الأخبار

كلام خطير من عبد الرحمن خيرعن الإخوان

11

أجرى الحوار: شريف البرامونى

اختار الإخوان المسلمون منذ نشأتهم الانحياز إلى أكثر العناصر تشددا وعداءً لحقوق العمال، هذه حقيقة خصوصا بالنظر إلى التاريخ، فموقفهم من العمال على مر الزمان ملىء بالأزمات، ربما كان ذلك واضحًا جليًّا فى أول احتكاك بين الجماعة والحركات العمالية فى يونيو عام 1939، حينما أضرب بعض القيادات العمالية عن الطعام، للمطالبة بإصدار قانون النقابات العمالية، وقتها أرسل القيادى الإخوانى التاريخى صالح عشماوى رسالته ليحذرهم، ويؤكد لهم أن «الإضراب حرام».

القيادى العمالى اليسارى الشهير عبد الرحمن خير، هو أفضل من يحدثنا عن علاقة الإخوان بالعمال، لكن لقاءنا معه تطرق أيضا إلى موضوعات أخرى، منها ما يخص الحركة اليسارية فى مصر، خصوصا أنه كان أحد مروِّجى الفكر الاشتراكى بعد ثورة يوليو 1952، بعد أن اختار طبقة العمال والفلاحين للدفاع عنهم لتكون نقطة الانطلاقة لنشر الفكر اليسارى. هو أيضا وكيل مؤسسى حزب العمال المصرى، ونائب سابق، التقينا به وإلى نص الحوار:

■ كيف ترى التنظيم النقابى العمالى بعد صعود الإخوان إلى الحكم؟

– هناك عداء تاريخى بين الإخوان والحركات العمالية، فأذكر أنه فى أثناء الانتفاضات الوطنية، التى شهدتها مصر بعد الحرب العالمية الثانية وفى أثناء حكومة إسماعيل صدقى تحديدًا، كان حضور الطبقة العاملة بارزا فى شبرا الخيمة من خلال إضرابات عمال النسيج، ولمواجهة العمال لجأت حكومة صدقى إلى الإخوان المسلمين فى ذلك التوقيت لإنشاء نقابات صفراء تعمل لصالح رجال الأعمال ضد النقابات الأخرى العاملة فى صناعة الغزل والنسيج فى شبرا الخيمة، وكانوا يقومون بدور «المرشدين» للإبلاغ عن القيادات العمالية النشطة، أدى ذلك إلى عزلهم عن مجمل الحركة النقابية المصرية، أضف إلى ذلك حينما قام العمال بالانسحاب من قاعدة قناة السويس عام 1951 فى أثناء حكومة مصطفى النحاس لم يبرز للإخوان دور فى ترحيل 153 ألف عامل من القاعدة رغم أنهم كانوا متمركزين بقوة فى مناطق المعسكرات.

لكن الأخطر من هذا هو الدور الذى ينسب إليهم فى مذبحة كفر الدوار، فالراحل سيد قطب كان المستشار القانونى لعبد المنعم أمين عضو مجلس قيادة الثورة حينها ومن كوادر الإخوان المسلمين، وكان معروفا بميوله إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومخابراته، وهو أيضا من ترأس محكمة كفر الدوار وأصدر الحكم البشع بإعدام العاملين مصطفى خميس ومحمد البقرى، أمام آلاف العمال فى فناء المصنع.

وبعد أن هدأ الإعصار مخلفا وراءه ركاما وخسائر المعركة كشف الأستاذ فتحى كامل رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسى لاتحاد عمال مصر، عن لقاء بعدها بشهر تقريبا جمعه مع عبد المنعم أمين ووزير الشؤون الاجتماعية محمد فؤاد أمين وقتها، وفى أثناء طلب كامل لتحديد موعد للمؤتمر رد عليه شخص قال حينها إنه لم يكن يعرفه قائلا «لمّـا النقابات تطهر نفسها»، فقال له «تطهر نفسها من إيه؟»، فقال له أمين «من الشيوعيين»، فرد عليه «ومن هم الشيوعيون؟»، قال «أحمد طه سكرتير نقابة ماركونى»، فقال له «أحمد طه منتخب وحين ينتخب عضو بالتنظيم النقابى ينزع عن نفسه أى صفة حزبية وإحنا لا نقبل هذا الكلام». بعدها بيوم جاء بيان بتأجير المؤتمر فأدرك حينها فتحى كامل أن الإخوان ليسوا بعيدين عن الموضوع أو سيد قطب بالتحديد على الرغم من أنه لم يوقع وقتها استمارة الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين. وأذكر أيضا أن المكتب العمالى للإخوان كان فاشلا فى تجميع حركة عمالية يقودها الإخوان على الرغم من الضربات التى تلقها التنظيم النقابى، إلى أن بدؤوا يفطنوا إلى أهمية دور النقابات العمالية.

■ وكيف اخترق الإخوان التنظيمات النقابية العمالية؟

– النقابات العمالية المصرية كيان ضخم جدا، ومن الصعب على أى قوى سياسية أن تحتويه، وأذكر فى ذلك أن «الوفد» حاول، و«الاتحاد الاشتراكى العربى» حاول، السادات حاول، مبارك أيضا حاول، على الرغم من أنه يمكن السيطرة على الرأس، أما الباقى فهو فى غاية الصعوبة. لكن مع نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم بدأ الإخوان المسلمون النشاط داخل الحقل العمالى، وأتيح لهم بعض اللجان النقابية «فقلبوها إلى سوبر ماركت»، مثل الدور الذى لعبوه فى بعض النقابات المهنية «رحلات حج وعمرة ومعارض سلع معمرة وما شبه، ولذلك تراجعت عنهم العمال فى الدورات التالية (1987 إلى 1991)».

ومع الثورة تفتحت شهيتهم للاستيلاء على اتحاد العمال عن طريق مركز سواعد، الذى كان يديره الوزير الحالى للقوى العاملة والهجرة خالد الأزهرى مع يسرى بيومى أمين صندوق الاتحاد وساعدهما فى هذا رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف والوزير أحمد البرعى، وصدر قرار بحل الاتحاد، وكُلف وزير العمل بتشكيل لجنة بإدارة الاتحاد من جميع القوى السياسية، هذا القرار الخطير أعقبه محاصرة الاتحاد من قبل قوات الشرطة حين قرر مجلس إدارة الاتحاد الدعوة إلى جمعية عمومية، وهذا لم يحدث منذ عهد إسماعيل صدقى بكل ما مر على مصر من هذا التاريخ.

ويجدر الذكر أنه حين التقيت وزير الداخلية منصور العيسوى بعدها سألته لماذا حاصرت الاتحاد قال لى «والله أنا مش عارف عملت كده ليه»، بعدها تمكن الإخوان من السيطرة على الاتحاد ومفاتيحه، ومع هذا لم يستطيعوا استكمال السيطرة، وحصلت الانتفاضة وطُردت اللجنة الإدارية، لكن القيادة التى لحقت باللجنة الإدارية لم تكن على مستوى الذكاء واحتفظت بالإخوان المسلمين فى أماكنهم على الرغم من أن الجمعية العمومية لم تكن ترغب فى بقائهم، فاكتشف الإخوان أن محاولة السيطرة لم تكن سهلة فلجؤوا إلى العنف التشريعى عن طريق استغلال سلطة التشريع.

مرسى أصدر قانون 97 لسنة 2012 بمد الأدوار النقابية وإخراج القيادات النقابية التى تجاوزت سن الــ60 رغم أن ذلك مخالف للقانون والدستور والعرف النقابى فى العالم والمعاهدات الدولية وفى ذلك يأتى الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد التونسى للشغل، الذى استمر حتى عمر 92 سنة، ولأنه اختيار القيادات، يكون بإرادة شعبية تأتى بالانتخاب لا يجوز لأحد إزاحتها أو منعها من الترشح، والهدف منه إزاحة القيادات العمالية ذات الخبرة ليتمكن الإخوان من السيطرة على مفاصل الاتحاد بالكامل فالمجلس الحالى فاقد للشرعية بعد الإجراءات التى أطاحت بالمجلس المنتخب.

■ وما نتائج ذلك على اتحاد العمال؟

– هناك نتائج فى غاية الخطورة سوف تظهر فى المستقبل، لأن الاتحاد لديه إمكانيات وموارد تمكنه من توجيه حياة الناس والعمال بشكل عام، أولا ظهور التمييز الطائفى فى النقابات، وهذا أمر لم تعرفه الطبقة العاملة طوال عمرها بدليل استبعاد عزت شوقى من اللجنة الإدارية وسيطرة الإخوان على تشكيل اللجان الإدارية بالنقابات العامة مثل الصناعات الهندسية والمعدنية، التى تتبع لها الصناعات الثقيلة، والمرافق والكيماويات، فضلا عن استحداث نواب لتسليمهم المؤسسات الاستراتيجية مثل المؤسستين العمالية والثقافية، التى تقع على مساحة تكاد تكون حيا كاملا، تقدر بـ10 مليارات، فضلا عن العضوية العمالية فى مجالس الإدارات الخاصة بالشركات القابضة وقرية الأحلام.

■ فى ما يخص عضوية الشركات القابضة كيف ترى التعديلات التى أجراها وزير القوى العاملة والهجرة خالد الأزهرى مؤخرا على القانون؟

– فى الحقيقة كان المقصود بعضوية العمال فى مجالس الشركات القابضة تفتيت التنظيم النقابى، بمعنى أنه قانون 203 قالت حينها إن هذه هى بداية المصيبة، لأنها فى الحقيقة عملت على تغذية الصراعات الداخلية بين النقابيين أنفسهم بحيث يعمل كل طرف على إزاحة الطرف الآخر لنيل تلك المكتسبات المادية.

■ كيف ترى الاتحاد الآن بعد خروج كل الخبرات النقابية بعد تعديلات وزير العمل؟

– فور حل مجلس إدارة اتحاد نقابات عمال مصر أصبح التنظيم النقابى مفرَغا من القيادات صاحبة الخبرة، التى كان لها باع طويل فى المناكفة والمشاغبة مع الأنظمة المتتالية، خصوصا أنها حافظت بشكل أو بآخر على مكتسبات العمال ومواقفهم من التطبيع مع الكيان الصهيونى رغم ضغوط الرئيس الراحل أنور السادات من سنة 1980 حتى تاريخه، على الرغم من الضغوط التى مارسها وزير الزراعة الأسبق يوسف والى حين تجاسر وأرسل اثنين من التنظيم النقابى، وتم فصلهما على الفور من عضوية التنظيم النقابى. ثانيا موقف الاتحاد من قضايا الوحدة الوطنية، وأذكر حين بدأت الفتنة الطائفية عام 1992 دخل اتحاد العمال بتشكيل اللجنة المصرية للوحدة الوطنية ونظم المؤتمر الشهير بشارع عبد الخالق ثروت. ثالثا الصراعات التى دارت بين الاتحاد والنظام حول قوانين كانت بعينها، فهل تتصور أنهم كانوا يرغبون فى تعديل قانون 79 لسنة 1975 الخاص بالتأمينات الاجتماعية ولم يستطيعوا التأمين الصحى حاولوا انتزاعه من قانون التأمينات ولم يستطيعوا ولأنهم يستطيعون تمريره لغياب الخبرات التى تعلم تفاصيل هذه المعارك.

تعديلات قانون الخدمة المدنية 47 لسنة 1978 والخاص بالعاملين المدنيين بالدولة فنحن نرفض هذه التعديلات رفضًا مطلقًا، فضلا عن أن الاتحاد ظل هو الجسر الوحيد بين مصر والأقطار العربية طوال فترة القطيعة بين السادات والدول العربية.

■ كيف نظرت إلى المقترحات التى تقدم بها الأزهرى إلى مجلس الشورى لتعريف ضوابط صفة العامل؟

– هذه جريمة أخرى ترتكب فى حق العمال والتنظيم النقابى، وهو تدخل سافر من الجهات الإدارية فى الشأن النقابى، لأن الصفة العمالية محددة، لها قواعد، الحصول على مؤهل متوسط أو الحصول على مؤهل عالٍ فى أثناء الخدمة، وأن يكون مسددا كل الاشتراكات التأمينات، وأن يكون يعمل لدى صاحب عمل بأجر، ونحن فى أثناء وجودنا حاولنا وضع ضوابط على الصفة العمالية، لكن رفض الحزب الوطنى حينها وحاربنا بشدة. فالهدف من إجراء تلك التعديلات هو إلغاء نسبة العمال والفلاحين، وللعلم كان الحزب الوطنى والإخوان المسلمون متفقين على إلغاء تلك النسبة فى أحد الحوارات السابقة للأحزاب، والهدف أيضًا من هذا تحليل الصفة الطبقية للعامل.

■ كيف تابعت الاستجابة السريعة لمجلس إدارة اتحاد العمال لقانون مرسى، الذى أقصى عددا كبيرا من القيادات العمالية الذين تخططوا سن الـ60؟

– أود الإشارة إلى قانون 203، الذى منح حصة لعضوية العمال فى مجالس الشركات القابضة، الذى فتح الباب للتنافس والصراعات على الفوز بمثل هذه المقاعد، وهو أحد الأسباب، فضلا عن ضعف خبرة القائمين على التنظيم الحالى، وكلهم من الجيلين الثالث والرابع، اللذين لم يدخلا معارك حقيقية فى مواجهة السلطة، خصوصًا فى ظل دور الإعلام الخطير لتشويه الاتحاد وقياداته، التى أخذت العاطل مع الباطل، من يقول إن منظمة أهلية تواجه بهذه الشماتة حين صدر قرار الحل، وأنا مثال على هذا، فحتى هذه اللحظة لم أستفد من منصبى سواء على المستوى النقابى أو من الدور البرلمانى، والرابح الوحيد من هذا القرار هم الإخوان المسلمون، أولا لتفتيت التنظيم النقابى لكى يتمكن من السيطرة على مستقبله بحجة عدم وجود قيادة واضحة تسطيع أن تفاوضها هذا ما حدث أيام إسماعيل صدقى.

■ قانون العاملين المدنيين بالدولة كيف تتوقع خروجه فى ظل النظام الحالى؟

– أتوقع أن يعمل الإخوان المسلمون على تأجيله مؤقتًا، خصوصا أنه يتعامل مع كتلة حرجة تقدر بـ6 ملايين موظف وعامل، لكن هناك أزمة أخرى يمكن أن يستخدمها، وهى الضغط على العاملين بشكل أو بآخر كما يحدث فى أزمة توزيع الخبز حاليا، ومع ضعف التنظيم يمكن أن تمرر قوانين عدة لتصفية هذه الكتلة، لأن الإخوان ينظرون إلى هذه الكتلة على أنها داعم رئيسى للنظام، وبالتالى هناك هدف لتصفيتها، لا سيما فى ظل شروط البنك الدولى، وبالنظر إلى الدور الخطير الذى لعبته الخصخصة فى تصفية الشركات تكتشف أنه أول شىء تم ضربه صناعة المراجل البخارية، التى بعدها تهاوت صناعة الحديد والصلب والسيارات، وكل هذا يتم التحذير منه.

كما أود هنا الإشارة إلى دور التنظيم النقابى منذ نشأته عام 1964 فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أن الاتحاد العام كان هو من يدعو الدولة للاحتفال بعيد العمال لا العكس، وفى هذا يجب تأكيد وظيفة العمل النقابى وهو إصلاحى، وليس كما يتصور البعض بأنه معركة دائمة.

■ ماذا تتوقع من اتحاد العمال فى ظل حكم الإخوان؟

– حاليا، وبعد تفريغ التنظيم النقابى من القوة التى تمتلك الخبرة أتوقع أن كل ما يجرى الآن هو مجرد تثبيت أوضاع لمجلس ليس له شرعية على الإطلاق، لأنه ليس من حق مرسى أن يقصى الناس بقوة القانون، وبمشاهد مهينة فى وضع إرهابى، أيضًا فالنقابات المستقلة لن تستطيع سد الفجوة التى تسبب فيها هذا القانون الجائر لسبب أساسى ألا وهو عدم قوتها على أن تضاهى التنظيم النقابى القديم الممثل فى الاتحاد، ليس فقط على مستوى الخبرات، لكن مع الظروف الراهنة التى يمر بها العمال بشكل عام مثل انخفاض مستوى العاملين فى القطاع العام وارتفاع مستوى البطالة وغيرها من القطاعات التى ترتبط بقطاع السياحة، التى فقدت أكثر من 5 ملايين عامل، ولذلك كل التحركات التى يطلقون عليها فئوية كلها عفوية وعشوائية، لأنها لا تعتمد على منظم يقود مثل هذه التحركات .

وعلى مستوى المدن الصناعية الجديدة، فالتنظيم النقابى فى مثل هذه المدن يواجه عديدا من الصعوبات، وأكاد أجزم مستحيلة، أولا لتصدى أصحاب الأعمال، لأنهم يرفضون من الأصل قيام أى دور للتنظيم النقابى، وبالتالى فنحن افتقرنا إلى تنظيم قادر على قوة الضغط، وفى ظل هذا الشتات الكل يبحث عن حقه دون النظر إلى الظرف الذى تمر به البلاد، وبالتالى سنفقد الدور الريادى لمصر فى المنظمات الدولية والعربية.

■ ما حجم أموال الاتحاد العام؟

– كان الاتحاد يملك ودائع تتراوح بين 40 و50 مليون جنيه، والآن يجرى فك هذه الودائع لسداد أجور الموظفين، لأن الاشتراكات تتناقص، ويقدر حجم مستحقات الموظفين بالاتحاد شهريا بنحو 2 مليون جنيه، فضلا عن قرية الأحلام، التى تقدر بعشرة مليارات، إضافة إلى 17 فرعًا للجامعة العمالية، و58 مركزا ثقافيا على مستوى الجمهورية، منها سبعة معاهد متخصصة، فضلا عن حصتنا فى بنك التنمية، كما يوجد بعض اللجان النقابية تملك ما يقدر بـ40 مليونا، ولذلك أنا أحذر من قوة الاتحاد لو امتلكه الإخوان.

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى