعام “نحن نعيش في ظروف مروعة، ولكننا أحياء”. أنعام وزوجها لديهم سبعة أطفال، تتراوح أعمارهم من 3 إلى 10 سنوات.
تقول الأم الشابة، والدموع تترقرق من عينيها، “غادرنا مسقط رأسنا بعد أن اجتاحت الدبابات المدينة، وبدأت بإطلاق النار.. قطع الزجاج التي تناثرت جراء الانفجارات وطلقات الرصاص، أصابت أطفالي. لقد اضطررنا للهرب، سافرنا إلى الحدود ثماني ساعات متواصلة، وركضنا مباشرة إلى لبنان”.
وتضيف أنعام “الآن الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة، أحيانا ليس لدينا كهرباء ولا ماء. نحن لم نفعل شيئا، نحن لم نقاتل مع أي جهة. هذا غير عادل. نحن نعيش دون خبز ودون طعام. حتى الملابس ليست موجودة لدينا”.

أنعام تعتقد أنها محظوظة، فهي على الأقل غير مجبرة على دفع إيجار الكوخ الذي تسكنه، بعض جيرانها يدفعون أجرة الأكواخ التي تؤويهم. ورغم الوضع المزري، فإن أنعام وكما هو معهود في التقاليد الشرقية، قالت إنها تدعونا إلى داخل المنزل، لكننا رفضنا بأدب.
السماء تتوشح بالظلام، ونحن نسمع صوت المؤذن. هذا أذان العشاء. لكننا لا نتوجه للمسجد، بل إلى المنزل المجاور. فتح الباب شاب. هذا أمجد حامد (31 سنة)، أب لثلاثة أطفال. هو وعائلته، من بلدة الزبداني (جنوب غرب) سوريا. وهو في لبنان منذ ثلاثة أسابيع.
الظروف هنا أفضل بقدر كبير، غرفتان، واحدة منهما بها مدفأة، هذه الشقة يستأجرها أمجد حاليا، بينما كان في أوقات السلم يحصل على دخل جيد في سوريا، وجميع مدخراته تذهب الآن للبقاء مع عائلته على قيد الحياة.

يقول أمجد “كانت الزبداني تحت النار. كان هناك قناصة على أسطح البنايات يطلقون النار باستمرار. كان يتم إطلاق النار على أي شخص يتواجد في الشارع. حتى أنه تم إطلاق النار على رواد مخبز، حيث كان الناس يشترون الخبز”. ويعرض علينا أمجد جراحه، التي أصيب بها أثناء اشتراكه في مظاهرة ضد الفساد الحكومي.
في اليوم التالي ذهبنا إلى جبال لبنان.، إلى عرسال، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها أربعة آلاف شخص، وتبعد ساعتين أو ثلاث ساعات إلى الشمال الشرقي من بيروت. والتقينا هناك بمحافظ المدينة، علي محمد الهجير، الذي أخبرنا أن عدد اللاجئين هنا يبلغ حوالي العشرة آلاف، وأغلبهم وصلوا إلى لبنان عن طريق الجبال.
يقول المحافظ “نحن نحاول مساعدتهم، هناك من يقدم الغذاء والكساء، الجميع يسكنون في المنازل، ليست لدينا مخيمات هنا، هناك من يقدم مواد البناء، واللاجئون أنفسهم يبنون المنازل”.

نصيرة الزهور (47 عاما) لاجئة من بلدة القصير (غربي حمص)، فقدت زوجها في المعارك بين المعارضة المسلحة والقوات الحكومية، “دمرت بيوتنا، لا وقود ولا غاز. قتل أحباؤنا في قصف، اضطررنا للفرار. نحن ضد النظام، وإذا أعطونا أسلحة، فنحن على استعداد للقتال ضد جيش الأسد”.