الأخبار

حدوتة الإخوان وإعلام كفار قريش


2

عمرو مجدي

«أيها الإخوة والأصدقاء رجال الصحافة والإعلام (…) يسعدني اللقاء بكم، وفي البداية أحب أن أسجل تقديري للإعلام برجاله ونسائه، ويسعدني دائما اللقاء بهم والتواصل معهم».

****

كان هذا كلام المرشح الرئاسيمرسي (عفواً خيرت الشاطر) في مؤتمر حملته الانتخابية.. ثم أردف الشاطر: «الإمام ابن حزم له مقولة جميلة: من تصدى للعمل العام فلابد أن يتصدق بعرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتوم وإن واصل الليل بالنهار». وعلق الشاطر على مقولة ابن حزم بقوله: كانت تلك المقولة من مئات السنين قبل أن يكون هناك إعلام ووسائله «الجميلة القوية المؤثرة» حاليًا.

ثم زعم الشاطر أنه لا يتضايق شخصيًا ولا يجعل هجوم بعض الإعلاميين عقبة في طريق التواصل معهم، فالإعلام هو السلطة الرابعة… إلخ.

***

(الفصل الأخير)

الصوت الذي جعله الشاطر هادئا وناعما في الحديث عن «التصدق» بعرضِه للإعلام «الجميل القوي المؤثر» انتهى إلى صُراخ هستيري يشنه الإسلاميون على مدار 24 ساعة ضد الإعلام، وانتهى إلى هتافاتهم الشبِقة أمام قصر مرسي «الشعب يريد تطهير الإعلام» التي تجعلك تظن أنهم يشعرون بأن يد الإعلام مُسلطة على أقفيتهم طوال الوقت، وانتهى لقضايا أمام المحاكم ضد المنتقدين ومنع للمقالات وحجب للأراءبطريقة لم يفعلها مبارك نفسه.

أسباب الهستيريا تكمن مؤخرًا ببساطة في حقيقة أن الإخوان وصلوا للحكم، وأي حاكم مهما ادعى من المثالية والصبر، فإن النقد يؤلمه ويزعجه ويخيفه، خاصة إن كان حاكمًا ظالمًا جاء للحكم بأغلبية بسيطة، بينما تتآكل شرعيته وشعبيته شيئًا فشيئًا.. لكن المسألة في حق الإخوان ليست فقط لأنهم الحكومة، ولكن من قبل ذلك لأنهم جماعة عقدية، وككل الجماعات العقدية فهي تعتبر أن ثمة حدودًا للنقد المُباح، تحددها «مصلحة الجماعة»..

الفصل الأول والأخير يلخصان الحدوتة، لكني أشجع القارئ على متابعة الفصول اللي في النص لأنها الأهم.

***

(الفصول الوسطى الضائعة)

ما سبق ليس كل حدوتة الإسلاميين والإعلام الذي يصفونه بسحرة فرعون أو في مرحلة تاريخية متقدمة بكفار قريش.

الفصول الضائعة في المنتصف تتضمن السؤال الذي تضيع إجابته غالبا بين هستيريا الإسلاميين وردود الإعلام الضعيف مهنياً في أغلبه من جانب، وسيطرة حيتان رأس المال على معظم النوافذ الإعلامية من جانب آخر. والسؤال هو: هل يحتاج الإعلام في مصر لتطهير؟ الإجابة هي نعم.. لكن تطهير الإعلام يعني تطهير قوانينه وخلق بيئة صالحة للعمل الصحفي المهني وبيئة شفافة لتداول المعلومات. إذ حينما تتوافر تلك البيئة فقط، تقل الشائعات وتتوافر المعلومات لمن يريد الحقيقة، ويقل التدجين والهجص والبحث عن البيع السريع أو فبركة الأخبار.

وعلى سبيل المثال، هل يعرف المنادون شبقاً بتطهير الإعلام أن قانون البث الفضائي يعود لعام 1979! ثم تتحدثون عن تطبيق القانون! أو أي بيئة يمكن أن يتيحها ذلك القانون من حرية أو حد أدنى من الاتساق مع تطورات العصر!

تطهير الإعلام يعني ضمان حد أدنى إنساني لرواتب الصحفيين، فلا يعمل أحدهم شهراً كاملا لقاء خمسمائة جنيه، وكأنه عبد في أرض إقطاعية، ثم يكون مُحاسباً أمام رئيسه في الديسك أو القسم على كمية العمل «بالكيلو».

تطهير الإعلام يعني أن تفتح النقابة أبوابها لأبناء المهنة، وتتعدد النقابات الإعلامية، فلا يكون عدد المشتغلين في الإعلام يزيد على 50 أو 60 ألف شخص في بعض التقديرات، بينما إجمالي عدد أعضاء النقابة لا يزيد على 6 آلاف، ويعيش الباقون في الشارع بلا نقابة تحميهم أو تحاسبهم على أخطاء المهنة. ومصر تعج بالصحفيين الذين قضوا عشرات السنوات في العمل الصحفي ولم تتح لهم فرصة الانضمام للنقابة.

تطهير الإعلام يعني تخليص المؤسسات الصحفية القومية من سيطرة الدولة، وتطهيرها من الفساد المالي والإداري، فماذا فعل مجلس شورى الإخوان بالصحافة القومية؟ غيّر بعض الوجوه وأبقى على نفس ممارسات صفوت الشريف والحزب الوطني.. وكلنا يذكر ماذا فعل رئيس الشورى الإخواني برئيس تحرير الجمهورية (سنفترض ونبصم أنه أخطأ وربما كذب) حين نشر خبراً عن محاكمة طنطاوي.

تطهير الإعلام يعني الإيمان بأن الشائعات والكذب والهجص لا تفنى ولا تستحدث من العدم، ولن تكون هناك قوة في الأرض تنهي الظواهر السلبية للإعلام، ولكنها فقط تتراجع وتتآكل إلى هامش صغير حين تكون هناك مؤسسات صحفية قوية، مستقلة، يثق بها المواطن، وحين يضمن الصحفي حياة كريمة بعمله، وحين يأمن على حريته وقلمه من القصف حين يخطئ أو يغامر أو حتى ينتقد ويهاجم. وساعتها تبقى لُمامة الشائعات والهجص على الهامش كثمن بسيط جداً تدفعه المجتمعات لحرية الرأي والتعبير. بينما طريقة التعامل الأخرى بالسجن والمحاكمات أثبتت فشلها في الحفاظ على أي منهما: الصدق أو حرية الرأي.

****

هذا هو بعض من تطهير الإعلام، فلماذا فشل وسيفشل الإخوان والإسلاموجية في تطهير الإعلام؟

إن تطهير الإعلام من وجهة نظرهم هو أن تتحول كل المواقع إلى نسخة من موقع إخوان أون لاين، وكل القنوات إلى نسخة من قنوات الناس أو الرحمة أو مصر 25. لأنهم لا يريدون سوى أن يسمعوا صوتهم فقط، وإن كانت هناك مُعارضة أو نقد، فلا بد أن تكون «لطيفة وحبوبة» تماما مثلما كان منطق المجلس العسكري الذي داهم القنوات وكسر الكاميرات، أو مثلما كان يتحدث السادات لإسكات مُعارضيه عن «الأدب اللي فضلوه على العلم».

لكن من سوء حظهم أننا لا نعيش في الستينيات وما أدراك ما الستينيات، ولا في عصر السادات، حتى المجلس العسكري بجبروته وطغيانه لم يقدر على كسر شوكة الإعلام، وإن نجح جزئيا في تدجين الإعلام القومي ومحاولة شيطنة الثورة والثوار من خلاله. ولن يقدر الإخوان أبداً أن يسيطروا على الإعلام أو يجعلوه في جملته بوقا لهم ولمخططاتهم، في عصر الإنترنت والسماوات المفتوحة.

لم يلتفت الإخوان مثلا لتجربة هيئة إصلاح الإعلام والاتصال في تونسبعد الثورة (رغم إخفاقاتها بسبب تعنت حكومة النهضة والترويكا أيضاً) ولم يلتفتوا لتوصيات المراكز البحثية والخبراء حول إصلاح الصحافة القومية أو تطوير التليفزيون، لكنهم فقط اهتموا باستمرار وزارة الإعلام لكن بوزير إخواني هذه المرة، معدوم الخبرة، جاف الموهبة، منخفض الكفاءة، فقط للسيطرة على الإعلام الحكومي وضمان ولائه للإخوان، أو في الأقل: ضمان السيطرة على الثورة.

***

الإعلام.. الفشل التاريخي الساحق للإسلاميين

ما سبق ليس كل شيء.. ففي التحليل الأساسي، يُخفي الشبق الجماهيري الإسلاموجي لتحطيم الحريات الإعلامية فشلاً ذريعاً في بناء إعلامهم القادر على إقناع الجماهير أو مخاطبة عقولهم خارج إطار القنوات الدينية التي تعتمد على العاطفة الدينية ورابطة العقيدة، رغم أن الحكومة حكومتهم، ورغم حجم الأموال التي يمتلكونها وتعدد المنابر الإعلامية التي أصبحت لهم حرية إنشائها بلا حدود.

إن أبواب معظم القنوات – حتى لو كانت منحازة – مُشرعة أمام الإسلاميين (وحتى أكثرهم تطرفا) ليتحدثوا ويدلوا بآرائهم ويواجهوا انحياز تلك القناة، لكن قنوات الإسلاميين فقط مُغلقة على أصحابها، وجمهورها هم فقط أنصارهم ومؤيدوهم، في انعكاس للفشل التاريخي الساحق للإسلاميين في بناء صحافة حقيقية، ويعود ذلك لخلطهم التاريخي أيضا بين الصحافة (التي تتطلب المرونة والعمق والإقناع) والدعوة والدعاية (التي تنطلق من الشخص للجموع المستسلمة المقتنعة مُسبقاً).

إن التجربة الوحيدة الناجحة نسبيًا لصحافة إسلامية في مصر كانت موقع «إسلام أون لاين» رغم انحيازه للإسلاميين، لكنه كان تجربة جيدة وتستحق الاهتمام قبل أن تسحقها الإدارة السلفية في الدوحة.

وفي الخلاصة، إن تطهير الإخوان للإعلام هو «تطهير سياسي» يهدف إلى كبت الأصوات وكبح جماح الناقدين والمعارضين، وليس «تطهيراً مهنياً» يهدف إلى الارتقاء بمستوى الصحافة في مصر وبناء المؤسسات القادرة على المنافسة محليا وإقليمياً.

***

«أيها الإخوة والأصدقاء رجال الصحافة والإعلام (…) يسعدني اللقاء بكم، وفي البداية أحب أن أسجل تقديري للإعلام برجاله ونسائه، ويسعدني دائما اللقاء بهم والتواصل معهم».

الرجل لم يكذب لأنه قال: «في البداية». ولم يقل إن تلك هي كل الحدوتة.

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى