وسط أنباء عن وساطة جنوب سودانية..

بعد مرور ثلاثة عشر عاما من العداء منخفض المستوى بين إريتريا وإثيوبيا «دولتا حوض النيل» بدت فى الأفق مؤشرات دالة على استعداد البلدين الواقعين فى شرق افريقيا للجلوس معا على مائدة تفاوض حول ترسيم حدودهما المشتركة وهو الملف الذى كان عصيا على التفاهم زهاء عقدين من الزمان وأدى الى حالة من الحرب الباردة التى تشتعل أحيانا وتهدأ أحيانا.
و تواردت أنباء من جوبا عاصمة جنوب السودان وهى دولة حوض نيل ثالثة عن جهود وساطة يتهيأ لها دينجالور وزير شئون مجلس الوزراء فى الدولة الوليدة لتقريب وجهات نظر أديس أبابا و أسمرة بشأن خلافاتهما الحدودية التى كانت سببا فى قتال مرير بين البلدين وضعت اوزاره عام 2000.
وأشار الوزير الجنوب سودانى الى ان بلاده ستقوم بهذا الدور بعد إشارات خضراء إيجابية من عاصمتى البلدين تؤكد استعدادهما للتفاوض و الجلوس على مائدة مصارحة سعيا الى حل لمشاكلهما الحدودية وهو ما دفع رئيس جنوب السودان سيلفا كير الى تشكيل فريق متابعة ووساطة لهذا الملف وهو ما اعتبره المراقبون تدشينا لاول دور اقليمى تقوم به دولة جنوب السودان الوليدة فى يوليو 2011.
ومن المقرر أن يبدأ مبعوثون من جنوب السودان جولات مكوكية خلال الايام القليلة القادمة بين اديس ابايا واسمره لاستطلاع المواقف والتمهيد لمحادثات مباشرة بين البلدين.
وكانت اريتريا فى السابق مستعمرة اثيوبية لكنها استقلت عن اثيوبيا فى العام 1993 بعد 30 عاما من النضال المسلح سعيا للاستقلال لكن بقيت مشكلة المناطق الحدودية متمثلة فى اقليم بادامى عالقة حيث تتمركز فيها قوات اثيوبية تعتبرها اريتريا قوات احتلال، ويقول المراقبون انه منذ توقيع اثيوبيا واريتريا فى العام 2000 على اتفاق الجزائر بشأن الحدود والذى أنهى حربا معلنة استمرت عامين بين البلدين الا ان مسألة الترسيم ظلت العقبة الكئود امام تهدئة فى اوضاع العلاقات بينهما.

ويقول المراقبون فى العاصمة الاثيوبية اديس ابابا ان توجهات رئيس حكومتها الجديد هيلامريام ديسالجين الذى خلف ميليس زيناوى تركز على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر فى البلاد، ومن ثم فقد أعلن استعداده غلق ملف الصراع مع اريتريا حول الحدود و الذهاب الى اسمرة للتفاوض من اجل سلام شامل و دائم وهو ما كان سلفه زيناوى يرفضه.
وكان سلفا كير رئيس جنوب السودان قد زار العاصمة الاثيوبية فى اغسطس الماضى وهناك تعهد ببذل جهوده لترطيب الاجواء الاثيوبية الاريترية واحلال السلام بينهما كواجب اخلاقى تقوم به دولة جنوب السودان الوليدة ، لكن من المراقبين من أكد أن جهود جنوب السودان فى هذا الصدد لن تترجم عمليا قبل حلول شهر نوفمبر القادم.
وكان القتال الذى نشب بين اثيوبيا واريتريا عام 2008 واستمر حتى عام 2000 وانتهى بتوقيع اتفاق سلام الجزائر قد اسفر عن 70 الف قتيل وعشرات الالاف من النازحين والمشردين فضلا عن تأثيراته السالبة على اقتصاد البلدين.
وبرغم إنشاء مفوضية ترعاها الامم المتحدة عام 2000 لترسيم و ادارة المناطق الحدودية المتنازع عليها وموافقة اسمرة و اديس ابابا على ما تصدره تلك المفوضية من قرارات بل وموافقة إثيوبيا فى أبريل 2002 على ما صدر عن المفوضية من احكام بشأن الحدود، فقد عدلت اثيوبيا عن قرارها وتراجعت عن موقفها بعد ذلك بعدة اشهر رافضة قرار المفوضية بتبعية اقليم « بادامى» الحدودى لاريتريا وهو الاقليم الذى انطلقت من الشرارة الاولى للحرب الضروس مع اريتريا عام 2008 وفى المقابل سحبت ايريتريا اعترافها بالمفوضية كحكم لمسائل الحدود مع اثيوبيا وهكذا تصاعدت توترات العلاقة بين البلدين ما بين حروب عسكرية صريحة او بالوكالة تارة و ما بين انشطة هدامة متبادلة و ما بين تراشق اعلامى ودبلوماسى فى المحافل الدولية.

ورغم أن اريتريا و إثيوبيا تؤكدان رفضهما لنهج الحرب المعلنة لحسم صراعهما على الحدود الا انهما فى واقع الامر اختارتا نهج الحرب بالوكالة من خلال دعم كل طرف للقوى المناوئة للطرف الآخر فى الإقليم.
وفى هذا الإطار يرى مراقبون أن القتال الدائر فى الصومال لم يكن فى حقيقته إلا أحد أوجه الصراع الاريترى الاثيوبى وهو الأمر الذى استمر من عام 2000 الى عام 2008.
وكانت الحرب الاريترية الاثيوبية حول الحدود والتى استمرت عامين قد وضعت أوزارها فى عام 2000 بتوقيعها اتفاق سلام الجزائر الذى أنهى حالة الحرب وأحال ملف الحدود إلى التحكيم الدولى الذى أقر بأحقية إريتريا على إقليم بادامى وهو ما لم تعترف به إثيوبيا وأصرت على عدم سحب قواتها من هذا الإقليم طالبة مزيدا من التفاوض لكن ما حدث هو التهاب مناطق الحدود واستفحال العمليات العسكرية وحرب العصابات بين الجانبين.
وفى مارس 2012 هاجمت قوات الجيش الاثيوبى تشكيلات من الانفصاليين المنتمين لقبائل العفر ممن تحميهم اريتريا وتقدم لهم الملاذ والمأوى وتركزت هجمات القوات الإثيوبية فى عمق الأراضى الإريترية وعلى مواقع أعلنت إثيوبيا أنها كانت مصدرا لهجمات شنها الانفصاليون العفر المدعومون من أسمرة فى يناير من العام ذاته وقامت بخطف وقتل عدد من السائحين الأجانب وأرادت اديس أبابا الانتقام منهم، وكان ذلك بمثابة أول توغل اثيوبى كبير فى الاراضى الاريترية منذ عام 2000 و توقيع اتفاق الجزائر، وكانت المفاجأة إعلان إريتريا أنها لن ترد عسكريا على الهجوم الإثيوبى على أراضيها.

وفى عام 2005 بدت مواقف إثيوبيا تتجه نحو تخفيف نبرة الصراع مع اريتريا فبعد إعلان إثيوبيا أن قرار مفوضية الحدود بشأن إقليم بادامى القاضى بتبعيته لإريتريا، أعلن وزير خارجية إثيوبيا فى بيان وجهه الى مجلس الامن الدولى بالامم المتحدة قبول بلاده من حيث المبدأ لاختصاص مفوضية الحدود مع التحفظ على شرط العودة الى فتح ملف الترسيم وهو موقف قابلته اريتريا انذاك بالاستهجان مؤكدة على ان التفاوض مع اثيوبيا سيكون مستحيلا طالما بقيت اثيوبيا عازفة عن القبول غير المشروط لإحكام وقرارات مفوضية الحدود المشتركة بين البلدين والتى تعمل تحت مظلة الاتحاد الافريقى.

وبرغم ذلك سادت أجواء من التشكك من جانب أسمرة وأديس ابابا تجاه الطرف الآخر على مدى الأعوام العشرة الماضية وكان ذلك هو الوضع القائم خلال تلك الاعوام مما جعل أمل السلام بينهما ابعد ما يكون، لكن الاسابيع القليلة الماضية التى اعقبت وفاة رئيس وزراء اثيوبيا الراحل ميليس زيناوى كشفت عن مؤشرات دالة على تغيرات بطيئة فى المواقف بصدور تصريحات من قيادات البلدين تؤكد استعداهم للجلوس معا على مائدة تفاوض حول الحدود.
وسرعان ما التقط المراقبون تلك المؤشرات الايجابية «بحذر بالغ متسائلين عن ضمانات» عدم حدوث اخفاقات على صعيد بناء السلام بين البلدين مثلما حدث بعد اقل من عامين على ابراهما مطلع الالفية الحالية وفى هذا الصدد رصد المراقبون ان اول اسباب فشل اتفاق الجزائر هو انعدام المصلحة لدى كل من اثيوبيا و ايريتريا فى استكمال مسار عملية السلام التى بدأت بينهما عام 2000 وكذلك كانت أكثر ملفات الخلاف وتعقدها وتشابكها بمثابة حائل آخر أعاق أية تسويات تصالحية بين البلدين وأبقى اتفاق الجزائر عاجزا عن معالجة جذور الخلافات مقتصرا فى التعامل على جوانبها الظاهرة فقط.

 

 

 التحرير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى