حمى الشراء تجتاح أميركا بمناسبة عيد الميلاد

 

لا يمكن أن تدخل أي محل تجاري في أميركا هذه الأيام دون أن تفاجئك لافتات دعائية ضخمة تعلن عن تنزيلات كبيرة في أسعار الملابس والأجهزة الإلكترونية وباقي البضائع المختلفة قد تصل أحيانا إلى 70 في المئة، والمناسبة هي عيد الميلاد أو “كريسمس” الذي يحتفل به الأميركيون في 25 من كانون اول/ ديسمبر من كل عام.

لافتات الدعاية الضخمة ليست الوحيدة التي “تستقبلك” في المحلات التجارية والمولات هذه الأيام، بل أيضا قبعات “سانتا كلوز أو بابا نويل” الحمراء التي تنتهي بكرة قطنية بيضاء، والكثير من الأضواء الملونة الصغيرة التي تزين أشجار الأرز، ووجه “سانتا كلوز” المُحْمَر الباسم وكرشه الضخمة.

أحب التسوق طبعا وأستغل فترة التنزيلات في أمريكا كي أشتري العطور ومواد التجميل والملابس لجميع أفراد أسرتي في تونس
شيماء

حمى التسوق تصيب الأميركيين قبيل كريسمس

ويتوجه عشرات الملايين من الأميركيين إلى الأسواق لشراء هدايا العيد التي يتبادلونها عادة مساء 24 من ديسمبر بعد تناول وجبة من الأسماك في الغالب، أو في صباح اليوم التالي قبل وجبة دسمة يتصدرها الديك الرومي واللحوم والكثير من المقبلات وأطباق البطاطا المهروسة والقرع العسلي والذرة المسلوقة، إضافة إلى الفطائر المحشوة بالتفاح أو التوت البري واليقطين والجوز والحلويات الأخرى.
ويلتهم الأميركيون أكثر من 22 مليون ديك رومي في عيد الميلاد، حسب موقع “إيت تركي” الأميركي، ومن المقرر أن يبلغ إنفاقهم هذه السنة على الهدايا أكثر من 154 مليار دولار وذلك رغم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

“أحب التسوق كثيرا وقضاء ساعات طويلة في المُولْ، لكن شراء هدايا كريسمس أرهقني كثيرا هذه السنة، أرهقني صحيا وأرهقني ماديا أيضا”. هذا ماقالته “نينفا رودريغيز” وهي سيدة أميركية من أصول لاتينية كانت تحمل خمسة أكياس تسوّق بلاستيكية فاقعة الألوان في محل “بيرليغتون كوت فاكتوري” الذي يقع وسط “بوتوماك ميلز مول” في مدينة “وودبريدج” شمالي ولاية فرجينيا.

وأوضحت “نينفا” في تصريح لموقع “راديو سوا” أنها وجدت الكثير من الهدايا الرخيصة لأطفالها الخمسة وحفيديْها، لكنها مازالت بحاجة لشراء هدايا لثلاث صديقات وزوجها وجيرانها، وقالت إن هذا الأمر يثقل كاهلها ماديا لأنها لا تملك المال الكافي، وأنها اضطرت لاستعمال بطاقة الائتمان التي لم تتمكن بعد من دفع الديون التي راكمتها خلال عيد “كريسمس” الماضي.

ويقول دانيال أندفيغليو، وهو كاتب عمود في موقع “ذي أتلانتيك” إن معدل الديـْن الفردي للأميركيين ارتفع من 1186 دولار سنة 1948 إلى أكثر من 10 آلاف دولار سنة 2010. ويضيف أندفيغليو الذي يكتب مقالات متخصصة لوكالة رويترز إن هذه الأرقام لا تعكس ديون العقار وتشمل فقط ديون بطاقات الائتمان والسيارات وديون الدراسة التي أخذت تتراكم على الأميركيين خلال العقود الستة الماضية، وحذر من تداعيات استمرار إصابة الأميركيين بـ”حمى” الشراء التي تصيبهم خلال مواسم الأعياد وخصوصا في عيد الميلاد.

ما هو “كريسمس”؟

يعتبر المسيحيون عيد الميلاد ثاني أعيادهم أهمية بعد عيد الفصح حسب موقع “ويكيبديا”. وهو اليوم الذي يقولون إن السيد المسيح ولد فيه في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، ويجري الاحتفال بهذه المناسبة في ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين الغريغوري واليولياني غير أنه نتيجة اختلاف التقويمين بـ13 يوما، فإن هذا العيد يقع لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير.

ويحتفل المسيحيون العرب في كل من لبنان وسوريا ومصر والأردن والعراق والأراضي الفلسطينية بهذه المناسبة إما في الـ25 من ديسمبر/كانون الأول أو السابع من يناير/كانون الثاني، كل حسب كنيسته، ويحرصون على شراء شجرة الميلاد وتزيينها، وصناعة حلويات  الكعك والمعمول وتبادل الهدايا وزيارة الأقارب والجيران، إضافة إلى الاستمتاع بالموسيقى والأفلام التي تحيي هذه المناسبة.

وخلال السنوات الماضية، تحول الاحتفال بعيد الميلاد إلى موضة في عدد كبير من الدول العربية، حيث بات بإمكان الزائر مشاهدة أشجار الميلاد ووجه “سانتا كلوز” الباسم في واجهات المحلات الزجاجية بمدينة مراكش المغربية، وشوارع البحرين والكويت، وفي داخل فنادق الإمارات ومولاتها.

وتفخر إمارة أبوظبي باستضافة أعلى شجرة ميلاد في العالم التي تزين بهوا شاسعا في فندق قصر الإمارات بأبو ظبي، ويبلغ طولها 43 قدما، وهي مزينة بجواهر وأحجار كريمة تفوق قيمتها 11 مليون دولار، ويحرسها أربعة من رجال الأمن الأشداء على مدار الساعة!

ويحتفل بعض العرب المسلمين كذلك بهذه المناسبة، ويتبادلون الهدايا خلالها وفي رأس السنة وذلك رغم الفتاوى الدينية التي أطلقها بعض شيوخ الدين والتي تحرم تحريما قاطعا الاحتفال بهذه المناسبة مثل الفتوى التي أصدرها الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين في السعودية، كما حذر شيوخ إندونيسيا المسلمين من الاحتفال بعيد الميلاد، وطالبت بعض الجماعات الإسلامية المتشددة في الكويت الحكومة بمنع جميع أشكال الاحتفال بعيد كريسمس هذه السنة.

شراء هدايا كريسمس أرهقني كثيرا هذه السنة، أرهقني صحيا وأرهقني ماديا أيضا
نينفا

“الحرب” على كريسمس في أميركا

كما في كل عام، يحتدم الجدل في الولايات المتحدة مع اقتراب موعد عيد الميلاد بسبب التنافر الحاصل بين الكنائس المسيحية التي تنتقد بشدة المظاهر المادية التي بدأت تطغى على هذه المناسبة التي من المفترض أن تكون دينية لاقترانها بميلاد السيد المسيح، وبين المنظمات التي تدافع عن علمانية الدولة في أميركا.
هذه المنظمات نجحت في منع بعض المدارس والمكاتب الحكومية وحتى الخاصة من وضع تماثيل تحاكي عملية ميلاد المسيح أو وضع العلامات الدينية المسيحية خلال فترة الاحتفال بعيد الميلاد، كما تمكنت من”فرض” تعبير Happy Holidays أو “أيام عطل سعيدة” بدل Merry Christmas أو “عيد ميلاد سعيد”. وكان الرئيس الأميركي السابق جورج دبيلو بوش قد أثار جدلا حادا في عام 2008  عندما اعتمد بطاقة المعايدة الخاصة بالبيت الأبيض مكتوب عليها “أطيب التمنيات بمناسبة موسم الأعياد” ولم تشر البطاقة أبدا إلى كلمة “كريسماس”. وقال مواطن غاضب من مدينة نيويورك في تصريح لشبكة CBS “لماذا لم يشر الرئيس الأميركي إلى كلمة كريسماس؟ ماذا دهاه؟ إنه مواطن مسيحي ملتزم لكنه امتنع عن ذكر كلمة كريسماس وهذا شيء مخجل ومهين للأميركيين”.
ويقول المدافعون عن فصل الدين عن الدولة في الولايات المتحدة إن الملايين من الأميركيين الذين يعتنقون المسيحية أو الإسلام أو أية ديانة أخرى لا يجب أن يشعروا بأن عيد الكريسماس مفروض عليهم، ولهذا وجب تفادي ذكر كلمة “كريسماس” في التهاني الخاصة بهذه المناسبة. لكن الكنائس المسيحية تشدد على أن هذه المناسبة مسيحية خالصة ويجب أن يتم الاحتفال بها كما هي، وتدعو المؤمنين من باقي الديانات الأخرى إلى احترام مشاعر المسيحيين والسماح لهم بالاحتفال بعيدهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.

عرب أميركا يستمتعون بتخفيضات كريسمس

ويستغل بعض المهاجرين العرب المقيمين في أميركا مناسبة عيد الـميلاد لشراء هدايا لأفراد اسرهم وأحبائهم في بلدانهم الأصلية، كما تفعل شيماء، وهي مهاجرة تونسية في الأربعين من عمرها مقيمة في مدينة “ماناساس” شمال ولاية فرجينيا.

تقول شيماء إن “حمى” الشراء تصيبها أيضا مثلها مثل باقي الأميركيين في مثل هذا الوقت من كل سنة، لكنها شددت على أنها تضع قائمة بنوع الهدايا ووزنها وتحتفظ بها داخل حقائب سفر ضخمة في مرآب السيارات ببيتها في انتظار موعد سفرها إلى بلادها تونس.

ومضت شيماء تقول “أحب التسوق طبعا وأستغل فترة التنزيلات في أمريكا كي أشتري العطور ومواد التجميل والملابس لجميع أفراد أسرتي في تونس.. هذه المناسبة تسهّل علي سفري كل سنتين إلى بلادي لأنني أُدخل الفرح إلى قلوب الأطفال والكبار على حد سواء بكل هذه الهدايا والإلكترونيات التي آخذ معي إلى تونس”.

واعترفت شيماء بخجل بأنها تفشل في مقاومة إغراء العروض الكثيرة التي تعلن عنها المحلات التجارية في أميركا بمناسبة عيد كريسمس، وقالت وهي تنظر إلى حذائها الأزرق اللامع “طبعا أضطر دائما لدفع مزيد من المال في المطار بسبب ثقل حقائبي التي تحوي الهدايا الكثيرة.. صحيح أن زوجي يغضب مني حينها لكنه ينسى غضبه بسرعة عندما تفرح والدته بالحذاء والعطر والفساتين التي نجلبها اليها.. يعني أنا رابحة رغم كل شيء”!

 

الحره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى