أنا عانس !!!

أنا عانس ولا أفتخر.. أنا عانس ولا أختبئ من أعين الناس.. أنا عانس ويجرحني هذه اللفظ كثيراً وأعترض عليه أمام الناس دائماً وأردده بيني وبين نفسي سراً أكثر.. أنا عانس وأخشى أن يلتصق بي هذا اللفظ طوال عمري.. هذه حقيقة..
ولكن هل اشعر بالخوف لأنني لم أتزوج بعد؟ لأنني لم أحب بعد؟ لأنني لم أجد من يقبلني وأقبله حتى الآن؟
لا!
الخوف ليس من العنوسة.. البنات لا يؤلمهن الخوف والقلق من المستقبل بقدر ما يؤلمهن الناس! العنوسة ليست هي الشبح.. ما يترتب على العنوسة هو الكارثة.. معنى أن تكوني عانس في بلد يقدس الزواج أن تتغير كل ملامح حياتك.. فعلاقتك بصديقاتك سيشوبها دائماً الحرص والحذر من غيرتك وحقدك عليها.. علاقتك بأهلك ستتوجها التعليقات السخيفة والمعايرة بأنك فاشلة ولم يقبل بك أحد فضلاً عن الحزن والقلق الألم الملموسين في دعوات ونظرات أبويك.. علاقتك بالناس ستتأرجح ما بين ثلاثة محاور أولها العطف.. ثانيها الشك في أخلاقك أو سلامة عقلك أو أنوثتك.. وثالثها ترديد الآيات القراءنية خوفاً من “عينك”.. بالطبع لن ننسى النميمة التي تأكل في لحمك في غيبتك.. فسيرتك ستُسخدم كفزاعة للبنات الأصغر سناً حتى لا ينقلبون منقلبك ويدركون أن العمر ليس فيه إلا بضعة سنوات.. فيتزوجن.. أية زيجة لا يهم! المهم أن يتزوجن..
هل هذا فقط؟ لا!
بما أن حضرتك عانس إذا لابد أن تطأطئي رأسك وتستمعين لعروض قذرة وجارحة وغير ملائمة.. مثلاً عادي جداً بما أنك عانس أن يطلب منك مديرك أو قريب كبير في السن أن تكوني زوجته الثانية سراً أو جهراً وإن اعترضتي على العرض أو على أن تكوني زوجة ثانية سُيسمعك كلمات من قبيل “هو أنتي لاقية أصلاً؟” فيجرحك بعرضه وبرد فعل مهما فعلتي سيظل يجرح..
أيضاً عادي جداً أن يتقدم لك كبير السن, الأرمل, المطلق, من لديه أولاد.. ومع احترامي لكل هذه الفئات.. المشكلة ليست في أنهم يتقدمون للزواج.. المشكلة في أن هذه الفئات تحديداً ترى في العانس شئ مكسور.. شئ ناقش لا يضيعون الفرصة لإستغلاله.. المشكلة أن الشاب العانس حينما يقرر أن يتزوج سيبحث عن الصغيرة وإن فكر فيمن هي في سنه سيُهاجم من الجميع لأنه يستحق من هي أصغر وأجمل ..إلخ!
مجتمع رائع أليس كذلك؟ لكني لم أنته بعد.. خذ الأتي..
بما أنك عانس يبقى طبيعي جداً أن يطل عليك أستاذ علم أجتماع في التلفزيون وينتقد المناهج التعليمية التي أدت إلى تحرير المرأة وسرعة نضجها وكفاءتها فجعلتها تعامل الرجل بندية.. حتى أن الرجل لم يعد يشعر بقوته.. وينتقد أستاذ الجامعة المبجل طموح وتفوق الفتاة الأكاديمي الذي يجعل من الصعب أن يتفوق عليها الرجل.. ومن هنا نفهم أنه إذا أردت الزواج.. فلابد أن تكوني ضعيفة أو بالبلدي “تمثلي الضعف” لتشعريه بقوته.. و ألا تكوني طموحة أو قوية وإلا عاقبك الرجال بالعزوف عنك..
أيضاً عادي جداً أن يطل عليك شيخ عظيم يقنعك بأن عدد النساء أكثر من الرجال ولذلك أزمة العنوسة لن تحل إلا بالتعدد.. وكيف أن النساء لابد أن يرضين بالزواج الثاني والثالث لأن ليس هناك رجال كافيين.. وهذ الشيخ لم يكلف نفسه أن يراجع الإحصائيات. بحسب بعض الإحصاءات الرسمية من المركز القموي للبحوث الاجتماعية والجنائية، يوجد في مصر 9 ملايين شاب وفتاة فوق الـ35 عاماً لم يتزوجوا، منهم 5.5 مليون شاب و3.5 مليون فتاة فوق سن الـ35، أي أن ثمة مليوني شاب زيادة عن عدد الفتيات!
ويصبح من الطبيعي ايضاً أن تجد بنك التنمية والائتمان الزراعي يقدم مبادرة لتشجيع الشباب على التعدد ومكافحة ظاهرة العنوسة بإعطاء لكل شاب يتزوج قرض مع كل زيجة! لتكون الفائدة الخاصة بقرض الزيجة الأولى 3%، بينما يبلغ قرض الزيجة الثانية 6%!
الفتيات في هذه المنطقة من العالم يتم تسليعهن بشكل جنوني.. ويتم إهانتهن بجهل وتصميم على لوم الضحية..
علينا أن نعترف أن هذه الأزمة بالأساس أزمة اقتصادية وأخلاقية واجتماعية.. اقتصادية من بطالة, ضعف أجور, غلو المهور ومتطلبات الزواج الفارغة من المضمون والمعنى.. وأخلاقية لأن الطمع وإرتفاع سقف الطموحات أصبح جزء من تفكيرنا.. فتريد أن نتزوج الأفضل الأغنى والأجمل.. ولا نريد أن نتنازل.. فمنظومة الزواج في مصر مشوهة.. فالكثير يتزوج لدواعي الاستقرار والعفة والأمان والشكل الاجتماعي ..العرف والتقاليد.. لكن يغيب عن المشهد الزواج التشاركي الملئ بالمودة والرحمة.. التضحية والصبر..
ولكل ذلك لو مازلت مصر على استخدام لقب عوانس.. فأرجوك أرفق بهن..
ولكل فتاة لم تتزوج بعد.. صدقيني المشكلة ليست بك.. المشكلة في عقول مظلمة.. مش هتنور غير بيكي..
البداية