الأخبار

أصحاب مصانع: مستقبلنا «علی كف عفريت»

1348986

 

وسط ضجيج آلاف الماكينات الضخمة بمدينة برج العرب الصناعية فی الإسكندرية، جلس طارق مصطفى بين جدران ورشته الصغيرة، أو «حلمه الصغير»، فوق أرض مجمع الصناعات التابع للجهاز التنفيذى للمشروعات الصناعية والميكانيكية فى وزارة الصناعة، والذى أنشأته الوزارة لدعم صغار المصنعين.

رغم صغر مساحة الورشة إلا أنها تضم بين جدرانها طموحاً لا حدود له، بدأه مصطفى بشراء 3 ماكينات، من أحدث التصميمات لصناعة البلاستيك.

خطوات الحلم الذى بدأه «مصطفى» فور تخرجه كانت تسير على ما يرام، حتى قامت ثورة يناير، لتمنحه والملايين من أبناء هذا الوطن الأمل فى حياة أفضل، تخلو من الفساد والوساطة والمحسوبية، وأيقن «مصطفى» أن حلمه أن يكون واحداً من أكبر رجال الأعمال لن يتوقف إلا على جهده وخبرته فى مصنعه الصغير، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن.

خلفت الثورة انفلاتًا أمنياً وارتفاعًا غير مسبوق فى الأسعار انعكس على حركة البيع والشراء، فتعثرت ورشته فى توفير المواد الخام، لدرجة أنه لم يعد يقدر على سداد أثمانها، إلا بعد التصنيع وبيع المنتجات، علی حد قوله.

وأضاف «مصطفى» وهو يجلس وسط عشرات الجرادل البلاستيكية، التى يقوم بتصنيعها: «تراجعت إنتاجية الورشة إلى 30% من المقدار الحقيقى لإنتاجها بسبب الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد، وهو السبب نفسه الذى أجبر العديد من الشباب ملاك الورش المجاورة لى فى نفس المجمع على غلق أبوابها، وتسريح العمال، أمّا الورش الباقية فتبخرت أحلام أصحابها فى توسيع نشاطها، أو زيادة عدد الماكينات، رغم أن مساحاتها تسمح بذلك».

ورغم حصوله على مؤهل عال، وتملكه المصنع الصغير إلا أن «مصطفى» لا يستحى من العمل بيده مع عمال ورشته، والوقوف على ماكيناتها فى مختلف مراحل الإنتاج، من أجل التغلب على العجز الشديد فى عدد العمال بالمصنع، الذين تراجع عددهم من 11 عاملاً إلى عاملين، بعد الارتفاع فى تكلفة يومية العامل إلى 40 جنيهاً فى الدورية الواحدة.

وصول الرئيس محمد مرسى إلى الحكم منح «مصطفى» أملاً فى أن تستقر أحوال البلاد، ليعود إليها على الأقل الاستقرار الأمنى، الذى لايزال يقف عائقاً أمام تسويق منتجاته، حيث يرفض سائقو سيارات النقل توصيل كميات ومبالغ كبيرة لمنتجات تلك الورش، خوفا من خروج قطاع الطرق عليهم.

وقال مصطفى: «كثرة الاعتصامات والاحتجاجات والمليونيات، تسببت فى ضعف أداء الأجهزة المحلية والتنفيذية، فرغم وقوع الورشة داخل مجمع منظم ومخطط تابع لوزارة الصناعة إلا أنه يعانى مشاكل خدمية عديدة مثل الصرف الصحى الذى تُغرق مياهه المجمع، ويضطر أصحاب الورش لتأجير سيارات اللودر بـ100 جنيه فى الساعة لردم الشوارع المنخفضة، التى تتجمع فيها المياه وتزحف على الورش، إضافة إلى أعطال عواميد الكهرباء التی تؤدی لانتشار الظلام فى أرجاء متفرقة من المجمع نتج عنه وقوع حوادث سرقة متعددة».

وتابع أن أصحاب الورش يفاجأون بفرض غرامات على فواتير الكهرباء تصل إلى 35 ألف جنيه للورشة الواحدة، دون أن يستمع لشكواهم أحد، على حد قوله، وأضاف: «المشكلة هی تجاهل الحكومة لنا كصغار الصناع، ولا أحد يسمع شكوانا رغم أننا النواة الحقيقية لأى مجتمع صناعى ضخم، والمشكلة الأكبر أن البلد يواجه مستقبلاً مازال مجهول الملامح، لا يعرف أحد أبعاده، وبالتالى لا يعرف أحد كيف سيخطط لتطوير نفسه، أو على الأقل الحفاظ على حلمه، وبالتالى لن يكون هناك أمل لإصلاح البلاد سوى استقرار وضعها السياسى، لنتمكن من عقاب من يخطئ أو يقصر فى حقها، وفى حق طموح شبابها، وإذا استمرت الفوضی الحالية، فإن الخراب سيكون مصيرنا، لأنه التطور الطبيعی للفوضى».

صوت الآلة يكون دائماً مؤشر تقدم البلاد، ليس فقط لما يتيحه من توفير فرص عمل لأبنائها، أو لمركز عالمى تناله الدول فى منافسة عالمية، وإنما لكونه يعكس حجم الاستقرار الذى تتمتع به تلك البلاد.

وفى الوقت الذى لم تتخذ فيه الدولة أى إجراءات أو خطط للنهوض به، يسعى قطاع الصناعة خاصة كبرى شركاته للوقوف أمام التحديات الاقتصادية والسياسية، التى فرضت نفسها فجأة على البلاد، وعصفت بكل من فشل فى الصمود أمامها.

أسامة جودة، نائب مدير عام المجموعة المصرية للاستثمارات الصناعية بمدينة السادات الصناعية، صنف العواصف التى واجهت قطاع الصناعة فى مصر، قائلاً: «من أصعب المراحل التى مرت بالمنطقة الصناعية مرحلة وقت الثورة، حيث واجهنا البلطجية والمساجين الذين هربوا من سجن (وادى النطرون) الواقع فى مدخل المدينة إلى مختلف أرجائها وقت الانفلات الأمنى، الأمر الذى ترتب عليه غلق الطرق، وصعوبة نقل الأموال والمواد الخام وتحميل البضائع، وتوقفت حركة المبيعات، إلا أن العمال رفضوا التوقف عن الإنتاج، وتولوا حماية المصانع بأنفسهم».

وتابع «جودة» أن الجميع يعى أن الدولة ستشهد خلال الفترة المقبلة موجة من الثورات، التى تتحدى بقاء النظام الحالى، والتى لن يسلم لها النظام بسهولة، ولا نتوقع حدوث هذا الاستقرار قبل 4 أو 5 سنوات.

المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى