الخارجية الأمريكية تبحث مسؤولية الإخوان عن الإعتداءات

1

 توماس جورجسيان

 

توالى الأحداث الطائفية وتصاعد «العنف الدينى» وما يتضمنه من اعتداءات على الأقباط والكنائس، وبالتأكيد الأخطر ما يقال ويتردد فى تبرير وتفسير ذلك أو حتى فى التهوين بما يحدث، صار وسيظل يلفت الانتباه، ويثير المخاوف ويبعث بالقلق لدى أغلب المهتمين بالشأن المصرى (بملفاته العديدة) فى العاصمة الأمريكية.

واشنطن أدانت يوم الإثنين ما أسمته بـ«العنف الدينى»، وناشدت كل الأطراف بـ«ضبط النفس»، ورحبت بوعد الرئيس مرسى بإجراء تحقيقات شاملة وشفافة. وردا على سؤال حول ما حدث فى الخصوص والكاتدرائية من مصادمات طائفية، قال باتريك فنتريل، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فى الإيجاز الصحفى اليومى «نحن ندين كل العنف الأخير الذى شاهدناه فى مصر، بما فيه العنف الطائفى الذى أودى بحياة سبعة من المصريين، وتسبب فى إصابة الأكثر منهم على مدى الأيام القليلة الماضية. ونحن نناشد ضبط النفس من كل الأطراف. ونحن نقدم أعمق تعازينا لأصدقاء وعائلات ذلك المصريين المسيحيين والمسلمين على السواء الذين قتلوا أو جرحوا فى العنف الأخير داخل القاهرة وحولها. ونحن نرحب بوعد الرئيس مرسى فى نهاية الأسبوع بإجراء تحقيقات شاملة وشفافة. وكما سمعتم توريا (فيكتوريا نولاند) تقول الأسبوع الماضى فإننا نعتقد أنه لأمر مهم لهم أن يسرعوا فى التحقيق فى كل أعمال العنف، مهما كانت الحالة التى حدثت فيها تلك الأعمال». وبما أن هذا كان الرد على الصحفى الذى طرح السؤال متسائلا هل تحدث أى مسؤول بالخارجية مع الحكومة المصرية حول مسؤوليتها فى حماية الأقباط؟ فعاد من جديد ليكرر السؤال نفسه، فرد عليه فينتريل قائلا: «إنه أمر نحن نثيره باستمرار مع نظرائنا المصريين. بالتأكيد على مستوى السفارة، ولكن بالإضافة من واشنطن إذا اقتضى الأمر. وبالتالى كما تعلم نحن هنا ندين بوضوح تام أى عنف طائفى، ونحن نريد أن يتم احترام حقوق المصريين كل المصريين. بوضوح هذا كان واحدا من الأهداف الأولى للثورة بالتأكيد، وهو ضمان أن تحترم مصر الجديدة حقوق كل المصريين».

وتفادى فينتريل الإجابة بحسم أو التعليق بتحديد على ما ورد فى سؤال آخر أشار إلى ما يقال من اتهامات عن أناس مقربين من الحكومة أو من الإخوان قاموا بإشعال ما هو ضد الأقباط وضد المسيحيين قائلا: «فقط أقول إننا رأينا بعضا من تلك الادعاءات. ونحن ننظر فيها. لكن.. رأينا بعضا من تلك الشائعات مثلا التى تقول إن رجال الأمن كانوا يساعدون (فى الاعتداء) أو على الأقل وقفوا جانبا بينما كانت الاعتداءات تحدث. نحن ننظر فى هذا الأمر، ليست لدينا معلومات أكثر إلا أننا بالتأكيد ننظر فيه».

ولا شك أن مصر فى الأيام الأخيرة بانقساماتها السياسية واقتصادها المنهار تحتل حيزا كبيرا على شاشة رادار الاهتمام الأمريكى. كما أن رئيسها المنتخب الإخوانى (أو الإسلامى) ما زال موضع اختبارات متتالية تقيم قدراته السياسية وأيضا رغباته فى التعامل مع الواقع المصرى ومطالب المصريين ومتطلبات المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد. ويوم الإثنين لم تتردد الإذاعة الوطنية العامة فى متابعتها لما جرى فى مصر فى الأيام الأخيرة أن تصف الحالة بأن التوترات الدينية آخذة فى الغليان وتتصاعد. وأن ترى بأن مصر عانت مما جرى من أسوأ عنف دينى تشهده منذ أن جاء الرئيس مرسى إلى السلطة فى العام الماضى. وأن تذكر بأن المصريين فى معترك بالفعل مع أزمة اقتصادية ولا استقرار سياسى. تضاف إليها الآن التوترات الدينية. أغلب المراقبين فى تعليقاتهم بجانب إبداء التخوف من العنف الطائفى اهتموا بالإشارة إلى الفراغ الأمنى وأداء الشرطة أو عدم القيام بالمهام وقلة الحيلة لدى صاحب القرار فى مواجهة الأزمة منذ اللحظة الأولى. وحرصت صحيفة «وول ستريت جورنال» فى تقرير لها من القاهرة أن تنقل أيضا ما قاله ياسر حمزة، مسؤول بحزب الحرية والعدالة، تعليقا على إمكانية أن يرفع المسيحيون أيضا شعار «المسيحية هى الحل»، إذ بعد أن قال «لا» أضاف: «هذه دولة إسلامية بأغلبية مسلمة ساحقة.. الأقلية ليست لديها حقوق مطلقة، لديها حقوق نسبية». وذكرت الصحيفة أن المصادمات الأخيرة أبرزت الانقسام أو الانشقاق المصرى وسلطت الأضواء عليه.

ولا شك أن مع عودة الكونجرس للانعقاد ستطرح كل هذه القضايا الخاصة بالهم المصرى. وما لفت الانتباه فى الفترة الأخيرة أن التصريحات الصادرة من الخارجية والوزير جون كيرى وأيضا من البيت الأبيض تتحدث، وتشير بلغة واضحة وصريحة عن «مخاوف حقيقية» إزاء مصر. وأن واشنطن ما زالت تنتظر وتأمل من الرئيس مرسى أن يحقق ما يوصف أو يسمى بـ«التوافق السياسى». وبما أن القلق بدرجاته المتعددة كان له «نصيب الأسد» فى وصف مواقف واشنطن فى الفترة الأخيرة كان لا بد من السؤال عنه، لعل وعسى يتم الحديث عنه بإسهاب ووضوح أكثر. وفى لقاء خاص مع «التحرير» أوضح مسؤول بالخارجية (رفض ذكر اسمه) أن القلق فى البعض من الرسائل التى صدرت من واشنطن أخيرا سببه الخطوات التى اتخذت فى مصر التى لا تقوم بحفز وتشجيع التوافق السياسى. مضيفا «أعتقد أن ما شهدناه فى الأيام الأخيرة لا يحمل مؤشرا بأن خطوات يمكن أن تؤخذ لبناء ذاك التوافق»، وبما أن المشهد السياسى المصرى بشكل عام هو موضع اهتمام دائم ذكر المسؤول الأمريكى أن المجتمع المدنى أمر أساسى للديمقراطية. وحسب قوله «ونحن لا ننظر فقط للانتخابات ولا ننظر فقط لاستطلاعات الرأى. الديمقراطية هى نتاج مجموعة عمليات ومكونات يجب أن تعمل معا». ولعل من القضايا المثارة وبإلحاح مستمر قضية المحاسبة، وأن يكون الجميع أمام القانون سواسية. ولم يتردد المسؤول بالخارجية فى حديثه مع «التحرير» أن يبدى قلقه تجاه القانون الجديد للمنظمات غير الحكومية قائلا: «إن مصر لكى تنجح ديمقراطيا فى حاجة إلى مجتمع مدنى نابع من الوطن وقادر على العمل بلا قيود و.. (القانون المطروح لا يخلق المناخ الملائم لتحقيق ذلك)». ويرى المسؤول أن القانون الجديد الخاص بالمنظمات غير الحكومية أثار انتباه الكثيرين، لأن فيه مواد عديدة بمضمونها لا تتوافق مع المتطلبات والمعايير الدولية.

وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد خصصت افتتاحية لها الأسبوع الماضى للحديث عما فى القانون المصاغ والمقترح من مآخذ تسعى «لتقييد» نشاط المجتمع المدنى. وفى ما يتعلق بملف المرأة ذكر المسؤول بالخارجية بأن ما يقلق واشنطن العنف ضد النساء، خصوصا غياب المحاسبة للمتورطين فيه، وأيضا ما ظهر خلال عملية صياغة الدستور من مواقف تجاه حقوق المرأة وقلة عدد النساء الممثلات فى المجالس التشريعية. كما أشار المسؤول فى حديثه إلى غياب المحاسبة للعنف الطائفى، سواء ما حدث فى ماسبيرو أو ما حدث من قبل فى كنيسة القديسين، وتناول فى حديثه عن ملف الأقباط نسبة تمثيلهم فى المجالس، وأيضا مشاركتهم فى العملية السياسية. وبما أن الحساسية السياسية والإعلامية موجودة غالبا فى مثل هذه الأمور الحيوية، فلم يفت المسؤول الأمريكى أن يذكرنى بأن أغلب ما أثارته واشنطن أخيرا من قضايا حقوقية وسياسية كان تذكيرا للرئيس مرسى بوعود قطعها على نفسه وكلها «التزامات تعهد بها الرئيس فى لقاءاتنا الخاصة معه بل وقالها علنا». وأشار المسؤول إلى أن عديدا من الأمور المطروحة قالها مرسى بنفسه مثل ما يخص المرأة، وإنه حاكم لكل المصريين وضرورة المحاسبة وأيضا حرية التعبير.

وكما يقال ويتردد منذ فترة ليست بقصيرة.. إن الأيام المقبلة حبلى بالتوترات والمفاجآت والمصادمات!!

 

التحرير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى