الأخبار

مروان يونس يكتب: «ويسألونك عن الصكوك»!!! بداية دور الأزهر السياسي

1637042179e27sczam

 جاء علينا مشروع الصكوك من السيد قنديل رئيس وزراء مصر والممثل السامي والذراع الوزاري لمكتب الإرشاد بالدولة المصرية كحلا سحريا للأزمة الاقتصادية، حلا أخذ الصبغة المالية والاقتصادية بادعاء أنه سيدخل لمصر مليارات كل عام وتراوحت الأقوال بين مليارات عشرة ومئات المليارات، ليس ذلك فقط بل تعدت فوائده لتصل أنه مخرج مصر من أزمتها الاقتصادية ويعيد علاقاتها العالمية ولقنديل والجماعة فيه مآرب أخرى يعلمها الله….

 

ولكن أهم فائدة أنه مشروعا إسلاميا مراجعا شرعيا، يدخلنا نحن ومصر الجنة ولا إثم على مصر خاصة في ذلك، ولزيادة التأكيد أن هذا المشروع فيه الثواب والفضل العظيم ذهب التيار اليميني الحاكم (الديني) الإخوان المسلمين للأزهر لأخذ الفتوى الدينية المؤكدة، ادعاءا أنه يعز عليهم أن تقترف مصر الإثم الذي قد تدخل به جهنم وبئس المصير…

 

وصل المشروع (المسلم) إلى الأزهر، جمع العلماء والمفكرين وتمت الاستعانة بالاقتصاديين (الذين شرحوه للمشايخ و رجال الدين بالطبع لعدم معرفتهم بهذا العلم) وفورا خرج الأزهر رافعا الرأس رافضا للمشروع بسبب أول أنه لا يجوز بيع أو رهن أصول مصر حيث أن مُلاك الدولة لسنا نحن فقط أو إخواننا بالجماعة بل أجيال سابقة وأجيال لاحقة من حقها الاستفادة، علميا اقتصاديا يضرب بالقانون عرض الحائط، وأضيف له رأيا آخر دينيا أن ذلك غير شرعي وهو أمر مؤكد فرفض ذلك لا يحتاج لشرع الإسلام ولكن أي منطق متواجد لرفضه…

 

المهم بعد هذا السرد الملخص نجد أننا كالعادة تركنا المشكلة الرئيسية ولم نتطرق إليها بل ووقع الشعب المصري في الفخ مجددا ،فها نحن بنخبتنا الغراء مجددا نهلل ونشيد بالأزهر الذي منع قانونا اقتصاديا هاتفين بحياده وموضوعيته ونصرته للمدنية والحداثة والحق والدين إلخ إلخ إلخ.. بل أن الأزهر قد واجه الإخوان الأشرار ورفض القانون القنديلي الجديد الذي يؤجر مصر..

ودعوني أتكلم معكم عن الفخ الآن… فمستويات عمق الفخ متعددة، هذا الفخ الذي نصر أن نقع فيه كل مرة وكل مرة أيضا لا تنتبه إليه نخبتنا التي ابتلانا الله بها ليختبر صبرنا إيمانا واحتسابا…

 

 أولا: فخ الاستخدام الجديد للمادة الثانية بالدستور الممرر، فها نحن بصدد تطبيق ملزم لرأي الدين في أمور الدولة، فكان دستور 71 يلزم بالاستشارة ولكن لا يلزم بالتطبيق، فهنا تغيرت المعادلة وفكره المادة ومغزاها الدستوري وها هم الإخوان الشرفاء يعيدون دراسة المشروع ذو الطابع الإسلامي لمطابقته مع الإسلام ورأي الأزهر…

 

فهذا الرأي سيتحول مع الوقت (مثلما نعلم جميعا وحسب رغبة الجماعة والتيارات السلفية المعلنة) إلى المرجعية الدينية والفتوى في المسائل الدينية للأفراد إلى المرجعية الاقتصادية والزراعية والرياضية والفنية للدولة وحاكما لها إلخ إلخ (مثل إيران)، أو سيستبدل مع الوقت (حسب أمنيتهم المعلنة أيضا) بأهل الحل والعقد مشروع التيار السلفي والذي سيشاركهم التوكيل الرباني مشايخ السلفية والصوفية ومكتب الإرشاد إلخ إلخ من الهيئات…

 

ثانيا: ترسيخ فكرة الحاكم بأمر الله وليس الحاكم بأمر الشعب واختياره، فهنا خرج المشروع للأزهر ليؤكد أن الإرادة الإلهية الموكل بها مجلس علماء الأزهر تفوق إرادة الشعب بكل طوائفه والممثلة في رئيس ووزرائه، فرجال الدين هم من سيدخلون مصر الجنة وليس الرئيس أما باطن هذا الكلام لتأكيد أن شرعية الرئيس إلهية حاليا ولاحقا فهو مسئول أمام الله وليس أمام الشعب (فلنتذكر لماذا السيد محمد مرسي رئيسا ربانيا مدعوما من الله) وقبل أن ننتقل للنقطة التالية فإن كانت إرادة إلهية فلماذا استعان الأزهر برجال الاقتصاد في اتخاذ القرار؟؟ الأمر لم يكن إلا تحريك سلطة دينية لمكان أعلى من السلطة الدنيوية المتمثلة في خبرة الاقتصاديين…

 

ثالثا: التأكيد على فكرة أن مصر (الدولة أو المؤسسة) تصرف على الشعب الفقير إلى الله ومصر هي ولي الأمر بل وشخصنتها في شكل الرئيس، وذلك يختلف مع المنطق والحقيقة حيث أننا كشعب من نصرف على مصر من عملنا فنحن من ندفع الضرائب وخلافه حتى من يعمل في الدولة فذلك بمقابل فمن يعمل مثقال ذرة خير فلنفسه ومن يعمل شرا فلنفسه، فلا إثم عليك إلا لو عملت فيما يخالف الشرع، فمصر لا تصرف علينا يا حكام مصر بل نصرف نحن عليها وحتى في المعاشات فهي جراء استقطاع جزء من المرتب طوال فترة العمل.. وهذا يأخذنا للمشكلة الرابعة وهي شخصنة مصر…

 

رابعا: مع مرور الزمن وزيادة محصول التجهيل في بر مصر ومع زيادة تدخل المدرسة النصية الوهابية في أمور الدين بدأ الناس يتخيلون ويلصقون أحكام الافراد بأحكام الدول، فتخيل البسطاء وهم السواد الأعظم أن مصر ستدخل الجنة وستصلي ولها دين وربما تخيلوا أنهم سيلاقوها يوم الحساب وتناسوا أنها مؤسسة فلا شركة مسلمة ولا دولة مسلمة ولا كرة قدم مسلمة فمن يسلم ويتبع الشريعة في تصرفاته الفردية هم الأشخاص ولهم الاختيار، فهذا الخلط ربما يؤجج المشاعر الغراء بنصرة الدين وإنقاذ مصر من جهنم وهو حلم وتخيل غير موضوعي يفتح المجال لكل تاجر دين ليمرر إرادته الشخصية بتغليفها في عبوة ربانية على خلفية أنه يأبي دخول مصر النار وخلافه…

 

خامسا: وهو الفخ الأخطر أن المصريين والنخبة المبتلين بها هللت للقرار، تماما مثلما هللوا للإعلان الدستوري الأول وتخطيه  للقانون والدستور طالما أطاح بالمشير طنطاوي “اللي كان على الكيف وفي المصلحة” وتماما مثلما هللوا لنزاهة انتخابات مجلس الشعب طالما كانت مقاعد نجوم النخبة محفوظة ولو بالتزوير و كان “على الكيف وفي المصلحة ” ، فها هو الرئيس يصدر الإعلانات متتالية مستندا على إقراركم بتخطي الشرعية والقانون بالإعلان الأول (غير الشرعي) وها هي الانتخابات تزور الواحدة تلو الأخرى على سُنة انتخابات مجلس الشعب وها أنتم لا تملكون الاعتراض أو الخوض في أبطالها بشكل فعال… وأراهنكم أن الأزهر (بعد التجديد) سيستمر في الوضع فوق السلطات وفوق إرادة مجلس الشعب وربما ضد مصلحتكم ومصلحة الوطن وبالتأكيد مع مصلحة الجماعة وجماعاتها المصاحبة لها…

 

سادسا: والأخطر، لماذا وافق د. على جمعة و د. الطيب على ذلك التدخل؟ فأنا أراه مؤشر أن مجلس العلماء بالأزهر والذي لا نعلم عنه شيئا يوافق ضمنيا على وضع الأزهر في هذا المكان السياسي وهو في رأيي ورأي علماء الاجتماع والسياسة ومن تجارب التاريخ الإنساني ليس مكانه (كمؤسسة دينية) مستعدين للمغامرة بالدين في معركة الدنيا والسياسة، فماذا لو -فرضا- أن يوما قد أقر الأزهر قانونا كإرادة للرب.. ثم أدي هذا القانون لانهيار كبير بالدولة أو لمشاكل جمة، هل إرادة الرب كانت خاطئة أم اخطأ الرجال؟؟ كيف سمح مشايخنا العظام بدخول الدين المقدس في غير المقدس..؟؟ للأسف مؤشر خطير ربما يكون مقياسا للمتابع أو السياسي المحترف عن الوضع الداخلي هناك والذي أراه غير مريح تماما…

 

وأخيرا و حتى لا أطيل، إن فرحتكم برفض الأزهر ليست إلا خيبة كبيرة! فما رأيكم بالمرة القادمة هل سيكون الأزهر هو أزهر الطيب وعلى جمعة؟ هل تدعون أنكم نخبة حقيقية وأنتم تحسبون الأمور سياسيا بهذا المنطق “إحييني النهاردة وموتني بكرة”!!!

 

أعزائي المصريين وبالأخص النخبة المهللة، نعم نحن نجل الأزهر ونعم نجل الدين ولكن هناك وطن وهناك معركة تغيير هوية أنتم شركاء فيها كتيار مدني بجهلكم وضعف رؤيتكم السياسية التي أشاد بها العالم فمعركة تغيير الهوية جارية بل بدأت تؤتي ثمارها، فبعد تهليلكم أنتم وافقتم ضمنيا على الدولة الدينية فماذا أنتم فاعلون لو صدر قانونا للأزهر أدي لوهبنته ولنذهب بخيالنا بعيدا، ماذا لو أصبح مجلس كبار العلماء من شيوخ الفضائيات الذين نعتوكم أنتم وإيانا بالكفر والإلحاد فقط لمخالفتهم في الرأي السياسي والذي تحول بحيلة حواة إلى خلاف ديني شرعي؟؟..

 

حقيقة لا أملك أن أقول سوى أنكم شركاء مجددا، خشيتم من مواجهة الناس بالحق واكتفيتم بالاختباء وراء الأزهر الذي لن يسلم من الوهبنة والقطبية… وقريبا جدا ومثلما وقف معكم رجل الدين في مشروع الصكوك سيقف ضدكم بعدها وإلى انتهاء هذه الحقبة العصيبة….

 

فأرجو أن لا تَدعوا أنكم معارضة حقيقية أو فعالة إلا بعدما تقفوا وقفة مع النفس… هل أنتم مع الدولة الدينية والهوية الدينية لمصر أو ضدها.. اتسقوا مع مبادئكم رحمكم الله….!

الموجز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى