فى ذكرى ميلاد “صلاح جاهين” فيلسوف البسطاء .. فوضوي ملخبط وقلق

عبد الرحمن عباس
جمال بخيت : كان يأخذ الكلمة العامية ليضعها فى جملة بسيطة فتخرج حكمة فلسفية وهذا شئ نادر
محمد سلماى : كان فنانا شاملا وإنسانا بارعا وطفلا لا مثيل له
إلياس رحبانى : عندما سألته لماذا تحب موسيقى “باخ ” قال انا انسان فوضوى ملخبط وقلق
“على إسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء” “أنا مصرعندى أحب وأجمل الأشياء” “بحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب” “وبحبها وهى مرمية جريحة حرب” هكذا قال العبقرى “صلاح جاهين” فى وصفه عن مصر وهى وإن تنم عن شئ فتنم عن وطنية خالصة ليس تشوبها شائبة وكيف لا وهو أبو صلاح.
محمد صلاح الدين بهجت المولود فى يوم 25 ديسمبر من عام 1930 بشارع جميل باشا بشبرا لأب عمل فى سلك القضاء حيث كان رئيس محكمة الإستئناف وهو الذى سمى فيما بعد “صلاح جاهين“.
و”صلاح جاهين” الذى نحتفل بذكرى ميلاده فى تلك الأيام هو فى الأصل رسام كاريكتير بارع عمل فى جرائد “روز اليوسف” و”صباح الخير” حتى تنقل إلى “الأهرام” ليجسد برسمه هموم المواطن المصرى ثم ينتقل “جاهين” إلى الإنتاج السينمائى لينتج أحد أفضل أفلام السينما المصرية وهى “خلى بالك من زوزو” والذى إستمر فى العرض السينمائى لمدة 54 اسبوع متوالى وهكذا أفلام اخرى منها “شهيد الحب الآلهى” و”لا وقت للحب” وإشترك بنفسه فى بعض الافلام “كالمماليك” .
جاهين أيضا لم يكتفى بهذا بل إن عمله وحبه لهذا الوطن جعله يرتبط إرتباطا وثيقا بالسياسة وهو اليسارى الفكر الذى أحب ثورة يوليو وخلدها وذكرها فى الكثير من المواقف ودعمها بأغانيه فهو القائل “يا أهلا بالمعارك” وهو الذى صدم صدمة جعلته يكتئب إكتئاب لا حدود له بعد نكسة 67 متوهما إنه الوحيد الذى تسبب فى تلك النكسة.
إرتبط “جاهين” فى حياته بالعديد من الفنانين والسياسين لعل أشهرها تلك العلاقة الخاصة التى جمعته بالسندريلا “سعاد حسنى” وهو الأمر الذى أثار الشائعات حول مدى حب جاهين لها وما كانت طبيعة العلاقة ولكن الأمر الذى لا ريب فيه إن هناك علاقة حب جمعتهما وعلاقة فنية أخرجت لنا “خلى بالك من زوزو” و”أميرة حبى أنا” و”هو وهى” .
“جاهين” أيضا إرتبط بالسياسة كما أشرنا من قبل وكانت علاقته بالعندليب “عبد الحليم حافظ” علاقة أثمرت عن تخليد ثورة يوليو وكان من أنصار ثورة يوليو التى رأى إنها إهتمت بالإنسان المصرى.
كتب “جاهين” الأشعار والأفلام ولكن ظلت الرباعيات التى قدمها هى أخلد شئ يعرفه به المواطن البسيط حيث مثلت هذا العمل الرائع سيمفونية عزفها “جاهين” وحده وهى التى غناها “سيد مكاوى” ومن بعده “على الحجار” ومازالت المحاولات مستمرة من أجل هذا الإبداع ففى تلك الرباعيات تقريبا عبر “جاهين” عن حالة المواطن المصرى فى جميع حالاته وهى وإن كانت تمثل شيئا فهى بالطبع تمثل فلسفة خاصة فى الحياة المصرية.
فى ذكرى ميلاده ترصد “الفجر” الكلمة له فى ظل تلك الظروف التى نحتاج فيها إلى مثله؟
الشاعر الكبير “جمال بخيت” قال إن “صلاح جاهين” ليس مجرد شاعر مصرى أبدع وأحبه الناس لإبداعه ولكن “جاهين” هو حالة خاصة فى القرن العشرين أعتقد إنه صعب أن يتكرر الأمر مع أحد غيره فإن “جاهين” الذى أختار كلمات فى شعره ورباعيته ما كانت تخطر على بال أحد فهو كان يستخدم الكلام العامى للحياة اليومية للناس ويوظفها توظيفا شعريا فى جملة تخرج منها فلسفة أو حكمة أو قول مأثور وتلك ولا شك ندرة فائقة على الكلام.
وأضاف “بخيت” إن “جاهين” أيضا فى تركيبته هى تركيبة غريبة فهو مصرى قاهرى بسيط شاعر محب عبقرى فيلسوف وطنى ولديه إحساس بالذنب لا مثيل له وهو ما يجعلك تتسائل عن طبيعة تلك الشخصية التى أمامك وصحيح أن رسوم الكاريكتير قد أعطت له المزيد من تلك العبقرية لكن يظل “جاهين” فى القلوب المصرية حدثا لا يمكن تكراره وفى تلك الذكرى الجميلة التى تذكرنا إنه فى مثل هذا اليوم ولد عبقريا مصريا أريد أن اقول له “كل سنة وانت طيب يا أبو صلاح” إشتقت اليك.
اما الكاتب الكبير “محمد سلماوى” الأمين العام للإتحاد العام للأدباء العرب قال: إن “صلاح جاهين” الذى نحتفل بمولده اليوم وفى نفس الوقت نفتقد وجوده معنا كان مؤثرا جدا فى الحياة السياسية المصرية اذا أردنا أن نتناوله من تلك الزاوية فهو المصرى الذى ألهب حماس المصريين فى كل المعارك التى خاضتها مصر فى عهد “عبد الناصر” وهو الذى وقف بجانبها بالكلمة مع العندليب الأسمر التى كانت الجبهة الفنية الحقيقة للتعبير هذا بالإضافة إلى ما حدث له بعد النكسة وهو إن كان يدل على شئ فهو يدل على وطنية “جاهين” المفرطة وبساطته التى بسببها سيطرت تلك الحالة الهيسترية من الإكتئاب ونادرا ما نجد من أشخاص مثل هذا.
أما على المستوى الفنى “فجاهين” يمثل قنبلة فنية تمشى على الأرض فهو ممثل بارع كاتب سيناريو حققت أفلامه أعلى المبيعات كاتب أغانى غناها عمالقة الغناء العربى سياسى بارع صدقه المصريون فى كل كلمة يكتبها ومن النادر أن تكتب ويصدقك هذا الكم الهائل من الناس.
أما من الناحية الإنسان فلا أكذب حين أقول إن “جاهين” هو فى الأصل طفل وتتعامل معه تشعر بذلك كان لا يعرف الغضب كان مليئا بالحيوية والتفائل متعمقا فى الحياة المصرية وهذه هى العبقرية المصرية حقا .
أما الكاتب اللبنانى “إلياس سحاب” فيروى قصته مع “جاهين” من خلال مقابلة له فى الماضى ويقول “إلياس” كان أشد ما لاحظته شغفه بالإطلاع على تفاصيل الحياة اليومية للمصريين فى أيام الفراعنة إلى درجة أن إستغرق فى هذا الحديث امامى كان يحيطنى بشعور غريب وكأنه نقلنا إلى العيش فى العصر الفرعوى.
ويضيف “إلياس” علاقة جاهين بالوجدانية والعاطفية والسياسية بجمال عبد الناصر كانت ايضا من المواضيع التى اذكرها فى نسيج العلاقة بيننا وعندما سألته على مشاعره عندما تسلم جائزة من “عبدالناصر” فى عيد العلم فاكد إنه كان بالغ التاثر لدرجة إنه لم يسمع كلمة واحدة مما قيل أمامه ولا يتذكر تفاصيل ذلك اليوم .
وأضاف “إلياس” كان شديد الشغف بالموسيقى وكان لا يعترف بالحواجز بين الموسيقى العربية والموسيقى الغربية ولما سألته فى هذا الصدد قال أحب تلك الموسيقى لكن أفضل موسيقى هى “باخ” ولما سألته عن السبب قال لى إننى إنسان فوضوى ملخبط وقلق وأشعر بمزيد من الإضطراب والقلق عندما أستمع إلى موسيقى “بيتهوفن” بصخبها الدرامى أما موسيقى “باخ” فهى تنظمنى من داخلى .
ويتذكر “إلياس” كان دوما فى لقائتنا يطلعنى على كل أعماله الجديدة وكان يعتز بعمله مع المخرج “سعد أردش” بالتحديد كان جاهين رائعا حقا ومن الصعب أن نجد مثله مرة اخرى.
كل سنة وإنت طيب يا عم صلاح نحتاج إليك ونفتقدك ونعلم إنه من الصعب استعادة مثلك فى تلك الأيام وكما قلت أنت سابقا “خرج إبن آدم من العدم قلت ياه” “رجع إبن آدم للعدم قلت ياه” “تراب بيحى وحى بيصير تراب” “الأصل هو الموت ولا الحياة”.
بوابه الفجر