الأخبار

التشديدات الأمنية تخنق «ملاحات سبيكة»

62

جبال من الملح المشون، عمال في حالة استرخاء، اختفاء لسيارة النقل الثقيل، هدوء تام ولا صوت للمكينات، هذا هو حال ملاحات سبيكة شمال سيناء، التي تدهور حالها تمًامًا تدريجًا بسبب الأوضاع الأمنية في المحافظة بعد ثورة 25 من يناير، الوضع داخل الملاحات قبل سنوات من اليوم كان خلية نحل فسيارات النقل الثقيل تقف في طابور طويل خارجها انتظارًا لدورها في الشحن، أصوات الماكينات لايتوقف طوال اليوم، ولكن الآن الوضع تبدل للأسوء، وعلى الرغم من كل وعود التنمية في سيناء، ولكن يبدو أن الإرادة غير متوفرة، وكل الوعود حبر على ورق فقط.

وحسب تصريحات إدارة الشركة، فإن الإنتاج انخفض بشكل حاد إلى أقل من 50%، مع انخافض أرباح القطاع إلى 13 مليونًا فقط بدلًا من 40 مليونًا قبل الثورة، وذلك بسبب قلة عمليات السحب والتوزيع والتصدير الخارجي بسبب صعوبة العبور إلى شمال سيناء عبر معديات قناة السويس.

وكان لـ”التحرير” جولة تفقدية داخل القطاع في شمال سيناء، ولقاء مع المسؤولين لإيضاح الصورة هناك.

تقع ملاحات سبيكة شمال سيناء، غرب مدينة العريش، وهي إحدى ملاحات “شركة النصر للملاحات”، تقع على مساحة 26 كيلومتر مربع، وتضم 7 أحواض ترسيب، وتعتبر من أنقى الملاحات على مستوى العام، تم خلال السنوات الماضية رفع إنتاجها من الملح من 300 ألف طن إلى مليون و200 ألف طن سنويًا، يتم منها تصدير قرابة الـ400 ألف طن إلى الخارج عبر ميناء العريش، وتعتبر إحدى مدخلات العملة الصعبة لخزانة الدولة.

مراحل إنتاج الملح

يقول المهندس، ممدوح سلام، رئيس قطاع ملاحات سبيكة في شمال سيناء، إن عمليات إنتاج الملح تمر عبر مراحل قبل عملية التوزيع النهائية، حيث تم ضخ مياه البحر إلى أحواض الترسيب “أ،ب،ج” وتكون نسبة ملوحتها أو ما يسمى “البومية” 4.5%، وبالتدريج بين الأحواض وتركها للعوامل الطبيعية تصبح نسبة الملوحة 28% وتستمر هذه الدورة لمدة عام حتى تصل إلى هذه النسبة ومن ثم يتم استخراج الملح بشتى أنواعه من داخل الأحواض.

ويشير سلام، إلى أن الملح يعتبر سلعة متدنية بمعنى أن ثمن بيعها “رخيص” ولكنها سلعة استراتيجية حيث يتم استخدامها في حياة المواطنيين العادية وكذلك في بعض الصناعات البتروكيميائية، ولذلك الطلب عليها كثيف جدًا.

تطوير الملاحات

وعن عمليات التطوير داخل الملاحات، يذكر سلام، أنه تم إنشاء 5 أحواض جديدة بتكلفة 20 مليون جنيه، ساهمت في رفع الإنتاج السنوي من 300 ألف طن إلى مليون و200 ألف طن، فضلًا عن تركيب مصنع إسباني ذاتي بقدرة إنتاج 15 طنًا في الساعة، بتكلفة 18 مليون جنيه.

الانهيار

ويوضح رئيس قطاع الملاحات، أنه منذ أواخر العام الماضي وبدايات العام الحالي 2016، تدهور الوضع داخل السبيكة بشكل كبير بسبب قلة التوزيع سواء الداخلي أو التصدير الخارجي بسبب التشديدات الأمنية على الكمائن بداية من قناة السويس ومدينة القنطرة.

ويضيف، أن سائقي سيارات النقل الثقيل عزفوا عن القدوم إلى شمال سيناء نهائيًا بسبب التوقف على معديات القناة لمدة تصل إلى ثلاثة أيام، بسبب إغلاق كوبري السلام، فضلًا عن التفتيشات الدقيقة جدًا على الارتكازات الأمنية على طوال الطريق الدولي “العريش – القنطرة”، بالإضافة إلى صعوبة توصيل منتج الملح إلى ميناء العريش البحري، كما أن ميناء العريش بسبب حظر التجوال لا يعمل إلا نصف يوم فقط فبالتالي عمليات الشحن على السفن أصبحت تستمر لأيام، والسفن الأخرى تنتظر في عرض البحر لأيام أخرى، مما تسبب في إحجام سفن كثيرة عن القدوم إلى ميناء العريش بسبب تلك التضيقات.

ارتفاع أسعار التوزيع

وأسفرت التضيقات الأمنية إلى ارتفاع سعر عمليات التوزيع حيث ارتفعت أسعار النقل إلى الميناء 12.5% للنقلة، بينما ارتفعت أسعار النقل الداخلي إلى أنحاء الجمهورية إلى 30% للنقلة الواحدة.

وأشار سلام، إلى أن أحد المستوردين الأجانب طلب شحنة من ملح الطعام في ميعاد محدد خلال فترة معينة، وتم تجهيز الشحنة وإرسالها إلى ميناء العريش، ولكن السفينة القادمة لحمل الشحنة وجدت أمامها عشر سفن تنتظر في عرض البحر، فتم إلغاء عملية التصدير ورجعت الشحنة إلى مخازن الشركة مرة أخرى ومازالت موجودة حتى الآن.

وأدى كل ذلك إلى انخفاض حاد جدًا في عمليات التوزيع سواء الداخلي أو الخارجي عن طريق التصدير إلى أقل من 50%، مما أثر على عمليات الإنتاج داخل الملاحات، حيث انخفضت عمليات استخراج الملح من مليون و200 طن إلى 700 ألف طن في العام، مع وجود رصيد كبير من المستخرج في المخازن.

وانخفضت وحدات إنتاج أكياس الملح “المائدة والمطبخ” من 2000 طن شهري إلى 600 طن شهري فقط مع وجود أرصدة كبيرة داخل الشون والمخازن.

انخفاض أرباح القطاع

وبسبب قلة التوزيع انخفضت أرباح سبيكة شمال سيناء من 40 مليون جنيه إلى 13 مليونًا جنيه خلال عامي 2015 و2016.

ويؤكد سلام، أن كل ذلك التدهور يعتبر عبء على إدارة الشركة التي تستأجر الملاحات من محافظة شمال سيناء بـ4 ملايين جنيه و500 ألف في العام، والحكومة تقوم حاليًا بإنشاء مشروع قانون جديد خاص بالثروة المعدنية قد يرفع القيمة الإيجارية إلى 6 ملايين جنيه في العام مما سوف يزيد الطين بلة.

محاولات تدارك الأزمة

وعن طبيعة العمل داخل الملاحات في ظل حالة الركود تلك، يؤكد سلام، أن إدارة الشركة تحاول بقدر المستطاع الحفاظ على الحافز الإنتاجي للعمال، من خلال الحفاظ على معدلات ثابتة من الملح المستخرج من الأحواض، وإنتاجه باشكاله المختلفة ومن ثم تخزينة وتشوينه داخل المخازن لحين تصريفه، وذلك حتى لا يشعر العامل بالملل بسبب عدم وجود إنتاج، لافتًا إلى أن السبيكة تضم 310 عمال معين على قوة شركة النصر للملاحات، بينما تضم 300 عامل شكل غير مباشر يعملون في مجال التعبئة والمقاولات ورفع الملح من الأحواض والنقل الثقيل داخل الملاحات.

توفير العملة الصعبة

ويشير سلام، إلى أن ملاحات سبيكة العريش إحدى مدخلات العملة الصعبة “الدولار” إلى خزينة الدولة من خلال تصدير منتجات الملح المختلفة إلى دول العام عبر المونئ البحرية، حيث يتم التعاقد على تصدير الشحنة بالدولار، وبلفت إلى أنه في إحدى السنوات قامت الشركة بتصدير 40 ألف طن من الملح إلى أمريكا عبر ميناء دمياط.

ويوضح، أن هناك بعض الأشخاص أقاموا ملاحات في مناطق متفرقة من الجمهورية، ويقومون بتصدير الملح بسعر أقل وبالجنية المصري دون أي رقابة من الدولة المصرية، متسائلًا لماذا الدولة صامتة على تلك التصرفات في ظل احتياجها الشديد للدولار؟.

حلول مقترحة وآذان لا تصغي

وفي ظل التدهور الملحوظ في إنتاج وتوزيع ملاحات شمال سيناء، يؤكد رئيس القطاع، أنه قدم مقترحات عديدة لجهات الاختصاص لتدارك الأزمة، من خلال وضع تسهيلات لسيارات النقل الثقيل أثناء عبورها من وإلى قناة السويس، ولكن دون جدوى، مبديًا استغرابه الشديد لعدم تشغيل رصيفين جديدين تم إنشاؤهما في ميناء شرق التفريعة في بورسعيد من الممكن أن تسهل عمليات التصدير إلى الخارج، ولكن لم يتم تشغيلها حتى الآن رغم التوسلات الشديدة دون أسباب تذكر.

جبال من الملح

وخلال جولة داخل الملاحات، بصحبة حسين المطري، مدير إدارة المتابعة في قطاع الملاحات، رصدت “التحرير” جبال الملح المشون، وعدد قليل من سيارات النقل الثقيل تقوم باستخراج الملح من أحواض الترسيب.

ويقول حسين المطري، مدير إدارة المتابعة في قطاع ملاحات شمال سيناء، إن وحدة التعبئة التي تضم 10 ماكينات توقفت تمامًا بسبب قلة السحب والتوزيع، لافتًا إلى أن طاقتها الإنتاجية 1600 طن في الشهر.

ويضيف أن سيارات النقل الثقيل المسؤولة عن نقل الملح إلى باقي محافظات الجمهورية، وميناء العريش البحري اختفت تمامًا من أمام الملاحات ولا نرى سوى سيارة نقل ثقيل كل عدة أيام تأتي لتحمل بعض الشحنات خارج المحافظة.

إنشاء مخازن جديدة

وتابع، أن هذا الوضع المتردي أجبر إدارة الشركة على عمل مخازن جديدة لتخزين كميات الملح المعبأ التي لاتستطيع الشركة توزيعها، مع استصلاح أماكن جديدة لتشوين أكوام الملح المستخرجة من أحواض الترسيب.

ويؤكد أن الوضع داخل الشركة أصبح متدهورًا للغاية، فوحدة الغسيل الملح لمستخرج من الأحواض توقفت منذ أكثر من عشرة أشهر بسبب قلة السحب، مع وجود رصيد حوالي 15 ألف طن ملح مغسول وجاهز، ووجود 700 ألف طن ملح مستخرج غير مغسول.

ويشير المطري، إلى أن الشركة تضطر إلى ترك أحواض دون سحب كميات الملح منها مما يعرض الملح للتلف، وذلك بسبب عدم وجود مكان للتشوين وقلة السحب والتوزيع.

أما عن أرصدة الملح داخل الملاحات الجاهزة للسحب والتوزيع، فيذكر المطري، أن هناك 15 ألف طن ملح طعام، و700 ألف طن ملح خام، و15 ألف طن ملح مغسول، مؤكدًا أن هذه الكميات المخزنة لم تصل إليها الشركة منذ افتتاحها على أرض سيناء.

إحجام السائقين

وخلال جولتنا التقينا بسائق سيارة النقل الثقيل الوحيدة التي كانت متواجدة داخل الملاحات، حيث أكد أن الوضع على معديات القناة أصبح صعبًا للغاية، فسيارات النقل الثقيل تبيت بالثلاثة أيام حتى تتمكن من العبور على المعديات، فضلًا عن التفتيشات الدقيقة على الارتكازات طوال الطريق والتي تضطر السائقين لإنزال بعض الحمولة، مما جعل كثيرًا منهم يحجموا عن القدوم إلى شمال سيناء، موضحًا أنه أحد أبناء مدينة بئر العبد القريبة من الملاحات فيقوم بتحميل نقله للخروج بها من المحافظة “لما الوقت بيسمح”، ولولا ذلك فلن يأتي إلى شمال سيناء بسيارته نهائيًا.

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى