قانون الانتخاب يحدد ملامح المرحلة

بدت زيارة رئيس الحكومة المكلّف تمام سلام لرئيس مجلس النواب نبيه بري ظهر الاثنين أكثر من ضرورية، فقد استطاع من خلالها إزالة أجواء تشنج وتوتير لم يكن مسؤولاً عنها، اذ جاءت نتيجة حملة مركزة استهدفته ورئيس الجمهورية ميشال سليمان على خلفية تسريبات سرت كالنار في الهشيم مفادها انه يعتزم اعلان الحكومة قبل جلسة مجلس النواب التي تعقد اليوم، وقد استبق فريق 8 آذار تلك التسريبات بهجوم مضاد بلغ مع بعض الناطقين باسمه حد التهديد والوعيد لكل من تسوّل له نفسه المشاركة في “حكومة أمر واقع”، من خارج إرادة “حزب الله” وحركة “أمل”، أي ما بات يعرف بـ”الثنائي الشيعي” بموافقة وتأييد أكيدين من الحليف المسيحي في هذا الفريق، وفي طليعته رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون. فجاءت تلك الزيارة لتزيل الاحتقان والتشنج الناجمين عن الحملة. ويبدو أن التسريبات عن احتمال اعلان الحكومة لم تأت من لا شيء، فقد كان الأمر وارداً في ذهن الرئيس المكلف منذ مدة، ولكن “لا لفرض حكومة “أمر واقع” تخلق مشكلة كما سماها فريق 8 آذار، بل حكومة تضم وزراء من أناس محترمين من أهل الاختصاص ومن الوجوه المعروفة والتي تحظى باحترام الناس وثقتهم”، مستنداً الى الارتياح المتوقّع لدى الرأي العام عندما يرى حكومة من هذا المستوى، مما يجعله لا يتجاوب مع حملات تحريض وتهويل قد تستهدفها. وفي الوقت نفسه لم يكن سلام “مغلقاً” أو مستعجلاً الى درجة اعلان الحكومة فوراً، بل انه من خلال قنوات اتصال مختلفة أبرزها بقيادة وليد جنبلاط كان ينتظر معطيات جديدة تؤدي الى تفاهم أقله على الخطوط العريضة، فتأتي الحكومة الجديدة استكمالاً لجو التلاقي والارتياح الذي نجم عن تقاطع فريقي 8 و14 آذار على “الاقتراع” لتمام سلام رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة.
وبينما كان هاجس سلام ولا يزال “عدم خذلان الرأي العام والوفاء للناس الذين عبّروا عن فرح وارتياح” لتكليفه، كان إيقاع المشاورات يسير ببطء بدا له “متعمداً أحياناً، بهدف الاقتراب أكثر فأكثر من موعد جلسة مناقشة قانون الانتخاب (اليوم) فيؤجل تشكيل الحكومة ريثما يعرف أسود خيط القانون من أبيضه، فكان القرار بإعطاء فرصة جديدة للمشاورات بتشجيع من جنبلاط قبل أن يتوجه الى جدة للقاء الرئيس سعد الحريري زعيم “كتلة المستقبل” الوازنة في مجلس النواب، وبعض المسؤولين في المملكة العربية السعودية التي “فتحت” قبل مدة ومن خلال سفيرها في لبنان علي عواض العسيري على طرفي الاصطفاف السياسي في 8 و14 آذار وبات دورها أكثر تأثيراً في تقريب وجهات النظر.
إذاً، مع ميله الى اعلان الحكومة في أقرب وقت، كان الرئيس المكلف في الوقت نفسه منفتحاً على التريث ولكنه كان ينتظر معطيات جديدة تبرر هذا التريث في حين كانت الاتصالات تراوح مكانها وتسير بوتيرة أبطأ: “الثلث المعطّل أو لا حكومة”، وقد جاء الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ليكرس استمرار الخلاف من خلال تلك “المعادلة”.
ومع إنسداد أفق تجاوز الخلاف حول “الثلث الضامن” وفق فريق 8 آذار، وجد سلام نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما إعلان الحكومة “حكومة تريح البلاد ولا تستفز أحداً” وإما الانتظار، وإما الاعتذار عن عدم الاستمرار في قبول التكليف. بقي الهدف تشكيل الحكومة وطويت فكرة الاعتذار، وبات الانتظار مقبولاً الى ما بعد اجتماعات الهيئة العامة لمجلس النواب، وها هي اليوم والانظار شاخصة اليها والى دور يبحث عن بطل… ومَن أولى بأداء هذا الدور غير رئيس مجلس النواب؟ وأما الدور، فبالتأكيد هو “حياكة” مشروع حل وسط يفضي الى ولادة قانون جديد للانتخابات! هكذا بدا نبيه بري ووليد جنبلاط نجما المشهد السياسي المفتوح على عنوانين كبيرين ومفصليين: قانون الانتخاب والحكومة الجديدة.
وأما الزيارة – الحدث من سلام لبري، فيبدو أنها لم تكن مفاجئة، إذ تقول مصادر مطلعة إنها كانت في ذهن الرئيس المكلف محتفظاً بتوقيتها عشية الجلسة بحيث لن يتمكن من حضورها لكونه مكلفاً تشكيل الحكومة، وتنقل عنه قوله إن “الزيارة كانت أكثر من طبيعية لرئيس السلطة التشريعية قبل جلسة مفصلية مخصصة لبحث قانون يختصر ملامح المرحلة المقبلة وكذلك الحكومة”.
ولم يتوقف سلام عند بعض الآراء المعارضة للزيارة والتي كانت تقترح تأجيلها، بل أصر عليها معتبراً ان لقاءً مع “أبو مصطفى” في هذه اللحظة السياسية أكثر من ضروري، ورافضاً إدراجها في إطار الضغوط الناجمة عن الحملة التي شنت عليه أخيراً من فريق 8 آذار وبمشاركة من بري.
وأياً تكن نتائجها – وهي لم تحمل جديداً على كل حال – إلا أنها بددت أجواء التشنج، وأعادت الأمل بإمكان تجاوز الخلاف حول الثلث “الضامن” أو “المعطّل”، وقد طغى قانون الانتخاب على كل ما عداه وبات الحدث الذي تنتظر الحكومة “تداعياته”، وأصبحت الحكومة في إجازة لأسبوع على الأقل وبقي كل شيئ على حاله في المواقف، سواء من جهة الرئيس المكلف أو من جهة 8 آذار…
وفي الانتظار، يبقى من المؤكد أن طبيعة القانون الجديد للانتخابات، اذا تم التوصل الى هذا القانون – سترخي بظلالها على التشكيلة الحكومية وعلى خيارات الرئيس المكلف ولم يعد حسمها بعيداً!
النهار