مَدرسة أجنبية تتهرب من دفع 8 ملايين جنيه ضرائب

89

“الحكومة المصرية لديها أزمات سياسية لدرجة أنها لن تنتبه ولن تغضب من وجود مدرسين أجانب يعملون بدون تصاريح وبتأشيرة سياحة”.. بتهكم أجاب المدير على مدرس اللغة الإنجليزية -كندي الجنسية- عندما طالبه بالحصول على تأشيرة عمل بدلًا من تأشيرة سياحة، ليحتج المدرس فيتم طرده من المدرسة وإنهاء عقده بعد أقل من شهر على وصوله للقاهرة.

المدرس الذي يمكن وصفه بالمقاتل، قرر أن يفضح ما تم في المدرسة التي تتبع النظام الكندي في التعليم حيث كشف لـ”بوابة الأهرام” كيف تتهرب المدارس الأجنبية من دفع ملايين الجنيهات كضرائب؟ وكيف تستغل الوضع غير المستقر لتربح ملايين الجنيهات التي تخسرها مصر في الوقت نفسه؟.

قصة جيمس برون تفتح ملف “مافيا” المدارس الأجنبية في مصر، فالرجل وقَّع عقدًا في كندا في 11 سبتمبر الماضي، للعمل في مدرسة أجنبية بمصر، ووصل مصر في 22 سبتمبر حيث حصل على تأشيرة دخول في مطار القاهرة، وتم إنهاء عقده بعد أن عمل لمدة 29 يومًا.

وجد مدرس اللغة الإنجليزية، نفسه طريدًا من العمل والسكن معًا، بعد أن اصطدمت رغبته في العمل بطريقة شرعية، برغبة غير شرعية يقودها مسئولو المدرسة للتهرب من ملايين الجنيهات المستحقة لمصر كضرائب.

العقد الذي وقعه “برون” في كندا، كان مع السيد إيرول هاريس بالنيابة عن رجل الأعمال المصري محمد عوارة، وتؤكد بنود العقد أن إدارة المدرسة عليها الحصول على تأشيرة عمل للمدرس، على أن تدفع له أجرًا مقداره 34.000 دولار سنويًا وأن إدارة المدرسة ملزمة بدفع ضرائب عن المبلغ تقدر بـ 20%.

وصل جيمس إلى القاهرة وتوجه في اليوم نفسه للمدرسة وقابل المدير المسئول، وسأله مباشرة أين أجري اختبار مرض “الإيدز”؟ لعلم جيمس أن الحصول على تأشيرة العمل يتطلب تقديم شهادة طبية موثقة بالخلو من الفيروس.

فوجئ المدرس الكندي الذي أكمل عامه الـ60 بالمدير المسئول السيد بيل بيرنت يخبره أنه سيحصل على تأشيرة سياحة مثل باقي المدرسين وذلك بالمخالفة للعقد.
ثار جيمس ورفض قائلًا إن هذا ضد بنود العقد وضد القانون المصري الذي ينص العقد أنه تحت مظلته.

المدير الكندي، رد بتهكمم: تأشيرة العمل تتطلب وقتًا والحكومة المصرية لديها أزمات سياسية لدرجة أنها لن تنتبه ولن تغضب من وجود أجانب يعملون بتأشيرة السياحة.

ذهب المدرس للفصل وبدأ في يوم وصوله التدريس للتلاميذ الذين يؤهلهم نظام الدراسة للالتحاق بالجامعات الكندية مباشرة.

التأشيرة التي حصل عليها جيمس في المطار كان غرضها السياحة لمدة 30 يومًا فقط، ولذلك توجه إلى مجمع التحرير بوسط القاهرة للحصول على تأشيرة أطول وتصريح بالعمل.

في مجمع التحرير، اكتشف المدرس الكندي عدم صحة كلام مدير المدرسة وأنه يكذب لسبب ما، ربما ليس فقط أن تأشيرة السياحة التي حصل عليها ثمنها 3 جنيهات فقط بينما تأشيرة العمل ثمنها 3400 جنيه، وهو ما يوفر للمدرسة عشرات الألوف من الجنيهات سنويًا.

كشفت زيارة جيمس للمجمع أن الحصول على تأشيرة سياحة يوفر 3397 جنيهًا للمدرس الواحد، وإذا كانت المدرسة المذكورة تضم نحو 40 مدرسًا وإداريًا حصل منهم 15 فقط على تأشيرة عمل، فبحسبة بسيطة، المدرسة توفر نحو 85 ألف جنيه في هذا البند سنويًا.

بحسبة بسيطة فإن هذه المدرسة فقط التي تضم 25 مدرسًا بدون تأشيرة عمل ولايدفعون الضرائب، منذ بدأت العمل قبل 6 سنوات، والضرائب المستحقة عن كل واحد منهم في السنة مبلغ 6800 دولار، فإن عليهم دفع 170 ألف دولار كضرائب في السنة بما يساوي أكثر من مليون دولار في 6 سنوات.

ويعني هذا أن المدرسة تتهرب من دفع مبلغ يقترب من 8 ملايين جنيه مصري منذ بدأت العمل، وإذا قلنا إن نحو 10 مدارس فقط لديها حالات مماثلة فنحن نتحدث عن مبلغ يزيد على 80 مليون جنيه مصري.

اكتشف المدرس الكندي أن تأشيرة العمل قد تستغرق 10 أيام فقط بعد ملء استمارة في مجمع التحرير، وأن تصريح العمل يتطلب فحصًا أمنيًا قد يستغرق 6 أشهر لكنه لا يعطل الحصول على تأشيرة العمل، بل يجعلها تصريحًا مؤقتًا في انتظار التأكيد الأمني.

ووفقاً لعقد المدرسة الكندية مع “برون” فإن المدرسين أقل من 3 سنوات خبرة يحصلون على تأشيرة سياحة حتى يكملوا 3 سنوات، فيتم الحصول لهم على تأشيرة عمل، ومعنى ذلك أيضًا أن مدرسين لا يعرف عددهم بالضبط يعملون في مصر وهم بلا خبرة تقريبًا ولا يدفعون ضرائب تحت رعاية وحماية المدرسة الأجنبية التي جلبتهم لمصر لتعليم أبنائها باعتبارهم خبرات عظيمة.

في 7 أكتوبر الماضي، وصلت مفتشتان من وزارة التعليم الكندية إلى المدرسة، فقابلهما المدرس جيمس برون وشكا لهما أن مدير المدرسة يريده أن يعمل بتأشيرة سياحة بالمخالفة للقانون المصري وللعقد الذي وقعه في كندا قبل مجيئه للقاهرة.

صدمة برون في رد المفتشتين كانت كبيرة، فقد أخبرتاه بوضوح أن التأشيرة ليست مشكلتهما، وأنهما تفتشان وتراقبان سياسة المدرسة والمواد التي تدرس بها وطرق التدريس، وأن العقد والتأشيرة ليستا ضمن الإجراءات التي يتم التفتيش عليها.

لم يستسلم برون لرد المفتشتين وأرسل بالبريد الالكتروني لرئيسهما في كندا ليعرض عليه المشكلة، ورد المفتشتين، فكان رده أنهما على حق، وأن ذلك ليس ضمن اهتمامات وزارة التعليم الكندية ووعده بأن يتم الاهتمام بذلك في المستقبل.

لكن المفتشتان غادرتا المدرسة الواقعة في مدينة السادس من أكتوبر يوم 10 أكتوبر إلى بلادهما، بعد أن طلبا من مدير المدرسة تصحيح الوضع غير القانوني بالنسبة لتأشيرة جيمس برون.

بدأت معاملة المدير الكندي وليم بارنت تتغير مع المدرس جيمس برون وأصبحت عدائية بعد مغادرة المفتشتين، إلى أن استدعاه في 20 أكتوبر الماضي، وسلمه ورقة يخطره فيها بأن عقده سينتهي بعد شهر في 20 نوفمبر، وأنه سيتم دفع راتبه حتى 30 نوفمبر، وأن هذا هو آخر يوم له في العمل بالمدرسة وأن عليه أن يبقى في السكن الخاص بالمدرسين حتى موعد انتهاء عقده.

وفقًا للعقد فإن من يمكنه إنهاء علاقة العمل هو السيد محمد عوارة الذي وقع العقد مع برون بواسطة نائب عنه، وبالتالي فإن الإخطار بانتهاء علاقة العمل لابد أن يكون منه وليس من مدير المدرسة الكندي.

يروي المدرس الكندي المطرود مافعله: ذهبت يوم 21 أكتوبر لمجمع التحرير وحصلت على تأشيرة سياحة لمدة 6 أشهر.

لم تمر أيام حتى فوجئ “برون” بـ6 من موظفي المدرسة يأتون إلى مقر سكنه ويطلبون منه المغادرة لأن آخرين سيحلون مكانه، ومعهم جزء من راتبه.

يكمل المدرس العجوز: اتصلت بالمدرسة لاستفسر عن باقي مستحقاتي، أخبروني أنهم سيدفعون لي باقي راتبي بمجرد أن أحجز تذكرة طائرة للعودة إلى كندا، وأقدم لهم ما يفيد ذلك وعندها فقط سيدفعون باقي راتبي.

بإصرار لم يستسلم المدرس العجوز، وذهب للسفارة الكندية التي لم يجد فيها سوى مقابلة جيدة، دون فعل سوى الوعد بإرسال تقرير لوزارة الخارجية الكندية، كما قدموا له قائمة بالمحامين المصريين الذي يمكنه التعامل معهم.

أدرك “برون” أنه أمام قضية، تتشابك وتتعقد مصالح المستفيدين منها، والقائمين على تنفيذها والتستر عليها، فقرر أن يواجه كل ذلك، وألا يعود إلى بلاده مطرودًا ومظلومًا.

توجه “برون” لقسم شرطة “أول 6 أكتوبر” وحرر المحضر رقم 4340 إداري لسنة 2013.

أبلغ “برون” مصلحة الضرائب المصرية عن تهرب المدرسة من دفع الضرائب، ووعدوه بتحرك لم يتم حتى الآن، واشتكى في وزارة القوى العاملة، كما قابل مسئولًا في وزارة التعليم العالي.

محصلة لقاءات المدرس الكندي في عدة وزارات مصرية أنه أدرك أن الحصول على تأشيرة السياحة للعمل في التدريس أمر شائع يسكت عنه بعض المسئولين لأسباب خاصة يمكن وصفها بـ”السكوت المدفوع”.

صدمات “برون” توالت خلال لقاءاته مع المسئولين الحكوميين، فأعلن إضرابًا عن الطعام لم يهتم به أحد حتى الآن، بالرغم من مرور أكثر من أسبوعين.

ينهي “برون” قصته المأساوية بعيون زائغة بسبب الجوع: مشكلتي أنني وثقت في العقد الذي وقعته باعتباره محميًا بالقانون المصري، وأنني وثقت أن في بلدكم من يمكنه محاربة الفساد.

 

 

بوابة الاهرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى