الأخبار

سينما النهضة وأفلام وفقاً للمواصفات الشرعية!!

طارق الشناوي:

 

لم يكن هناك مفاجأة أن نقرأ عن مشروع النهضة السينمائي، الذي تتولاه شركات تابعة فكريا للإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.

 

تم الإعلان عن أكثر من كيان ثقافي، من بينها أكاديمية لإعداد الفنانين الجدد عن طريق تقديم دروس عملية ومحاضرات نظرية، يلقيها عدد من المحترفين تتناول صناعة الأفلام السينمائية.

 

تبدأ هذه الشركات بإنتاج فيلم أو اثنين للسينما الروائية، وعدد أكبر من الأفلام التسجيلية، وبالتأكيد هي أفلام مصنوعة طبقاً للمواصفات الإسلامية أو علي الأقل ما يمكن أن نطلق عليها سينما نظيفة.

 

الفن عندما يتدثر برؤية دينية أراها محاولة لتغيير ملامح المجتمع، الذي لم يتعود علي التعاطي مع هذا النوع من الفن المتحفظ، ورغم ذلك فإن الجانب الأخر للصورة هو أن البعض يعتقد أن هذا الفن الذي يبدو معقماً ينبغي مقاومته بفن جريء ليس في الفكر الذي يحمله ولكن بمشاهد جريئة، وهذا هو مكمن الخطر، الفن المتحفظ يقاوم بفن صادق جرأته تنبع أساساً من الفكر الذي يحمله.

 

المأزق الذي نعيشه، هو أن البعض يعتقد أنه من الممكن أن يعيد صياغة المجتمع وفقاً لرؤيته برغم أن التجربة أثبتت أن المصريين ينحازون إلى الفن الذي ينشد الحرية، ما نراه الآن سبق التمهيد له قبل نحو سبع سنوات بأعمال قليلة كانت تبدو كنوع من الإرهاصات، وكأنها دقات المسرح الثلاث التي تسبق العروض المسرحية، مثلاً فيلم “كامل الأوصاف” الذي لعبت بطولته حلا شيحة والراحل عامر منيب لم يكن الفيلم في الحقيقة يبحث سوى عن تسويق فكرة الحجاب لدي الفتايات المصريات كما أنه كان في نفس الوقت يطبق معايير الحجاب علي كل مشاهد الفيلم، حيث أن البطلة حلا شيحة ترتدي الحجاب في كل المواقف سواء كان هناك منطق شرعي أم لا. والمتفرج في هذه الحالة يتعامل مع امرأة محجبة وليس فقط ممثلة تؤدي دور فتاة محجبة، مثل هذه الأفلام التي لا نري فيها المرأة سوي محجبة يعتقد البعض أنها سر نجاح السينما الإيرانية.

 

الأفلام الإيرانية أتابعها بشغف في كل المهرجانات التي أذهب إليها وأتأكد في كل مرة أن القيمة الحقيقية في الفكر الذي يسكن العقل والإحساس الذي تنضح به المشاعر بينما يحاول البعض من قصار النظر أن يحيلوها فقط للحجاب.

 

كم من مرة عندما يسألون فنانة عن الحجاب وتعارضه مع الفن، تقول انظروا للسينما الإيرانية بطلاتها محجبات وتحصد الجوائز العالمية.. هناك فرق بين سينما تخضع لنظام يحكمه قانون صارم يعاقب المرأة لو غادرت بيتها إلى الشارع بدون ارتداء الحجاب وبين المجتمع المصري 70% من نسائه محجبات وتنتشر في الشوارع مثل هذه الشعارات المعلقة على الجدران.. الحجاب فريضة كالصلاة.. يا مؤمنة تحجبي قبل أن تحاسبي ورغم ذلك لا يوجد قانون ملزم بارتداء الحجاب.

 

السينما المصرية ينبغي أن تقدم ضمن شرائحها المرأة المحجبة، لأنها انعكاس للشارع، إلا أن هذا لا يعني أننا سوف نقدم أفلاماً عظيمة لو ارتدت كل نجماتنا الحجاب.

 

صارت السينما الإيرانية هي فاكهة المهرجانات العالمية التي تحمل عبيراً خاصاً، تلك السينما قدمت لنا مخرجون موهوبون أمثال “عباس كيروستامي” ، “محسن مخلباف” ، “أصغر فرهادي” ، “سميرة مخلباف”، “مجيدي المجيد” وغيرهم.. هؤلاء لا يصنعون السينما على مقاس الحجاب لكنهم يراهنون على فكرة مطلقة تفرض نفسها على مفردات الشريط السينمائي لا تشعر بأنك تتعامل مع امرأة تضع الحجاب، نعم لا يوجد مشاهد جنس ولا عري ولا عنف ولهذا يزداد حضور الأطفال في أغلب الأفلام لنرى السيناريو من خلال عيونهم وتصبح دهشتنا هي دهشتهم ولكنك لا تتوقف وأنت تشاهد هذه الأفلام أمام حجاب النساء.

 

مثلاً “عباس كروستامي” في فيلمه “طعم الكرز” الحاصل علي سعفة مهرجان “كان” يقدم أنشودة لعشق الحياة لرجل يبدأ رحلته لاختيار مكان للانتحار فيكتشف في نهاية المطاف أن الحياة تستحق أن تعاش لأن بها طعم الكرز.. “انفصال” الحائز العام الماضي على أوسكار أفضل فيلم أجنبي وقبل ذلك على الدب الذهبي في برلين يدخل إلى عمق النفس البشرية بسؤال يطل بين ثنايا الفيلم عن خطيئة الكذب.. ألم نلجأ يوماً جميعاً إليه.. الشريط السينمائي يطرح سؤال علي الشاشة فتجده يتردد داخلك.. في السينما الإيرانية حبكة تتابعها ولكن الأهم هو ما وراء الحكاية الدرامية.

 

السينمائي الإيراني يُمسك بالفكرة التي تعتمل في نفوس الناس مثلاً عباس كيروستامي قدم مؤخراً فيلمين خارج إطار السينما الإيرانية الأول “نسخة مطابقة” إنتاج مشترك فرنسي إيطالي والثاني “مثل من يحب” إنتاج فرنسي ياباني.. البطلات لا يرتدين الحجاب بالطبع لأن الأول أحداثه تجري في إحدى المدن الإيطالية والثاني في طوكيو ورغم ذلك  فإن المذاق القائم على الفكر الذي يحيل المشاهد إلى فاعل أصلي في الفيلم هو الهدف المنشود.

 

السينما الإيرانية حصدت الجوائز العالمية بالأفكار داخل الرؤوس وليس بالحجاب الذي يعلو الرؤوس.. ولا يمكن أن نغفل أن تلك السينما تواجه في كثير من الأحيان بتعنت سياسي يكفي أن نذكر أن اثنين من كبار مخرجيها وهما جعفر بناهي ومحمد رسولوف وجه لهما أقسى عقاب وهو المنع من الإبداع 20 عاماً كما أن شبح السجن يخيم عليهما وممنوع عليهما مغادرة إيران.. شارك جعفر بناهي بفيلمه “ستائر مسدلة” في مهرجان برلين الذي انتهت فعالياته قبل ساعات وحصل علي جائزة أفضل سيناريو ولكنه لم يتمكن من استلام الجائزة فهو مضطر للبقاء فقط داخل حدود منزله، إيران لا يمكن أن تصبح هي النموذج الذي نسعى لمحاكاته.

 

ورغم ذلك فلا يمكن أن نصادر علي حق شركات الإنتاج السينمائي الجديدة في تقديم أفكارها وفقا لقواعدها ولا استبعد والحال كذلك أن نري العديد من الفنانين وقد ضبطوا موجتهم الفنية والفكرية علي النظام السينمائي الجديد الذي تفرضه هذه الشركات.. ولكن هل تصل هذه الأعمال الفنية للناس؟ إجابتي هي أن الجمهور يريد فناً صادقاً وليس مجرد أفلاماً مصنوعة طبقاً للمواصفات الشرعية، ولن تفرق معه في هذه الحالة إذا كانت البطلة وضعت علي رأسها الحجاب أم خلعته!!.

مصراوي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى