الأخبار

الجهاد ضد «استبداد ما بعد الثورة»

19

قد يكون المشهد الأكثر حزناً فى مشاهد الثورة المصرية، مشهد «أحداث ماسبيرو» الذى تألم بسببه المصريون، مسلمون وأقباط، فللمرة الأولى تعلو الهتافات المطالبة بسقوط حكم العسكر من داخل الكنيسة المصرية، وفى حضرة البابا شنودة وموفد للمجلس العسكرى، وهى الهتافات التى رفضت تواجد العسكر فى ظل دهس وقتل الأقباط أمام ماسبيرو.

دموع ماسبيرو ودماء «مينا دانيال» ورفاقه كانت دافعاً لظهور حركات شبابية قبطية، قبلها البعض ورفضها آخرون، واعتبرها كثيرون مجرد رد فعل لما حدث للأقباط بعد ثورة يناير وانكسار حاجز الخوف واندماجهم فى السياسة.. «المصرى اليوم» تفتح ملف الحركات القبطية، لتكشف كيف يرى أعضاؤها المشهد السياسى، وسبب اندماجهم فى الحركات التى تحمل فقط شعار «الأقباط »، وأسباب رفضهم الاندماج فى الأحزاب.

البداية كانت مع بيشوى متري، عضو اتحاد شباب ماسبيرو، أحد الشباب الذين هتفوا داخل الكنيسة بسقوط العسكر، يقول: «لسنا حركة دينية ولا يوجد فى فكرنا ما يتعلق بالدين أو الطقوس أو العقيدة، والاتحاد بابه مفتوح لأى شخص بغض النظر عن الدين، فنحن مجموعة ضغط (حقوقية) الهدف من وجودنا هو تحقيق العدالة لكل المواطنين، والمواطنة فى مصر، وطريقتنا هى مناهضة التمييز الدينى».

وأضاف: «بداية الاتحاد كانت بعد الثورة، وبالتحديد مع أحداث ماسبيرو، واستوحينا اسم الاتحاد من اعتصام ماسبيرو، والفكرة كانت موجودة من قبل الثورة، وعدد كبير من المؤسسين شارك فى السياسة قبل الثورة، فقد كنا أعضاء فى حركة (أقباط من أجل مصر) وخرجنا منها لأننا رأينا أن نظام مبارك هو السبب الرئيسى لمعاناة الأقباط فى مصر، فأسسنا جبهة الشباب القبطى قبل الثورة، وكان لدينا هدفان، الأول أن ننشئ منبراً علمانياً موازياً للكنيسة، يتحدث عن الأقباط، حتى لا تتحدث الكنيسة بمفردها عنهم، لأن خطاب الكنيسة لا يعبر عنا، فرد فعل الكنيسة على أحداث الكشح لم تكن على مستوى الحدث، وغيرها من أحداث الاعتداءات على الأقباط».

وعن التفاصيل التنظيمية للاتحاد، قال «بيشوى» إن الاتحاد تنظيم لا يسعى للسلطة، واللائحة الداخلية تحتوى على قوانينه، من حيث شروط العضوية وأفكار الاتحاد، واستطرد: «دور الاتحاد من وجهة نظرى لا يمكن تقييمه الآن، خاصة أننى جزء منه، أما عن عودة الأقباط للمشاركة فى صياغة المستقبل من باب الحركات السياسية، فأرى أنه على المسيحيين فى مصر الانخراط فى الأحزاب وممارسة حقهم السياسى فى المشاركة، والقول بأن وصول جماعة الإخوان إلى الحكم هو الدافع لتشكيل هذه الائتلافات غير صحيح، لأن الشباب القبطى دخلوا معترك السياسة قبل الثورة».

وفضل نادر شكرى، المتحدث باسم اتحاد شباب ماسبيرو، الحديث عن العزلة السياسية التى عانى منها الأقباط لفترة طويلة، قائلا: «تم فرض مناخ العزل على الأقباط بدءاً من 1952 وزادت فى عهد السادات، وفى أحداث كنيسة القديسين شعر الأقباط بأن النظام قمعى، ورفضوا الاستماع إلى المؤسسات الدينية، وشاركوا فى الثورة، واعتبروها بداية عهد جديد، ولكن مع ظهور الإخوان والتيارات الإسلامية، اكتشفوا أنهم دخلوا عصراً جديداً من الاستبداد، ربما يكون أشد من الفترة الماضية».

وأضاف: «البداية الحقيقية للاتحاد كانت بعد حادثة إمبابة الشهيرة بـ(فتنة عبير)، حيث انفصل الاتحاد عن الكنيسة فى مارس 2011 عندما طلب البابا فض الاعتصام، فرفعوا شعار (عفواً قداسة البابا أنت أبونا الروحى ولكن ليس لك سلطة سياسية علينا) ومن هنا كانت بداية الصوت العالى ضد الكنيسة لرفع يدها عن التدخل السياسى، وبعد تشكل الاتحاد خرج أعضاؤه فى مظاهرات، حتى توسعت الحركة وأصبحت لنا فروعاً مختلفة فى عدد من المحافظات، مثل الإسكندرية والمنيا وبورسعيد وقنا وأسيوط، واستطاع الاتحاد أن يضغط ليتواجد سياسياً، ثم بدأ التنسيق مع الحركات الشبابية التى خرجت بعد الثورة، وأخيرا أصبح عضواً فى جبهة الإنقاذ الوطنى».

وعن مواقف الاتحاد ضد الدولة وضد الكنيسة، قال «نادر» إن الاتحاد تظاهر ضد الكنيسة فى مواقف كثيرة، منها تعيينات مجلس الشورى غير المرضية لهم، وأجبروا الكنيسة على الانسحاب من تأسيسية الدستور، مشيراً إلى أن البعض حاول الوقيعة بينهم وبين الكنيسة، إلا أن الأنبا باخوميوس، قائم المقام البطريركى وقتها، تقبل ذلك وقال إن الشباب له الحق فى السياسة.

وحول رفضهم دخول السياسة من باب الأحزاب، قال نادر: «الأحزاب أصبحت عبارة عن أكشاك غير واضحة الأهداف والمواقف، وهو الأمر الذى لا يمكنها من احتواء الشارع، ومن ثم لم تنجح فى احتواء الأقباط».

وعن إمكانية تحول هذه الحركات القبطية إلى العنف، قال «نادر»: إن المجتمع المصرى عموماً، أصبح يميل إلى العنف، بسبب غياب دولة القانون، وأصبح على كل فرد أن يحمى نفسه، وإذا استمر الوضع على هذا المنوال، وإذا شعروا أنهم أصبحوا فى مواجهة مع الإسلاميين، وأن الدولة المصرية سقطت، قد يحدث عنف.

أما إيفون مسعد، أمين اللجنة الإعلامية لاتحاد شباب ماسبيرو، فقالت: «منذ فترة طويلة قبل البدء فى تأسيس الاتحاد الرسمى كنا فاعلين، وأثبتنا وجودنا فى الاعتصام الأول بعد أحداث كنيسة (صول)، حيث كنا من اللجنة التى تأسست للتشاور مع المجلس العسكرى، وأصبحنا من ضمن الحركات القبطية الأساسية وداخل الكنيسة أيضا لأن معظم أعضاء الاتحاد من خدام الكنائس».

وأضافت: «نحن نبحث عن حقنا فى وطننا، ولسنا حركة دينية، بل سياسية ليس لها علاقة بالدين، فهى وطنية مصرية متضامنة فى كل المشاكل الوطنية المصرية ولسنا حركة طائفية».

أما اتحاد أقباط مصر، فتحدث عنه نبيل عزمى، منسق الائتلاف، مؤكداً أن رئيس الائتلاف مسلم وهو الدكتور مصطفى المراغى، وأن بدايته كانت بهدف تعميق الوحدة الوطنية منذ يوم 25 يناير، حتى أعلن عن تأسيسه بعضوية حوالى 6 آلاف عضو فى الائتلاف، معتبراً إياه نشاطاً اجتماعياً أكثر منه سياسيا، مشيرا إلى أن الاتحاد يعد الآن ملفاً توثيقياً لشهداء ماسبيرو.

أما عن الحكم الإسلامى، فقال: «نعم هناك تخوف بلا مواربة من الحكم الإسلامي بسبب بعض الفتاوى التى تصدر وتؤجج المشاعر والانقسام والخوف، والشعب القبطى طيب، إلا انه معتز بديانته وتاريخه وثقافته، والدولة خلال 40 سنة حاولت طمس الهوية القبطية، وكان الأقباط منغلقين على أنفسهم داخل الكنيسة، وشعروا بالتهميش الحكومى المتعمد للأقباط، وعند الثورة خرجوا عن الكنيسة وشاركوا وأصبح لهم شهداء».

أما حركة «صوت المعمدان» فهى منبثقة من فكر تاريخى، وتحاول تأريخ ما يحدث فى الكنيسة، وأسسها بيشوى البسيط، الذى روى لـ«المصرى اليوم» كيف كتب تاريخ الكنيسة الحديث منذ عشر سنوات، وأن مجهوده لم يكن مقبولاً من الكنيسة، قائلاً: «لأننى أقول الحقيقة وهو ما يضايقهم، فأنا لا أكتب عن حقيقة أحداث بعينها خاصة مع مخالفات من الكنيسة سابقاً، وبعد الثورة الناس بدأت تفهم وتخرج صوتها على الكنيسة، وكتبت قبل كده أن التصفيق والزغاريد فى اجتماع البابا شنودة مخالف للائحة، ولما جاء البابا الجديد ألغاه بالفعل».

وأضاف بيشوى: «أرفض إقحام رجل الدين المسيحى فى السياسة، ونرفض الانضمام لحركة قبطية سياسية»، وأكد «بيشوى» أن عدد أعضاء صوت المعمدان 1750، ويشترط فى الانضمام لها شروط خاصة، ولا يحضر اجتماعاتها الأعضاء الجدد إلا بعد فترة للتأكد من صدقهم.

إن إحدى المشكلات الأخرى التى يعانى منها المواطن القبطى المصرى هى اختفاء الفتيات القبطيات فجأة، ليبدأ مسلسل البحث عنهن لفترة حتى يكتشف أنهن أشهرن إسلامهن وتزوجن مسلمين، وهى القضية التى عادة ما تؤدى إلى مشكلات كثيرة ويترتب عليها اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين.

إبرام لويس، رئيس رابطة الفتيات المختطفات، قال إن نشاط الرابطة حقوقى بحت، ويساعد الأسر التى تبحث عن بناتها فى ظل ما اعتبره تحركات سلبية من الأمن تجاه مشكلاتهم، مشيراً إلى أن عدد المتغيبات عن أسرهن وصل إلى أكثر من 300 حالة فى عام ونصف العام بعد الثورة، منوهاً بأن جلسات النصح والإرشاد التى تم وقفها، كانت تؤكد أن الشخص الخارج من المسيحية لم يتعرض لضغوط.

ويروى إبرام تفاصيل عمل الرابطة قائلاً: «تأتينا الأسر ونحرر محاضر، ثم نكتشف فيديو يؤكد على موقع إسلامى بأنه غير مسموح للأمهات رؤية ابنتهن لمجرد أنها غيرت الدين، وقدمت رابطتنا 50 بلاغاً للنائب العام وبعد الثورة قدمت مذكرة لوزير الداخلية فى 2011 وطالبت بأن تعقد جلسات النصح والإرشاد فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، ثم قدمت مذكرة لمجلس الشورى حول هذه الجلسات، وقالوا إنها ليست من اختصاص المجلس، فأرجعوها لوزارة الداخلية، فهددت الأسر باللجوء لإحدى السفارات الأجنبية والمطالبة باللجوء الدينى».

من جانبه، قال الدكتور كمال زاخر، منسق جبهة «العلمانيون بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية»: «مشاكل الأقباط جزء أصيل من مشاكل الوطن، وعندما تتفاقم لا يمكن الحديث عنها بمعزل عن المشكلات العامة لهذا الوطن، فهناك حالة من الاستحواذ من التيار الإسلامي، فى مواجهة الدولة المدنية، وبديهى أن يكون انحياز الأقباط من خلال الدولة المدنية التى تؤكد العدالة».

أما عن هذه الحركات فيرى «زاخر» أن الدخول من باب الأحزاب أو الحركات، هو التطور التاريخى للحياة، فرفض الكنيسة لعدم وجود سلطة وإعطاء فرصة للأقباط للاندماج واختزالهم فى الكنيسة أدى لذلك، مشيراً إلى أن الأقباط لم يكونوا بمعزل عن الحراك الشعبى قبل الثورة. وأضاف «زاخر» قائلاً: «المشاركة فى الشأن العام تأتى عندما يشعر القبطي أنه صاحب مصلحة أو عندما تغتصب، لأن السياسة هى صراع مصالح».

المصرى اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى