الجزيرة.. شيكا بيكا

 

227

 

ما أن ارتطمت أول طائرة ببرج التجارة العالمي في نيويورك، في أحداث 11 سبتمبر المفجعة عام 2001، والتي قضت على 2973 ضحية، و24 مفقوداً، إضافة لآلاف الجرحى.. كانت هناك أكثر من كاميرا مستقرة في المكان تنقل الحدث، من زوايا متعددة، في استعداد لما حدث لا تخطئه عين، بالرغم من أنها لم تكن أمريكية التبعية، بل كانت قادمة من الدوحة عاصمة قطر، حيث قناة الجزيرة التي نقلت عنها كل القنوات، بما فيها الـ CNN المعروفة بمتابعتها للأحداث حول العالم في التو واللحظة.. فهل كانت “الجزيرة” على علم بالحادث قبل وقوعه فاستعدت له؟.. هذا سؤال لم يجب عليه أحد حتى الآن!.
ما أن وقع تفجير الحسين عام 2009، الذي استهدف بعض السياح الفرنسيين، كانوا يتجولون في ذلك الحي التاريخي العريق، إلا وكانت كاميرات الجزيرة على الجانب الآخر من الشارع، تنقل الحدث لحظة وقوعه.. مما لا يعد براعة مهنية من القائمين عليها، بقدر ما هو أمر يدعو لنفس السؤال: هل كانت الجزيرة على علم مسبق بالواقعة؟.. وهو ما لم يجب عليه أحد أيضاً!.
سافر زميلي، مسئول الشئون العربية بجريدتنا إلى دمشق، برفقة وفد إعلامي مصري، انضم إلى نظرائه من بعض الدول العربية، دعتهم السلطات السورية لزيارة في أنحاء القطر السوري.. وعاد زميلي ليخبرني بكذب ما نشاهده على شاشة “الجزيرة” وتبثه على أنه يحدث هناك، وهو في الحقيقة أكذوبة كبيرة، لم يجد لها زميلي ومن كانوا معه معادلاً موضوعياً على أرض الواقع، إنما هي صور تبثها وأحداث تتعمد تضخيمها.. فهل كانت الجزيرة تنفذ أجندة لحساب الآخرين على الأراضي السورية؟.
هذا هو السؤال الوحيد الذي أجابتنا عنه الأحداث الأخيرة في مصر، منذ قيام ثورة 30 يونيو، تلك التي فضحت لنا أكاذيب الجزيرة وعرت سوأتها، بما شوهته من الصورة الحقيقة لما يجري على أرض مصر، إنحيازاً للإخوان المسلمين، وتضامناً مع رئيسهم المعزول، وتنفيذا للأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة في مصر وسوريا.
لذا لم أستغرب، مع انطلاق قناة “الجزيرة أمريكا” من نيويورك، بالرغم من ارتباط القناة الأم في الوعي الأمريكي بتسجيلات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، العدو الأول ــ ظاهرياً ــ للولايات المتحدة.. ومع هذا فقد حظيت بموافقة السلطات الرسمية هناك، بالانطلاق متوجهة لأكثر من 40 مليون أمريكي، من خلال ثلاثة مراكز للبث و12 مكتباً في كبريات المدن الأمريكية، وبكادر تحريري يتجاوز الـ 900 صحفي، يبثون أخباراً مباشرة وبرامج حوارية ونشرات على رأس الساعة، لمدة 14 ساعة يومياً، بالرغم من تحذيرات باحثون إسرائيليون للسلطات الأمريكية بالتداعيات السلبية لانطلاق هذه القناة في المجتمع الأمريكي، لأنها “تتبنى خطاً يشجع على تحدي سياسات الولايات المتحدة، وتدعم التطرف الإسلامي”، بينما هاجم رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن برنامج “الشريعة والحياة” الذي يستضيف الشيخ يوسف القرضاوي، وقال بأنه “من أصدر فتوى تلزم المسلمين بالسعي لقتل الجنود الأمريكيين في العراق، علاوة على امتداحه التفجير الذي أودى بحياة 341 من قوات المارينز في بيروت عام 1983”.
القناة التي يمولها أمير قطر، قدمت نفسها للمشاهدين الأمريكان، لحظة انطلاقها، بتقارير عما اسمته بـ “الصراع السياسي في مصر”.. وربما يفسر ذلك، ما ذهب إليه البعض من أن الهدف الأساسي للجزيرة، هو الوصول إلى الشعب الأمريكي من أجل حشد تأييد الرأي العام هناك، للموافقة على مواقف الإدارة الأمريكية من الأحداث في الشرق الأوسط، وهو هدف يستحق أن يدفع الأمير القطري من أجله 500 مليون دولار، مقابل إتمام صفقة بدء بث الجزيرة على الأراضي الأمريكية.
ويكفينا ما قاله ييجال كارمون، رئيس معهد الشرق الأوسط للأبحاث، من أن “قطر ــ في النهاية ــ دولة ديكتاتورية، وفي الدول الديكتاتورية، فإن وسائل الإعلام تعتبر ذراعاً للسياسات الخارجية”.. ويكفينا وصفه للقناة بـ “عدم الحيادية في نقل الصورة للمشاهدين”، وما ينبئك مثل خبير، فما بالنا في مصر، ونحن شهود عل تزويرها وكذبها الذي فاق الحدود!.
إن القناة التي قامت على أنقاض قناة “كرنت” الأمريكية التي أسسها نائب الرئيس الأمريكي آل جور، والتي تساندها قناة الـ CNN بقولها إن “إنطلاق الجزيرة أمريكا جاء بعد سنوات من مواجهة الصعوبات”، إنما جاءت لتكون أول صوت عربي، ناطق باللغة الإنجليزية على الأرض الأمريكية، لأن إدارة البيت الأبيض تريده مسوغاً، ولو كاذباً، أمام الرأي العام الأمريكي، لقبوله بما يصدر عن ذلك البيت، خاصة وأن الجماهير الأمريكية قد ضجت من الصخب الأمريكي خارج الحدود، والذي صار عبئاً ثقيلاً على دافع الضرائب، في الولايات المتحدة الأمريكية.

[email protected]

المقال منشور بالتزامن مع موقع وجريدة الدستور

 

الجمهورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى