ما بين إسقاط النظام وإصلاحه


خالد-داوود

تصاعد فى الأسابيع الأخيرة الأصوات المطالبة بضرورة أن يكون الهتاف الرئيسى للجماهير الغاضبة فى كل أرجاء مصر هو «الشعب يريد إسقاط الرئيس»، وإعلان العصيان المدنى، وذلك بناء على أن الرئيس قد فقد شرعيته منذ أن أصدر الإعلان الدستورى المقيت فى 22 نوفمبر ودفع البلاد دفعا نحو الانقسام بالإصرار على التصويت على دستور لم يكتبه سوى الإخوان المسلمين وحلفائهم فقط، مؤكدا بما لا يدع مجالا للشك أنه رئيس لعشيرته فقط، لا لكل المصريين.

كما أن الرئيس، وفقا لهؤلاء، شهد عهده القصير ممارسات لا تختلف مطلقا، بل تزيد، عن ممارسات النظام السابق المخلوع، وتحديدا الامتناع عن التدخل لوقف قتل المتظاهرين، الذين بلغ عددهم خلال الشهر الماضى فقط نحو ستين مواطنا، بجانب عمليات التعذيب والسحل والضرب وانتهاك الأعراض التى تعرض لها المئات من الشباب المحتج الغاضب على يد قوات الأمن وفى معسكرات الأمن المركزى، وفقا للتقارير التى أصدرها عديد من منظمات حقوق الإنسان ذات المصداقية.

وفى نفس الوقت، فإن مؤسسة الرئاسة تكذب بامتياز، تماما كما كان يفعل النظام المخلوع، وذلك بالزعم أن كل الأمور على ما يرام، وأن الرئيس الإخوانى قد حقق سبعين فى المئة من وعود المئة يوم الشهيرة التى لم يسمع عنها أحد، وأن الاقتصاد فى طريقه للتحسن، وكذلك فرص العمل. لا يريد الرئيس أن يعترف أنه، وجماعته، مسؤولون عن دفع البلاد دفعا نحو شفا الحرب الأهلية، وأن جزءا أصيلا من الديمقراطية التى أصبح الإخوان يتشدقون بها صباح مساء كأنهم مولودون فى سويسرا، هى التزام الرئيس بوعوده وعهوده التى قدمها فى أثناء حملته الانتخابية.

وعدا ذلك فإن الرئيس يكون بالفعل قد فقد شرعيته لأنه خالف الوعود التى دفعت ملايين المواطنين إلى التصويت لصالحه. كما أن الرئيس الديمقراطى المنتخب لا يمكن أن يشعر بسعادة وفرح حين يتظاهر أفراد عشيرته أمام قصره الرئاسى مهللين ومطبلين، ثم يتهم معارضيه حين يأتون للتعبير عن آرائهم بأنهم مخربون وبلطجية وعملاء لدول أجنبية، بل يدافع عن الهجوم عليهم كما حدث فى موقعة قصر الاتحادية الدامية فى 5 ديسمبر عندما هاجمت ميليشيات الإخوان المتظاهرين السلميين. الرئيس الديمقراطى الشرعى لا يمكن أن يتسامح مع انتهاك سافر للقانون بحصار المحكمة الدستورية، أو حصار مدينة الإعلام وتهديد الإعلاميين وحرية المهنة بأكملها.

مرسى وعد بتشكيل حكومة كفاءات وقدرات من الشخصيات الوطنية، ولكن انتهى الأمر بجشع ونهم غير مسبوقين لتمكين جماعة الإخوان المسلمين التى يتلقى الرئيس أوامره منها، من كل الوزارات الحساسة التى من شأنها أن يكون لها دور حاسم فى أى انتخابات محتملة مقبلة، ذلك بجانب المحافظين ونواب المحافظين ورؤساء المدن ونواب رؤساء مجالس المدن. كلهم إخوان، وكان هذا الأساس الوحيد لاختيارهم لا كفاءتهم أو قدرتهم على أداء المهام التى من المفترض أن يؤدوها، خصوصا فى مجال تحسين مستوى معيشة المواطنين.

كما وعد الرئيس بعدم طرح أى مشروع دستور للاستفتاء قبل موافقة غالبية القوى السياسية على نصوصه. وانتهى الأمر بدستور كتبه الإخوان وحلفاؤهم بمفردهم، فى فهم ضيق لطريقة كتابة الدساتير والديمقراطية برمتها. ووعد الرئيس بنواب من الأقباط والنساء والشباب، وانتهى الأمر بإلغاء منصب النائب فى الدستور الجديد من الأساس. حدث ذلك فى الوقت الذى كان الرئيس الأصلى المفترض للجماعة، خيرت الشاطر، يصعد من دعايته الطائفية البغيضة بالزعم أن معظم المحتجين أمام قصر الاتحادية من «المسيحيين» فى دفع واضح للبلاد نحو الفتنة الطائفية، رغم كل مزاعمهم بإيمان الإخوان بأن المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن العقيدة. وكما كان غريبا أن تكون هذه هى نفس الحجة البغيضة التى يستخدمها المخرف المدعو «أبو إسلام» لدى انتقاده المظاهرات النسائية المعارضة لحكم الإخوان بالزعم أن غالبة المشاركات هن من «الصليبيات». إذن هو نفس الفكر المتشدد المتطرف الطائفى، وسواء كان اسم صاحب التصريحات الشاطر، أو أبو إسلام الذى سبق له حرق نسخة من الإنجيل أمام السفارة الأمريكية قبل شهور.

كل هذه المبررات تدعم موقف الداعين إلى أن الخيار الوحيد الآن هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأنه لم يعد من الممكن المخاطرة بمستقبل البلاد أكثر من ذلك بزعم حماية الشرعية والالتزام بها، فى وقت يرون فيه أن الرئيس الحالى وجماعة الإخوان التى ينتمى إليها انتهكوا وخالفوا كل قواعد الشرعية التى أتت بهم إلى الحكم. ولكن آخرين، ممن يعارضون الرئيس بكل قوة ويتفقون على صحة كل الانتهاكات والمخالفات التى أشرت إليها سابقا، يرون أنه ما زالت هناك فرصة ضئيلة للإصلاح، وذلك لأن أى عاقل سيدرك أنه لا يمكن للبلاد أن تواصل السير فى نفس الطريق الحالى الذى يدفعها دفعا نحو الفوضى الشاملة وانهيار الاقتصاد. كما يحذر هؤلاء من أنصار جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب المتحالفة معهم أنهم لن يقفوا صامتين متفرجين، وسيخرجون بدورهم لمعارضة أى رئيس جديد سيتم انتخابه، والزعم أنه جاء بدوره بطريق غير شرعى. ويخشى كثيرون، من واقع الخبرة والتجربة، أن معارضة ومظاهرات هؤلاء لن تكون سلمية مطلقا، حتى لو كانوا يزعمون الآن بكل نفاق واضح أنهم دعاة لـ «نبذ العنف». ولا يجب أن ننسى ما قاله الشيخ محمد الصغير خطيب جمعة ما سمى بـ«نبذ العنف» التى رفض فيها توجيه عتاب أو انتقاد للإخوان المسلمين «لأننا الآن فى حالة الحرب واصطفاف، ولا عتاب حتى تضع الحرب أوزارها». وإذا كان هكذا يتحدث من يؤيديون الرئيس مرسى وهو ما زال فى السلطة، معتبرين أننا فى حالة حرب، فكيف سيتصرفون لو تم فعلا إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد فشل الرئيس الحالى فى أداء مهامه؟ هذه نقطة يجب التفكير فيها بكل جدية لأن الأولوية لكل المعارضين للرئيس هى الحفاظ على مصر وعلى أرواح المصريين حتى لو اختلفوا معهم فى الرأى.

المخرج الوحيد سيادة الرئيس مرسى من هذه الهاوية التى دفعتنا إليها هو التحلى ببعض الحكمة والخروج من فقاعة الإخوان المسلمين الذين دفعوك إلى قصر الرئاسة، والاستجابة للمطالب المعقولة لمعارضيك لأن غرضها الأساسى تحقيق مصلحة الوطن: تشكيل حكومة إنقاذ وطنى من الكفاءات والقدرات، تشكيل لجنة لتعديل الدستور المشوه، إقالة النائب العام المسيس، تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين، وتشكيل لجنة لتقصى الحقائق ومحاسبة كل من قتلوا المصريين على مدى الشهر الماضى، بداية بالسويس وبورسعيد والإسماعيلية، ونهاية بشباب الثورة الذى لقى ربه مستشهدا أمام قصر الاتحادية وفى ميدان التحرير: محمد الجندى، عمرو سعد، محمد كريستى وجيكا. القصاص هو مطلبكم عندما كنتم فى المعارضة يا رئيس مرسى، ويبقى القصاص العادل هو ما نطالب به الآن.

 

خالد داوود

التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى