تعذيب معارضين واغتيال خصوم

29

 

 

 

 

إذا كنت أحد الذين شاركوا أو شاهدوا أحداث قصر الاتحادية الأولى في أوائل ديسمبر من العام الماضي، فمن الصعب أن يسقط من ذاكرتك ذلك اليوم، فالشارع شاهد ودليل، والناس شهود عيان، عيونهم كاميرات ترصد وتسجل في الذاكرة كل ما رأت، المكان هو شارع الميرغني أمام قصر الاتحادية، المشهد كان أصعب ما يكون، لأول مرة يقف المصريون في فريقين أمام بعضهم البعض، يصوب كلاهما نحو الآخر إما الحجارة أو بالمولوتوف أو طلقات الخرطوش، منهم من يريد قتل الآخر، فريق معتدٍ والآخر معتدى عليه، حيث يقول الثاني إن خروجه لـ “الاعتراض السلمي”، أما الأول فيبرر أن خروجه جاء لـ “نصرة الشرعية”، وأن مقتله يعد “شهادة في سبيل الله”.

“الوطن” استمعت إلى ذكريات شهود العيان من سكان المنطقة، الذين حضروا الأحداث بداية من يوم 4 ديسمبر حتى اندلاع الأحداث يوم 5 ديسمبر 2012 .

محمد إحسان – 34 سنة، مدير لأحد محال للملابس أمام قصر الاتحادية، يتذكر التفاصيل بدقة، يقول “أثناء أحداث الاتحادية الأولى في ديسمبر من العام الماضي، كنت أتواجد داخل المحل، فيما كان الإخوان متواجدين أمام المحل والقوى المعارضة لمرسي في أول شارع الميرغني ناحية شارع الخليفة المأمون، لكن عند بداية الضرب أغلقت المحل”.

ينفي إحسان كل ما قيل عن اقتحام المعارضين لقصر الرئاسة يوم 4 ديسمبر، قائلاً “ده كلام مش صحيح”، إذ كان يشهد بعينه هتافات المعارضين ضد الرئيس المعزول حتى الحادية عشر مساءً تقريباً، قبل أن تنصرف الجموع الحاشدة، فيما ظلت أعداد قليلة منهم كانوا يتواجدون داخل الخيام، حتى اليوم التالي الذي بدأت فيه الأحداث واقتحم الاخوان الخيام وقاموا بالتعدي بالضرب على المعارضين وإشعال الخيام.

يرجع محمد بذاكرته إلى يوم الأحداث، قائلاً إنه عقب ضرب الإخوان للمعتصمين داخل الخيام، بدأ يسمع عن قدوم تعزيزات من قبل المعارضين، “وهو ما بدأ بالفعل على الساعة السادسة مساء يوم 5 ديسمبر، حتى بدأ الضرب من قبل الطرفين في ذلك الوقت، فأغلقت المحل وانصرفت من المنطقة تماما”.

أحمد هو الآخر أحد شهود العيان على أحداث الاتحادية، رفض أن ينشر صورته أو يذكر تفاصيل عن نفسه، حتى أنه رفض في البداية أن يحكي ما رأى، حتى لا يتذكر مشهد وفاة الحسيني، الذي يقول إنه شاهده بنفسه، يتحدث أحمد قائلاً إنه كان بجوار المعارضين للرئيس المعزول في الخيام طوال يوم 4 ديسمبر حتى، فجر اليوم الثاني حينما تركوا مواقعهم نحو الساعة الثالثة من صباح يوم 5 ديسمبر، لم يكن يتوقع أنه من الممكن أن يتم الهجوم من قبل جماعة الإخوان على عدد محدود من المعارضين لم يتجاوز الثلاثين.

يقول أحمد إنه في صباح يوم 5 ديسمبر، بدأ يسمع أنباء عن قدوم عدد من أنصار الرئيس المعزول ممن ينتمون إلى جماعة الإخوان، فبدأ العدد المتواجد من المعارضين بعمل متاريس بوسط شارع الميرغني وإغلاق جانب من الشارع، في غضون الساعة الواحدة والنصف ظهراً، بدأ توافد عدد محدود من أنصار الرئيس المعزول إلى قصر الاتحادية، والهتاف بدأ من الجانبين.

أثناء الخروج من شارع شفيق غبريال وهو شارع متفرع من شارع الميرغني، وقف أحمد أمام عمارة تطل على شارع الميرغني وقال “أكتر حتة شافت مأساة في اليوم ده هي الحتة دي، لما كان يمسكوا حد كانوا يعذبوه هنا، وكان في ناس كتير شوفتها من ضمنهم مينا فليب اللي كان جسمه مليان وجابوه في القنوات، كانوا ماسكينه من بداية شارع المماليك لحد هنا”، يستكمل حديثه قائلاً “أنا شوفت بنفسي وربنا يشهد عليا، إن الإخوان وقفوا يكسروا زجاجات المياه الغازية، ويخلوا كعب الزجاجة مشرشرة، ويضربوا الناس بيها لحد ما يطلع لحمهم من جسمهم”.

يرسل أحمد بصره نحو سور القصر بجوار الجزء المتبقي من السور الخرساني، الذي يتوسط الشارع منذ اندلاع أحداث الاتحادية العام الماضي، يشير بيديه ويقول “هنا الشباب المعارضين لمرسي كانوا عاملين الخيام”، في إشارة إلى سور قصر الاتحادية.

يستكمل أحمد حديثه قائلاً “بعد صلاة العصر بدأ الاخوان يقفلوا شارع الميرغني كله، بعدها بدأ ضرب المعارضين لمرسي وحرق الخيام، والكلام اللي كان بيقولوه على إن فيه خمرة وبنات وولاد يناموا مع بعض كلام كذب”.

يسرع أحمد بشريط ذكرياته يعود للأحداث، فيروي تفاصيل الواقعة التي يصفها بأنها الأكثر تأثيراً عليه، وهي مشهد قتل الصحفي الحسيني أبو ضيف، فيقول إن مسيرة للمعارضين أتت على الساعة السادسة مساء عند شارع الأهرام المقابل للقصر، وكان يقف على الجانب الآخر أنصار الرئيس المعزول، وبدأ الهتاف ضد بعضهم البعض، حتى رأى رجلا ذا لحية كثيفة بنية اللون، يرتدي جلبابا أبيض وذا جسم سمين، يشير بيديه لمن حوله ويقول “هو ده الحسيني أبو ضيف الصحفي”، والحسيني في ذلك الوقت يقف على الرصيف المقابل ويمسك بكاميرته.

يصمت أحمد قليلاً ثم يعاود مرة أخرى الحديث بصوت خافت وحزين، فيقول إنه في ذلك الوقت ابتعد قليلاً عن المكان، حتى سمع صوت طلق رصاص، فأسرع عائداً مرة أخرى، ليرى الحسيني أبو ضيف ملقى على الأرض والدم يسيل من وجهه، فحاول أن يحمله مع الناس، لكنه من صعوبة المشهد سقط على الأرض مغشياً عليه.

 

 

الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى