عن الثلاثين من يونيو

 

22

 

 

يتحدثون عن الدم كأنه هين، ويأتى أحد المفتونين يطلب من أتباعه المبايعة على الشهادة، ويطلب بيعة دم، كأنهم الصحابة ومن على الكرسى النبى (لا أتطاول، فهم من حلموا أن النبى زار أحدهم فى المنام وطلب أن يصلى معهم ويكون مرسى الإمام).

اُبتلينا بهم قبل الثورة، وابتلينا بهم فى الثورة، وما زلنا مبتلين بهم.

وامتد البلاء ليشمل كل الوطن، فمصيبتنا فى وطننا بمؤسساته وقياداته، معارضيه ومؤيديه.

بلوتنا هى أن الخوف اختار أرضنا وطنا، فأنتج عنفا وغضبا، جبنا وحماقة.

من بداية الثورة، ونحن متهمون، مرة بأننا فوضويون ومرة بأننا مثاليون حالمون، ما يهمنا هو نقاؤنا الثورى، ولا يعنينا شىء آخر خلافه.

وحتى الآن لا أفهم عما يتحدثون!

عندما أخبرنا الجمع أنه لن يكون لهذه الثورة فى يوم من الأيام قائد، اتهمنا بأننا نعانى من أعراض الأناركيه وعلينا أن نتعامل مع الواقع السياسى فلا بد أن نختار قائدا. كأن القيادة أحد شروط الإيمان بالثورة، وكأن وجود قائد كان سيغير من الأمر شيئا.

عندما صرخنا فى الناس أن لا تغادر الميدان يوم ١١ فبراير ٢٠١١، اُتهمنا بالتطرف، فمبارك قد خلع والقضية انتهت.

وفضوا اعتصام الثورة الأول بقوات من الجيش وإسلاميين، ولم نسمع لأحد من البراجماتيين المحترمين أى تعليق، بل وجدناهم مؤخرا يعلنون «أخطأنا عندما تركنا الميدان».

وفى أواخر فبراير من العام نفسه، هتفنا ضد العسكر وضد سلطتهم، وقامت قناة «الجزيرة» شاكرة، بقطع حوار معى، لهجومى على طنطاوى وعنان، وخرجت نفس الوجوه تتهمنا وتعيب علينا مراهقتنا السياسية واستعجالنا.

ضربنا، وتم اعتقال أول حالة موثقة وتحويله للمحاكمات العسكرية (عمرو البحيرى)، وأصدر العسكر بيانا مضحكا بأن رصيدهم يسمح باعتقالنا وتعذيبنا، وذهبت نفس الوجوه للعق بيادات العسكر.

ملأنا الدنيا ضجيجا على أن الدستور هو أول ما يجب أن يسقط قبل أى انتخابات، فهاجمونا ودعوا الشعب للتصويت بنعم.

دعونا لأكثر من اعتصام، ضد شفيق مرة، ومن أجل محاكمة مبارك مرة أخرى، وللمطالبة بسرعة تسليم السلطة لمدنيين، نجحنا فى أغلبها وفشلنا فى بعض، وبعد كل انتصار، كانوا يخرجون علينا من جحورهم، مسفهين أحلامنا، مفرغين انتصاراتنا من معناها بتفاوضهم ولهاثهم وراء غنائم غير حقيقية.

رفضنا انتخابات مجلس شعب مشكوك فى نزاهته، رفضنا انتخابات رئاسة، رفضنا كل استفتاءات العسكر، وقلنا بوضوح إنه لا معنى لها، وإن تلك الانتخابات باطلة دستوريا، وإن الثورة لم تنته لكى ننتخب، فاعتبرونا مجاذيب. والآن، كأن ذاكرتنا من هواء، يغيرون كلامهم، يبدلون جلودهم ولا يعتذرون، مستمرون فى سبابهم لنا.

نحن من لا نفقه شيئا فى السياسة، لم نرتكب فى يوم أى خطأ سياسى، وأنتم أساتذة اللعبة وخير من يديرها، فشلتم دائما.

ولم تكتفوا بالفشل، بل أكملتموه بالكذب، وكأن الكذب ليس كافيا، فأتممتموه بالسباب.

ثم أوصلونا إلى الثلاثين من يونيو..

وكما كل مرة.. نجد كلامهم النارى: «سنحارب ونبذل دماءنا لإنجاح الثورة».. فالطرفان الآن فى خندق واحد والفضل للإخوان.. ولا نجد أصحاب تلك التصريحات يدفعون ثمن خطبهم النارية.. وكما كل مرة، نحن غير المنتمين وغير المنتفعين من يدفع.

ثم يخبروننا أنه لا بد من التوحد والاصطفاف أمام الفاشية الدينية، من روعت باسم السلطة والدين أفراد هذا الوطن، فمن فتنة طائفية وقتل أقباط إلى سحل شيعة فى الطرقات وقتلهم، فى صورة لم نسمع عنها منذ الشدة المستنصرية.

لسنا ضد وحدة الصف عندما يكون هناك صف، لسنا ضد الوحدة لو كانت هناك ضمانات، أن لا نطعن من الخلف أو يستغلنا أحد أو يتاجر بنا.

نحن لسنا حفنة من الرافضين، دائما ما كنا نرتجى أن يقدم أحد بادرة حسن نية لكى تستقيم الأمور.. نحن لسنا مجموعات غاضبة تهتم بنقائها الثورى أو الأخلاقى فقط، بل لا نريد أن نلوث أرواحنا، ولا نريد أن يتلاعب بنا كما تم التلاعب بغيرنا عشرات المرات ولم يتعظوا.

نريد فقط أن تنجح ثورتنا بمطالبها، أن يُكتب دستور معبر عن كل أطياف المجتمع، ضامنا مدنية الدولة، لا أسلمتها ولا عسكرتها.

نود انتخابات بديمقراطية حقيقية، تضمن تمثيلا حقيقيا لكل الأفكار والطوائف، على نظام قائمة مختلط، يضمن أن لا يستفرد أحد بالتشريع، ولا يستفرد أحد برئاسة الدولة.

أحلامنا بسيطة ولا تتضمن أن نحوز أى سلطة، فنحن ما كنا يوما من محبيها، ولا كنا يوما مجاذيب كراسى.

لثورتنا الأمر من قبل ومن بعد.. سننتصر، إن لم يكن اليوم فغدا أو بعد غد، فنحن مجاذيب هذه الثورة، مؤمنوها الأوائل، المستمرون فى ذلك الإيمان، حتى يُقضى الأمر.

 

التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى