كلام سياسة .. فى عربة النساء؟!

 

metroo

 

محمد على إبراهيم

 

فى يونيو 1987 أفتتح عمده باريس – جاك شيراك الذى صار رئيساً لفرنسا بعد ذلك – المرحلة الأولى من مترو الأنفاق بصحبة الرئيس السابق مبارك .. استرعى نظر الضيف الفرنسى تخصيص عربة للسيدات فغضب وقال ” هل ما زلتم تميزون بين الرجال والنساء وتمنعون الأختلاط ” .. ورد عليه رئيس جامعة القاهرة آنذاك د. مفيد شهاب وقال له أنه ليس تمييزاً والدليل الأختلاط فى الجامعات والمدارس والوزارات والهيئات .. وشرح مفيد لشيراك أن السيدات يملنّ إلى الخصوصية عندما يتحدثن ويتعارفن .. وأضاف د. مفيدً أن نساء مصر كن يركبن الترام فى عام 1919 فى عربة السيدات ويهبطن منها للمشاركة فى المظاهرات جنباً إلى جنب مع الرجال  قبل 70 عاماً .. واقتنع شيراك بعد أن كان يريد أن ينقل لحكومته إلغاء مشروع مترو الأنفاق ..

 

تذكرت الواقعة بعد أن طلبت من صديقه أن تسجل لى ما يحدث فى عربة السيدات بمترو الأنفاق على تليفونها المحمول ومن محطات مختلفة .. فمعلوماتى أن عربة السيدات فى المترو هى ” خزانة أسرار مصر” .. منها تعرف مستوى المعيشة .. معاناه الموظفين .. أخبار العلاوات والترقيات .. برامج التوك شو الأكثر مشاهده وأشهر المذيعين .. أنها ” صندوق سحرى ” لو سمعت ما بداخله من كلام طبيعي وتلقائى يخرج من السيدات العاملات والأرامل والمتزوجات والشابات ، فأنك لن تكون بحاجة للإنصات لعلماء أجتماع وأقتصاد يحللون لك بنظريات وأبحاث  عن وقائع التغيرات التى طرأت على مصر بعد الثورة ..

 

الصديقة التى سجلت حوارات السيدات المحترمات فى المترو لم تسجلها خلسه وأنما قالت انها طالبة وعليها أن تكتب تحقيقاً عن معاناه المرأة المصرية أقتصادياً وأجتماعياً ومدى أستفادتها من الثورة .. وافقن على الفكرة وطلبن فقط الأشارة إليهن بأسماء غير حقيقية والأكتفاء بمنطقة السكن أو الوظيفة .. وقد كان .. وطبعاً لن تجد سيدة تخبرك بعمرها الحقيقي ..

 

“عائشة ” المحجبة  “مدرسة” تسكن فى الحلمية قالت : أنتخبت الأخوان والدكتور مرسي لأن برنامج النهضة كان أكثر من رائع عند شرحه فى التلفزيون ، ثم أكتشفت أنه نظرية ” غير قابلة للتطبيق ” ..

 

“عبير” موظفة فى وزارة الأسكان ويبدو من صوتها أنها شابة ” ثلاثينية ” قالت أنها أيضاً أختارات الأخوان لحنقها على الرئيس السابق ونظامه وحزبه وفلوله .. وأضافت أنها متزوجة حديثاً وزوجها يعمل بعد الظهر لزيادة دخله ، ومرتبهما معاً 800 جنية بالإضافة لحوافز متغيرة .. كانت تكفيهما وأبنهما الصغير قبل الثورة .. والآن صارت تقترض من يوم 20 فى الشهر .

 

“مديحة” طبيبة بمستشفي الهلال بشارع رمسيس قالت أنا بأحسبها بشكل تاني خالص .. وتوقف حديث الأخريات الذى كان متداخلاً تكاد تفسره بصعوبة بالغة .. أنتظرن الأجابة فقالت ” أنا بأحسبها بصينية البطاطس .. وبعد صمت أنتظاراً للأجابة قالت ” أنا بعمل 2 كيلو بطاطس معاهم حوالى كيلو جرام لحمة .. زمان كان ال2 كيلو بخمسة جنيهات أو ستة .. وبعد الثورة أصبحوا بعشرة جنيهات وأرتفع كيلو اللحم إلى 50 جنيهاً بعد اربعين جنيهاً ( لاحظ انها تتحدث عن لحوم الجمعية ) أذن الصينية التى كانت ب45 جنيهاً أصبحت الآن ب60 جنيهاً .. وتستطرد أنها وزوجها وأبنها يأكلون الصينية على يومين أو ثلاثة لأنها لظروف عملها لا يمكنها الطهى يومياً .. واحياناً تعيش على سندويتشات لانشون وجبن أبيض أو رومى او تونه .. وهذه لها ميزانية 150 جنيهاً أسبوعياً .. وأختتمت حديثها قائلهٍ ” أحسبوها أنتوا بقى ” ..

 

أما “شهيره” المديره ببنك قطاع عام فبدا من كلامها أنها الأيسر حالاً والاكثر ثراءٍ فهى تستقل المترو إلى محطة كوبرى القبة حيث ” تركن ” سيارتها هناك ثم تستقلها إلى منطقة الكوربه بمصر الجديدة حيث تسكن فى إحدى عمارتها القديمة بالإيجار ..شهيره هانم لا تواجه كباقى الراكبات المشاكل الأقتصادية التى تزداد سوءاً كل يوم خصوصاً بعد أرتفاع أسعار الخبز والدواجن والمواصلات والبوتاجاز والسولار ، لكن مشكلتها أنها ترى  موكب الرئيس وهو عائد لمنزله وتقول أن مصر الجديده بل ومصر كلها أنقسمت إلى معسكرين منذ مجئ د. مرسي .. قالت أن الكوربه كانت جميلة مثل مصر ، لكنها أنقسمت الآن .. فالليبرالين كتبوا على جدران الأتحادية والشوارع المؤديه لها ” الأخوان المجرمون ” ، ورد عليهم الأخوان ” البرادعي عميل أمريكا ” .. الليبراليون كتبوا أن الدستور مسلوق .. والأخوان قالوا أنه أفضل دستور فى التاريخ ..

 

وقالت “حميده” العائده إلى منزلها فى المرج بعد أن صححت بيانات معاش زوجها بعد الزيادة التى قررها الرئيس مرسي للمتقاعدين ” الرئيس كتر خيره ، لكن نفسي يبص للغلابه قوى ” ..

 

والحقيقة أننى بعد ان أصغيت لهذا الحوار النسائى التلقائى ، بدأت اؤمن أن عربة السيدات فى مترو الأنفاق تحولت إلى ” ميني مصر ” ، وهى تتحدث عن بلدنا التى كانت والتى صارت .. كانت للمصريين جميعاً .. وأصبحت للأخوان والليبرالين .. وللأسف كان الجميع – وخصوصاً السيدات اللاتى يحملن عبء ميزانية الأسرة – يعتقدون أن الجماعة ستأتى بالخير لمصر ، فإذا بها تجلب الفرقة والأنقسام ..

 

وفى المساء كنت فى زيارة عائلية ،فأذا بخمس سيدات من الأسرة يدخلن غرفة ويعلو صوتهن متجادلات حول أحداث المقطم .. منهن من أعتبرها بلطجة وأستفزاز وأعتداء لا مبرر له على مكتب الأرشاد فى المقطم وتهديدا وتحريضا على  أختطاف أسرى أو رهائن .. ومنهن من أفتى بأنهن وأن كن يختلفن مع العنف غير المبرر والاعتداء على منشآت وألحاق الضرر بالمساجد والمنازل المجاورة لمكتب أرشاد المقطم ، إلا أنهن يرين ان ذلك جاء ردا على أحداث الأتحادية التى تم فيها ضرب الثوار وتعذيبهم وأخذهم كأسرى ورهائن .. وقلن العين بالعين والسن بالسن والحرمات قصاص ..

 

هنا وجدتنى مضطراً للتدخل قائلاً ان اليوم الذى سيتربص فيه المصريون بعضهم ببعض ويتحولوا إلى عائلتين كبيرتين تأخذان بثأرهما كل يوم أنتقاماً لدماء سالت هنا وضحايا سقطوا هناك .. ساعتها أقرأوا الفاتحة على روح مصر الطاهرة التى  لن نتنبه من غفلتنا إلا ونحن ندفنها بأيدينا ..ولا حول ولا قوة إلا بالله ..

 

محيط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى