عن حكم الجيش المصرى ” متوقع “

كتب :مازن عباس
يكثر العديد من المحللين الحديث عن تنامي نشاط السلفيين في مصر، والسيطرة على المشهد في سوريا، وفي هذا جزء كبير من الحقيقة، لكن الأمر يتعدى رصد نشاط هذه القوي المتشددة، إلى استخدامها كفزاعة، لحجب الدعم والتعاطف مع ثورات الربيع العربي، ودفع الحراك الشعبي إلى القبول بحوار وتعاون مع رموز الأنظمة الديكتاتورية البائدة، تمهيدا لإعادتها للسلطة
تمكنت القوى الإسلامية من خلال اكبر فصيل اسلامي، واكثرها تنظيما وقدرة جماهيرية وهو الإخوان المسلمون، من السيطرة علي مقاليد السلطة في مصر وتونس…ولجأ الإخوان لاستخدام الحركات السلفية كذراع ضاربة لمواجهة القوى السياسية الليبرالية واليسارية، الذين كانوا بالأمس القريب شركاء الثورة ثم اصبحوا أعداء اليوم. لكن تطورات الأحداث في مصر، التي تنذر بسقوط مريع للإخوان، دفعت بالقوى السلفية للتحرك نحو سلطة الحاكم بعد أن وصل إليها الإسلام السياسي.
وقد رصد العديد من المحللين نشأة الحركة السلفية الأولى، التي كانت في الإسكندرية على أيدي مجموعة من الطلبة، كان أبرزهم (محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد وسعيد عبد العظيم ومحمد عبد الفتاح وياسر برهامي وأحمد حطيبة)، حيث شكلوا ما سمي بتيار (الجماعة الإسلامية). وتأثر هذا التيار بالأطروحات الفكرية لجماعة “أنصار السنة” وكتابات ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وأخرين. وتكشف بدايات الاتجاهات السلفية انها خرجت من رحم جماعة الإخوان، التي تأثرت بشكل كبير بالفكر السلفي- بحسب العديد من الباحثين والقياديين السابقين بالجماعة. ورغم ذلك تصاعدت حدة الصراع بين السلفيين والإخوان في بداية الثمانينيات، لتحدث صدامات في بعض الجامعات المصرية.
ويجب القول إن الجماعات السلفية في مصر عبارة عن منظمات أو تكتلات كثيرة ومستقلة عن بعضها البعض، ويتفاوت وجودها من محافظة لأخرى. ومن أبرز هذه الجماعات “الدعوة السلفية” والجماعة الإسلامية وجمعية أنصار السنة والجمعية الشرعية وجماعة “التبليغ والدعوة”، وسلفية أولي الأمر، والسلفيون المستقلون. ورغم انتشار هذه الجماعات إلا انها تتوزع على عدد من مدن، ولكنها لاتشكل كيانا واحدا، خلافا لجماعة الإخوان المسلمين الذين يشكلون كتلة واحدة منظمة ومتماسكة في قراراها وتحركها في الشارع استنادا للقرارات قادتها ومكتب إرشاد الجماعة.
ورغم ان “الدعوة السلفية” في الاسكندرية تعتبر التنظيم صاحب الثقل الأساسي للحركات السلفية في مصر والأقوى تنظيما، لكن رفضهم للاسلوب التسلسل الهرمي في التنظيم أعاق توسعهم الجغرافي. وشكلت الدعوة السفلية حزب “النور” ليكون الذراع السياسي لها بزعامة عماد عبد الغفور ونادر بكار، ثم تولي يونس مخيون بداية هذا العام زعامة الحزب الذي اعتبر متمردا علي الإجماع الإسلامي بعد أن أجرى لقاءات مع جبهة الإنقاذ وطرح مبادرة لتقليص نفوذ الإخوان داخل السلطة. فيما تعتبر جماعة “أنصار السنة” التي تأسست عام 1926 على يد الشيخ حامد الفقي التنظيم التالي من حيث القوة، اذ تتميز بأنها كتلة متماسكة. ويمكن القول بإن جماعة “انصار السنة” تتقارب بدرجة كبيرة من الناحية الفكرية والعقائدية مع “الدعوة السلفية”، ولم تشكل جماعة “أنصار السنة” حزبا سياسيا، لكن عدداً كبيراً من قياداتها ودعاتها في “مجلس شورى العلماء”، وهو مجلس شرعي يتكون من العلماء السلفيين. وتتواجد الجماعة بشكل واسع في القاهرة والجيزة وبعض محافظات الشمال والصعيد.
كان الإعلان الأول عن ظهور السلفية الجهادية في مصر خلال السبعينيات من القرن الماضي،عندما نفذت عملية اغتيال وزير الأوقاف الأسبق الشيخ الدهبي المعروف بدعوته للإسلام الوسطي، وأعلنت آنذاك جماعة التكفير والهجرة بزعامة مصطفي شكري مسؤوليتها عنها. ثم نفذت الجماعة هجوما على الكلية الفنية العسكرية، وعمليات أخرى منها تفجيرات في بعض دور السينما وفي بعض محطات الحافلات العامة.
واعتبر بعض الباحثين أن”الجماعة الإسلامية” جاءت كامتداد لهذا النهج. وكانت بدايات هذه الجماعة كتنظيم طلابي، سرعان ما توسع وانتشر في أغلبية الجامعات المصرية. وخلال الثمانينيات انتقلت لمرحلة مواجهة النظام عبر مهاجمة مراكز الشرطة ومحاولة اقتحام مبنى الإذاعة والتلفزيون، والتخطيط لإغتيال بعض الوزراء، ماأدى إلى اعتقال المئات من كوادرها وقياداتها. وفي بداية الألفية الثالثة قامت الجماعة بمراجعة فكرية داخل السجون، وتراجعت عن العمل الجهادي، واقرت بأن التفجيرات وعمليات القتل التي تستهدف الأجانب داخل الدول والبلدان الإسلامية “غدر ونقض لعهد الأمان” الذي دخلوا به الأراضي الإسلامية، “ولو كانوا فجاراً أو كفاراً”، وبعد ثورة 25 يناير شكلت الجماعة حزبا سياسيا وهو حزب”البناء والتنمية” ويتزعمه طارق الزمر وصفوت عبد الغني للمشاركة في الحياة السياسية المصرية.
ومع انطلاقة ثورة 25 يناير 2011 لم تؤيد الدعوة السلفية المشاركة في التظاهرات الإحتجاجية ضد نظام مبارك، واعتبر الشيخ ياسر برهامي:” لكننا نأتمر بما أمرنا الله به من الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، وبما لا يعقب مضرة أكبر”، فيما حرصت بعض الاتجاهات على الإنضمام للثورة منذ ايامها الأولى. ومرة أخرى تراجعت الحركات السلفية المعارضة للنهج الثوري عن مواقفها، واعلنت في مؤتمر”8 فبراير” دعمها الكامل للثورة المصرية.
ورغم ان هذا الاستعراض مقتضب وسريع، لكنه يكشف عن ان القوي الأكثر شراسة وعنفا في الحركة السلفية، هي الجماعة الاسلامية التي أخذت علي عاتقها مؤخرا – وبعد اضراب الشرطة – تشكيل لجان شعبية لحفظ الأمن في محافطتي اسيوط وكفر الشيخ، وقامت لجانها بطرد حراس بعض البنوك في اسيوط كخطوة لاستبدال قوات الأمن بميليشيات الجماعة، ما اعتبره الكثيرون إعلانا عن عودة الجناح العسكري للجماعة، خاصة أن القرار الذي أصدره النائب العام بمنح “المواطنين” حق الضبطية القضائية، كان تطوراً بالغ الخطورة، يمكن الجماعة الاسلامية من تنفيذ خططها ويقنن نشاط ميليشياتها.
وبات مطلوبا التحرك من جانب القوى اللبيرالية واليسارية بشكلا اكثر فاعلية للتصدي لمساعي هذه الجماعات للسيطرة على السلطة،على خلفية انهيار نفوذ الإخوان المسلمين، وتحرك السلفيين للإنقضاض على السلطة.
ولتحقيق ذلك لابد من استيعاب هذه الصورة، دون أن تسيطر على رؤية تطورات الأحداث نظريات المؤامرة في التعامل مع تنامي الدور السياسي للسلفيين،والأصرار على اقحام هذا التنامي ضمن منظومة مصالح جيوسياسية دولية بشكل مبالغ فيه.
لقد تضمنت شروط واشنطن لدعم وصول الإخوان لمنصب الرئاسة بندا اساسيا أكد عليه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي خلال محادثاته الأخيرة في القاهرة، هو عدم السماح للسلفيين بالدخول كشريك في صناعة القرار السياسي، ما كشفت عنه تصريحات القيادات العسكرية المصرية التي أكدت أن القوات المسلحة لن تسمح بوجود ميليشيات مسلحة. وقد إلتزم مكتب الإرشاد بتعليمات واشنطن بدقة بالغة، إذ تراجع عن كل وعوده بزيادة عدد السلفيين في عضوية مجلس الشورى، ورفض مرسي إقالة حكومة قنديل، حتى لا يضطر لتنفيذ وعوده للسلفيين ولو بشكل جزئي، وتعيين وزراء من الحركات السلفية.
ولمن يريد أن يتحدث عن نفوذ السلفيين السياسي، يجب أن يضع الأمور في نصابها، ولا تذهب خيالاته إلى معادلات دولية وهمية، لأن السياسة الأمريكية إزاء تطورات الأزمة المصرية لاتزال في اطار رد الفعل الهادف لحماية المصالح الأمريكية. بالإضافة إلى ان نتائج تجربة واشنطن مع التيار الإسلامي السلفي أدت لاسقاط هذا التيار من حسابات السياسية الدولية بشكل عام، والأمريكية بشكل خاص، إذ لاتزال أثار الدرس القاسي من تجربة واشنطن مع السلفيين تشكل اساسا لسياسات مكافحة الإرهاب، وازداد التمسك بهذه السياسات بعد أحداث السفارة الأمريكية في القاهرة بسبب الفيلم المسيئ للرسول، والتي جاءت في اعقاب مقتل السفير الأمريكي في طرابلس. فبعد أن لعبت واشنطن بالتعاون مع حلفائها في السبعينيات من القرن الماضي دورا داعما واساسيا في نشأة وبلورة تيار اسلامي جهادي في افغانستان والبلقان وقامت بتسليح ميليشيات القوى الدينية، لاستخدمها في صراعاتها الدولية لحساب مصالحها الجيوسياسية، انقلب هذا التيار المتشدد على الساحر الأمريكي بعد أن انتهى دوره بالنسبة للغرب، فكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامية وتفجيرات السفارات الأمريكية.
المشكلة الحقيقية من تمرد السلفيين على الإخوان وتحركهم السياسي هو اشاعة الفوضى وتدمير مؤسسات الدولة. وما لم تتحرك القوى الليبرالية والديمقراطية للقيام بدور فاعل ومؤثر لإزاحة الإخوان واستلام السلطة، سيفسح المجال للسيناريو الأكثر توقعا..وهو عودة جنرالات العسكر للسلطة، الذين يحصلون سنويا على 1.5 مليار دولار من الولايات المتحدة كمعونة رسمية لا نعرف ولايحق لنا ان نعرف اوجه انفاقها، واعادة البلاد إلى دوامة حكم العسكر الديكتاتوري المرتبط بمصالحه مع الولايات المتحدة. وتتحمل المعارضة الليبرالية والديمقراطية المسؤولية الكاملة عن هذا التطور الدرامي لمسار الأوضاع المتوقع في مصر، لأنها فشلت في قيادة الحراك الشعبي نحو اسقاط فلول نظام مبارك والإخوان المسلمين رأس حربة الثورة المضادة.
الخبر نيوز