معجزة رمسيس

53_2245469

 

 

فاطمه ناعوت :معجزه رمسيس

بالأمس، الاثنين 22 أكتوبر، تكررتِ المعجزةُ التى تمنحها مصرُ للكون مرتين كلَّ عام، منذ آلاف السنين. أجبر علماءُ العمارة والفلك، من أجدادنا الفراعين، شعاعَ الشمس على التسلُّل من ثقب دقيق فى جدار سميك بعمق 200 متر، حتى يستقر على نقطة بعينها فى جوف الصخر. النقطة هى وجهُ الملك رمسيس الثانى المخبأ فى العمق السحيق بمعبد أبى سمبل حيث «قُدس الأقداس». منذ القرن 13 قبل الميلاد، وحتى عام 1964، كانت الشمس تتعامد على المعبد يومى 21 أكتوبر، 21 فبراير. ولكن، بعد تفكيك المعبد لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالى، ونقله من موقعه القديم، إلى موقعه الحالى، تبدَّل اليومان إلى 22 من فبراير وأكتوبر، بسبب اختلاف خطوط الطول والعرض للموقع الجديد الذى يبعد 120 متراً غرباً. يدخل الشعاعُ ليضىء ثلاثة تماثيل من الأربعة الموجودة بالمعبد. «رع حور أختى» إله الشمس، رمسيس الثانى، «آمون رع» إله طيبة. ليظلَّ التمثالُ الرابع «بتاح» إله منف وراعى الفن، فى الظلِّ كما يليق بإله العالم السُّفلى.

استفاد المهندس العبقرى مصمِّم المعبد، بما وصل إليه أجدادنا، علماءُ الفلك العالميون، من معرفة دقيقة برحلة شروق الشمس وغروبها ليصنع هذه المعجزة المعمارية. ينطلقُ شعاعُ الشروق من نقطة الشرق بالضبط، وينطبق شعاعُ الغروب على نقطة الغرب بالضبط، فقط يوم 21 مارس. ثم يبدأ الشعاعُ فى الانحراف صوب الشمال بمقدار ربع درجة يومياً، حتى يعاود الانطباق على نقطة الشرق يوم 21 سبتمبر، ثم يستأنف رحلة الانحراف ليشرق من نقطة تبعد 23 درجة وربع جنوب الشرق فى 21 ديسمبر، ليعود فينطبق على نقطة الشرق التام يوم 21 مارس، فى دائرة سنوية فلكية لا تحيد. وهكذا عرف الأجدادُ أن الشمس تمرُّ على كل نقطة، مرتين فى العام فى رحلة شروقها وغروبها، فاختاروا مكاناً يقطع مسار شعاع الشروق ويبعد عن النقطتين مسافة قدرها الزمنىُّ أربعةُ أشهر، هى الفترة بين 21 أكتوبر، و21 فبراير، فيسقط الشعاع على تقاسيم وجه الملك فى عمق الجبل فى هذين اليومين، فقط، يوم ميلاده، ويوم تتويجه ملكاً. وجهوا الثقبَ صوب الشرق، وحفروه ضيِّقاً جداً، حتى يُخطئه الشعاعُ فى اليوم التالى حين ينحرف ربع الدرجة، فيعمُّ الظلامُ من جديد، انتظاراً لليوم الآخر من العام، حين يعودُ الشعاعُ ليضىء الوجه الملكىَّ.

أولئك أجدادُنا العظام الذين علينا أن نتأمل تاريخهم لنفخر بمصريتنا، التى كرَّمنا بها اللهُ على سائر الأعراق والأقوام. ثم نبنى على أمجادهم أمجاداً جديدة، لكى يفخروا بنا كما نفخر بهم. وليس علمُ الفلك لدى السلف المصرىِّ، إلا غيض من فيض، إلى جوار علوم الطب والتشكيل والآداب والموسيقى والنحت والهندسة والتقويم والفيزياء والسياسة وغيرها من عبقرياتٍ أذهلتِ العالمَ المتحضِّر، فانحنى أمامها إجلالاً. فهل نُجِلُّها نحن كذلك؟

الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى