دعوات استباحة الوطن

لا شك أن ثمة حالة من حالات الإحباط والقلق والتشكك وفقدان الثقة قد تزايدت بين جموع الناس لاسيما بين السادة المتعلمين والمتحدثين في الشأن السياسي.. كثر اللغط حول عودة الحزب الوطني ورجالاته أو فلوله.. عودة أمن الدولة والممارسات القمعية.. فشل الحكومة الاقتصادي وتجاهل قضايا العدل الاجتماعي.. دعوات متنوعة حول سحب الأموال من البنوك المصرية.. الدعوة لمقاطعة دفع الفواتير الحكومية المختلفة «كهرباء -غاز – مياه».. كل هذه الدعوات وفي ظل حظر التجول الممتد من منتصف أغسطس كان له أسوأ الأثر في زيادة جرعات الاكتئاب والإحباط وكان انعكاس تلك الموجة من الاسئلة المترددة والقلقة بل والمنهزمة..!!
< ومن الطبيعي أن تكون تلك الدعوات مصدرها الإخوان وأنصارهم والمتعاطفون معهم ومن لف لفهم في حمل الرسالة المقدمة في حرق الوطن وجره جراً إلي الهاوية.. إما حرباً أهلية تأكل الأخضر واليابس.. فإن لم يكن فليغرق الوطن في مستنقع الفشل.. ومن المفيد قراءة نص إخواني لتبرير أعمال الاقتتال والحرق والإرهاب، وجر الوطن جراً إلي كل سوء.
< يحدثنا النص المنقول عن صفحات التواصل الاجتماعي وكاتبه حاصل علي الدكتوراه في كلية علمية ما يلي: «الحكم من صلب الدين .. والمؤمنون يقتتلون قال تعالي «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا» فسماهم الله مؤمنين مع اقتتالهم وسبب اقتتال المؤمنين اختلاف في التأويل لا حرص علي الحكم كما يدعون وأن ثمة حرصا فهو علي أمر شرعي.. نقاتل علي الحكم لانه اصل من أصول الدين ولا يصح لنا تركه.. قضية الأمر والنهي «التشريع – الحكم» هي صلب الدين بل هي العبادة.. إن الذين ينظرون به للمسلمين علي أنهم وحدهم من اقتتلوا علي الحكم مخطئون لم يقرؤوا التاريخ.. كم قتل في الحروب بين النصاري وقبل النصرانية وبعد النصرانية «مرحلة العلمانية» في الحرب العالمية الأولي والثانية وهو غير متداول بكثرة بيننا.. يزيد علي مائتي مليون»..
< انتهي النص المنقول وقد عقب أحد المعجبين بارك الله فيك يا دكتور.. وبالطبع بدأ كاتب النص ببداية محكمة مثيرة للحماس.. الحكم من صلب الدين.. هو يري هذا ببساطة!! ثم اتبعها بالآية الكريمة المذكورة وفي تفسير الطبري للاية ذكر لنا انها نزلت في رجلين من الانصار كانت بينه مداراة في حق بينهما فقال احدهما للاخر لآخذه عنوة لكثرة عشيرته ودعاه الآخر لمحاكمة إلي نبي الله صلي الله عليه وسلم فلم يزل الأمر بينهما حتي تناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال ولم يكن قتالا بالسيوف.. وذكر في هذا احاديث عدة «قال الإمام أحمد حدثنا عارم حدثنا معتمر قال سمعت أبي يحدث أنه قل قيل للنبي صلي الله عليه وسلم إلي آخر الحديث ثم اردف ورواه البخاري في المصلح عن مسدد ومسلم في المغازي..» وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال فأنزل الله هذه الأية فأمر بالصلح بينهما.. وقال للسدي ما معناه أن خلافاً نشأ بين أهل رجل من الانصار وأهل زوجته فتدافعوا وإجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم هذه الآية..ويمتد الحديث إلي حرم المؤمن «وإنما المؤمنون أخوة» هذا وقد اشار القرطبي إلي أن الآية دليل علي وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها علي الإمام أو علي أحد المسلمين ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدي ذلك إلي إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة.. وهكذا نجد الإقدام والجرأة في تفسير الآيات القرآنية لصالح اعمال الفتنة والإرهاب دون بحث جاد رغم تعدد التفاسير لدي مختلف المفسرين ووضوح أسباب النزول في عراك بسيط وليس اقتتالاً بالسيوف..
< أما قضية أن الحكم أصل من أصول الدين فهذا تجديف آخر فأصول الدين في أغلب اطلاقات العلماء يقصد بها علم التوحيد وعقيدة المسلم ويسمي أيضاً علم العقائد وعلم الكلام والفقه الأكبر وأصول الدين ثلاثة معرفة العبد بربه وبدينه وبمحمد صلي الله عليه وسلم.. وهكذا تصبح المراوغة والاختلاق دليلاً من أجل استمرار إشعال الفتنة وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة.. أما ما هو مثير للهزل ومعبر عن طائفية بغيضة وضحالة تاريخية ذلك التقسيم المدهش للتاريخ قبل النصرانية وبعد النصرانية فلم تعرف علي وجه التحديد هو يقصد قبل الميلاد أم بعده.. أم قبل اعتراف قسطنطين بالمسيحية ديانة رسمية أم بعده.. وهو يعتبر إن إقتتال الآخرين في تواريخ انقضت مبرر لحرق الوطن في قسوة وجهالة وغل مقيت.. وهو يتجاهل أو بالأحري يجهل تاريخ وطنه إن كان ينتمي إليه أن الوفد قد تم اخراجه من الحكم بانقلابات دستورية متعددة في أعوام 1928، 1930، 1937، 1944 ولم يثر حرباً أهلية أو يدعو إليها وقد كان وهو حزب الأغلبية وضمير الأمة بحق قادراً علي دفع الوطن إلي هذا المصير لو شاءه.. ومن المدهش أيضاً هو اصرار الكثيرين علي تجاهل تلك الوقائع التاريخية الهامة في تاريخنا الحديث والقريب بيننا في الاستدلال علي فساد وانحطاط معالجة الإخوان لأزمتهم في مواجهة شعب وأمة بأكملها..
< مصر تخطو خطواتها الحقيقية نحو بناء جمهورية مدنية معبرة عن إرادة شعب في صناعة حاضره ومستقبله.. قد يكون القلق ضرورياً.. قد يكون الترقب ملازماً للعقول والقلوب ولكن الاستسلام لموجات الاحباط والسعي الحثيث وراء ما يروجه مرتضي منصور أو غيره من أحاديث لا طائل منها سوي أن نغفل عن قضيتنا الحقيقية وهي اخراج دستور حقيقي يحفظ للوطن وللشعب حقوقه وواجباته واستقلاله وكرامته وحقه في الاقتسام وصناعة المصير المشترك..
< ملحوظة أخيرة:
أصحاب الرواتب الثابتة من الجهات الحكومية وقطاع الأعمال بالطبع لم يشعروا شيئاً مما يحاصر الصناعيين والحرفيين والفواعليين واصحاب الاعمال الحرة والعاملين بالقطاع الخاص خلال سنوات الثورة.. ولم اتفهم أبداً ما يقوله الوزير أبو عيطة حينما يقول أنه تم توقيع اتفاقية مع أصحاب القطاع الخاص لدفع علاوة 10٪ للعاملين به.. كيف يعرف الوزير أن هناك صرفا لتلك العلاوة المزعومة.. أو أن هناك علاوة أصلاً..!!
الوفد