الأخبار

عصيان مدني أم إحباط شعبي

48

في سابقة ليست الأولى من نوعها، رأى النظام الإخواني في مصر أن إصدار أحكام قابلة للنقض، في قضية مذبحة بور سعيد، هو حل وسط شكلي يمكنه أن يهدئ الأمور لدى جميع الأطراف. وفي الحقيقة، فهذا الحكم يساوي بالضبط تأجيل المحاكمة. لكن من الواضح أن الألتراس لا يفهمون بسرعة، أو في أحسن الأحوال يدركون متأخرا وبعد فوات الأوان. بينما أهالي بور سعيد يفهمون الأمر بحدسهم التاريخي في مواجهة الأخطار والنكبات من الداخل والخارج. فمن الصعب أن نصدق أن يحكم على قيادات أمنية كبيرة بالسجن لمدة 15 عاما. ومن المستحيل أن يتم إعدام 21 مصريا ليس لهم علاقة مباشرة بما جرى في مذبحة بور سعيد. وبالتالي، فالحكم الصادر لا يختلف عن التأجيل. ولكن من الواضح أن الإخوان يدبرون لشيء أقذر وأكثر فظاعة بعد أن بدأ انهيار حكمهم على أرض الواقع.

 

إن جميع الأحكام الصادرة في قضية مذبحة بور سعيد، وخاصة أحكام الإعدام الجماعي، هي أول اختبار لردود أفعال المصريين على ما سيأتي من إعدامات جماعية واغتيالات سياسية واعتقالات عشوائية للمواطنين والناشطين والقيادات السياسية المعارضة للحكم الإسلامي. وحتى إذا كان الإخوان المسلمون ألعن مما نتصور، وقام ممثلهم في قصر الاتحادية بإصدار عفو أو تخفيف حكم، فإن الإخوان ونظامهم الفاشي قد أدركوا الآن أن الوقت قد حان للتصفيات والإعدامات والاعتقالات بكل الطرق الممكنة.

 

هناك قضاة وقانونيون يتحدثون عن نقض أحكام مذبحة بور سعيد.. وحتى إذا كانت السلطة ستصر على تنفيذ الأحكام تحت أي ظروف، فلا داعي للإحباط.. فهذا هو منهج وتفكير السلطات الاستبدادية وأنظمة الحكم الفاشية: “أنا ومن بعدي الطوفان”.. هكذا يفكرون ويفعلون حتى النهاية الأليمة. إنهم يتوقعون هذه النهاية وينتظرونها، وسوف يواصلون ما يفعلونه بدماء وقلوب باردة وبالمزيد من العنف والتضليل. إذن، لا مفر من مواصلة الدعوات للعصيان المدني، واستمرار التظاهرات والمسيرات والاعتصامات.. وهم من جانبهم سوف يتعاملون بوحشية كلما اقترب الطوفان وبانت ملامح انهيارهم.

 

من الواضح أن الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية المتطرفة والتنظيمات الإسلامية الجهادية تحاول استباق أي محاولات للإطاحة بمحمد مرسي وبحكم المرشد. فالإعلان الصادر عن تحالف 7 أحزاب إسلامية من الأنواع المذكورة آنفا يوضح أن هناك الكثير الذي يدبر في الخفاء برعاية مكتب الإرشاد أو بتواطؤه. فهم لن يتركوا السلطة بسهولة. ولكن ما يجري على أرض الواقع يشير إلى أنهم قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. ولم يعد أمامهم الآن إلا السلاح والفاشية والإرهاب. ما يملي على الشارع والقوى الوطنية ضرورة مواصلة المواجهات بكل الطرق والأساليب الممكنة.

 

إن كل ما يجري اليوم في مصر من حرائق اتحاد الكرة ونادي الشرطة وما يتردد عن تهديدات كتائب القسام ورفع حالة الاستعداد القصوى للجيش أو الأمن في سيناء وإضرابات أقسام الشرطة وإعلان الجماعة الإسلامية فى أسيوط قيامها بمهام الأمن وإعلان تحالف الأحزاب الإسلامية وتصريحات حازم صلاح أبو اسماعيل، كل ذلك حملة ممنهجة للتغطية على ما يجري في مصر من فاشية واستبداد ومحاولات لتوجيه الأمور في اتجاهات تبث الرعب والإحباط وانعدام الجدوى.

 

على هذه الخلفية المتشابكة والتي تبدو مرتبكة، لا يشك أحد في الداخل أو الخارج الآن أن حكم الإخوان المسلمين في مصر ينهار تدريجيا وبمعدلات متسارعة. فلا زيارات نساء حزب الحرية والعدالة ومستشارات الرئيس لواشنطن من أجل الحديث عن المرأة ستنفع، ولا إصدار أحكام سياسية شكلية في المحاكم ستفيد، ولا تأجيل الانتخاب سيجدي. هذه الأمور تحديدا التقطها السلفيون والتنظيمات الجهادية، ورأوا أنها فرصتهم التاريخية للنزول من أجل تجريب حظهم، ولسان حالهم يقول “الإخوان في كل الأحوال ليسوا أفضل منا”!! هكذا هو نمط التفكير السلفي المتسرع والمتعجل بكل ألوانه والذي يعتمد على التحذيرات والإنذارات والتهديدات والإرهاب بمختلف أشكاله. ولكنهم لا يدركون أن المصريين الذين أسقطوا تنظيم الإخوان المحظور سوف يسقطونهم أيضا.

 

من الواضح أن دور قطر بدأ يتراجع مع بدايات انهيار حكم الإخوان في مصر، ولكن للأسف بدأ دور السعودية يتنامى بظهور السلفيين وتصريحات أبو اسماعيل الخرقاء. وعموما فكرامات جولة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، لمصر والسعودية والإمارات وقطر، لم تظهر كلها بعد!! ولكن التصريحات التي صدرت منه في قطر بخصوص سورية تشير إلى أن واشنطن بدأت تنقل ملفات ما يسمى بـ “الربيع العربي” من اليد القطرية إلى أيادٍ أخرى، وربما هذا تحديدا ما استفز الأمير القطري ودفعه للتصريح بأن “قطر لم تكن الدولة الوحيدة التي زودت المسلحين في ليبيا وسورية بالسلاح”!!!!!!!

 

الدستور الأصلى

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى