الاستقرار بين «التمرد» و«التجرد»

فتحت ثورة الخامس والعشرين من يناير أبواب الحرية، وقد كان ذلك متوقعاً لأن الشعار الذى رفعه الشعب المصرى أثناء الثورة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». ومن معانى الحرية أن يعتقد الإنسان ما يشاء، وأن يستطيع التعبير عنه بحرية دون أن يصادر حرية الآخرين.
ولقد مارس الشعب المصرى بحرية كاملة إبداء رأيه فى انتخابات واستفتاءات بدأت باستفتاء 19 مارس 2011 (على التعديلات الدستورية التى تضمنها الإعلان الدستورى) فى ظل إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لأمور البلاد، وانتهاءً بالاستفتاء على الدستور المصرى الجديد (ديسمبر 2012). وتباينت الآراء حول كل استفتاء وكل انتخاب، ولعل أكثرها تبايناً تلك التى حدثت بعد انتخابات الرئاسة بجولتيها الأولى والثانية والتى تمخضت عن فوز السيد الرئيس محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية. وربما يكون مرجع هذا التباين الشديد أنه دار حول أعلى منصب فى البلاد، بالإضافة إلى التقارب الشديد بين نسبة المؤيدين ونسبة المعارضين (51.7% فى مواجهة 48.3%).
ومارس بعض المعارضين حريتهم فى التعبير عن آرائهم فى وقت مبكر جداً بعد انتخابات الرئاسة، فقد شهدنا من يقول للسيد الرئيس «ارحل» بعد نحو شهرين اثنين من انتخابه، وتعددت المرات التى أبدى فيها المعارضون رأيهم وكان أكثرها حشداً ذلك الذى حدث بعد الإعلان الدستورى المختلف عليه فى نوفمبر 2012 وتمت الاستجابة بإلغاء الإعلان الدستورى واستبداله بآخر أقل حدة وأكثر قبولاً، وأيضاً ما حدث فى الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة فى يناير 2013 حيث حاول المحتجون الاعتداء العنيف على قصر الاتحادية، ثم تراجعت حدة الاحتجاجات حتى ظهرت حملتان متضادتان إحداهما تسمى «تمرد» وتطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، والثانية تسمى «تجرد» وتدعو إلى تأييد الرئيس واستكمال مدته الدستورية.
وإذا نظرنا إلى حملة «تمرد» وجدناها حتى الآن سلمية لكنها تتعارض بشكل واضح مع الدستور المصرى الذى ينص فى المادة رقم 226 على أن مدة رئيس الجمهورية الحالى تنتهى بانقضاء أربع سنوات من تاريخ تسلمه مهام منصبه، كما أن تلك الحملة لا تستند إلى قانون يبيح لها أن تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، ثم إن الحملة قالت إنها جمعت أكثر من مليونى توقيع بينما لم يتجاوز عدد المشاركين الذين تظاهروا فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى بضعة آلاف، فأين تلك الملايين؟ ولماذا لم تستجب إلى منظمى الحملة الذين دعوهم إلى النزول للميدان؟ وأيضاً أين ضمانات الصحة فى هذه الأرقام المعلنة؟
وجدير بالذكر أن أكثر من اثنى عشر مليوناً اعترضوا على اختيار الدكتور مرسى رئيساً وكان ذلك بإشراف قضائى كامل ورغم ذلك أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية فوز سيادته بالمنصب لأن أكثر من ثلاثة عشر مليوناً من المواطنين والمواطنات وافقوا عليه. خلاصة القول أن تلك الحملة مع فقدانها للسند الدستورى وللسند القانونى لا تعدو أن تكون إعراباً عن رأى لعدد مؤثر من المصريين ربما يكون من الأجدى دعوته إلى المشاركة فى الانتخابات البرلمانية القادمة التى سوف تؤثر بشكل واضح فى اختيار رئيس الوزراء والوزراء ومن ثم المشاركة فى الحكم وإدارة شئون البلاد.
وما يقال عن حركة «تمرد» يقال أيضاً عن حركة «تجرد»، لكن هذه الأخيرة تستند إلى صحيح الدستور وصريح القانون. أياً ما كان الأمر فإن الاستقرار الذى نصبو إليه جميعاً يحثنا على الاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة والمشاركة الفعّالة فيها فإن ذلك أجدى وأنفع من مجرد «تمرد» أو «تجرد».
الوطن