الأخبار

توقعات بتراجع معدلات نمو الاقتصاد

33

 

 

 

رجح خبراء اقتصاديون ورجال أعمال أن تسهم الحملة التصحيحية التي تجري الآن في سوق العمل السعودية، في الحد من حجم النمو الهائل للاقتصاد الخفي في البلاد خلال السنوات المقبلة، والذي يعتمد على جرائم التهرب الضريبي والتحايل على القوانين والإجراءات الحكومية لممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، بالإضافة إلى جرائم السرقة والنصب والاحتيال والابتزاز، وغيرها من الجرائم ذات الدوافع الاقتصادية.
وقال عدد من الخبراء الذي شاركوا أخيرا في منتدى جدة للموارد البشرية أن السعودية ستبدأ فعليا بتوفير نحو 36 مليار ريال سنويا، بعد أن تم ترحيل نحو مليون عامل وافد غير نظامي داخل البلاد خلال الفترة الأخيرة سواء أولئك الذي خرجوا طواعية واستفادوا من المهلة التصحيحية أو أولئك الذين يتم القبض عليهم، مشيرا إلى أن هذا النوع من العمالة كانت تدير اقتصادا خفيا بلغ بنهاية العام الهجري الحالي نحو 330 مليار ريال. وقال الدكتور عبد الله صادق دحلان، رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا، في ورقة عمل قدمها أمس بعنوان (تأثير القرارات من ناحية قطاع الأعمال) في منتدى جدة للموارد البشرية، إن الحكومة السعودية تسعى حثيثا لتنفيذ خطتها التصحيحية لأوضاع العمالة غير النظامية العاملة، وهي الخطة التي ثار الجدل بشأنها، حيث رأى البعض أن عملية التصحيح تلك قد تنتج عنها آثار سلبية نظرا لما قد يحدثه تصحيح أوضاع تلك العمالة من تسريح لتلك العمالة ومن ثم التأثير في هيكل عرض العمالة، خصوصا في القطاع الخاص. إلا أن البعض الآخر رأى أن ذلك قد لا يكون صحيحا كليا، فتصحيح أوضاع تلك العمالة قد يوفر للسوق السعودية المزيد من الوظائف والأعمال التي يمكن أن يمتهنها السعوديون، ومن ثم تتقلص معدلات البطالة وتزيد معدلات التشغيل.
من ناحية أخرى، فإن ترحيل العمالة غير الشرعية سيحفظ للسعودية كمية كبيرة من رأس المال كان يتم تحويلها للخارج، وعوضا عن ذلك سيتم الدفع بتلك الأموال كرواتب للعمال السعوديين الجدد، وهو ما يسمح بزيادة معدلات الادخار والإنفاق الداخلي، دافعا الاقتصاد السعودي إلى النمو بفعل حركة السوق الداخلية.
وأشار إلى أن مؤشرات البيانات والإحصائيات الصادرة عن البنك الدولي في تقرير الهجرات والتحويلات المالية لعام 2011، أكدت أن السعودية تقع في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث معدلات التحويلات المالية الصادرة بواقع 28 مليار دولار.
وفي ضوء الإقبال الشديد من العمالة الوافدة على العمل في السعودية، فإن تلك القيمة من المتوقع لها أن تزيد بنسب عالية خلال الأعوام القادمة، خصوصا إذا ما أخذ في الاعتبار أن العمالة الوافدة غالبا ما تتجه للعمل في القطاع الخاص (تستحوذ العمالة الوافدة على 90 في المائة من إجمالي العمالة في القطاع الخاص)، نظرا لعدم إقبال العمالة السعودية على العمل به، بسبب تدني أجوره مقارنة بالقطاع العام، فضلا عن أن العمالة الوافدة لديها الاستعداد للعمل تحت أي ظرف، وهي الميزة التي قد يفتقدها العامل السعودي.
كل تلك الأسباب دفعت معدلات البطالة إلى الزيادة بشكل مطرد، خصوصا بين فئات الشباب والخريجين، حيث ارتفع إجمالي العاطلين (الذكور والإناث) في عام 2012 بنسبة 2.8 في المائة، بواقع 17 ألف عاطل، ليبلغ 603 آلاف عاطل، مقابل 586 في عام 2011.
وأكد الدحلان، أن معدل التحويلات من العمالة الأجنبية خلال الفترة من 2000 إلى 2010، قدر بنحو 67 مليار ريال سنويا، أي ما مقداره 6.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.
وبين أن برنامج التصحيح أسهم في تسريح ما يقارب من مليون عامل، في ظل توقع بتسريح ضعفهم خلال العام المقبل، مبينا أن حجم التحويلات النقدية للمليون عامل الذين تم تسريحهم يبلغ 36 مليار ريال، ذلك إذا أخذ في الاعتبار أن كل مقيم من هؤلاء العمال يصرف من دخله 25% داخل البلاد، في حين يقوم بتحويل 75 في المائة للخارج. وإذا ما تم إحلال العمالة السعودية محل تلك التي تم تسريحها، فإن ذلك يعني أن الدولة سترفع من نسب التشغيل لديها في مقابل تقليص نسب البطالة من ناحية، ومع تطبيق الحد الأدنى لأجور العمالة السعودية، فإن إجمالي المبالغ سيتضاعف، وبالتالي ستزداد نسب الإنفاق على جميع السلع والخدمات التي يقدمها القطاعان العام أو الخاص من ناحية أخرى.
وأوضح دحلان «إن القول بوجود أثر سلبي لتسريح العمالة على القطاع الخاص قد يكون مقولة لا تجد لها من المنطق ما تستند إليه. وعلى الرغم من أن القطاع الخاص، والمجتمع السعودي ككل، قد يستشعران بشكل سلبي غياب العمالة غير الشرعية، نظرا لتوقف الأنشطة التي كانوا يداومون على العمل بها، إلا أن ذلك الأثر السلبي لن يستمر طويلا مع إحلال العمالة السعودية محل تلك التي تم تسريحها».
وفي السياق ذاته، حذر الدكتور خالد البسام، أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز، من ارتفاع نمو الاقتصاد الخفي في السعودية بسبب الآثار السلبية التي يخلفها، مشيرا إلى أنه ينمو بمعدل 7 في المائة سنويا، معتبرا ذلك رقما كبيرا.
وأكد أن الحل الذي يحد من نمو الاقتصاد الخفي هو فرض العقوبات والأنظمة الصارمة لمحاربته والقضاء عليه في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى أنه مرتفع جدا في الدول النامية، في حين أنه منخفض جدا في الدول المتقدمة التي تفرض أنظمة قوية.
من جانبها، استعرضت الدكتورة ماري قعوار، المستشارة الإقليمية للمهارات والقدرة التشغيلية في منظمة العمل الدولية، خلق وظائف أكثر وأفضل للسعوديين، حيث تناولت واقع وتحديات سوق العمل في السعودية.
وأشارت إلى ضعف التنويع الاقتصادي وتنامي جودة التعليم والتدريب مقابل سوق عمل تعتمد على المهارات المحدودة واعتماد القطاع الخاص على اليد العاملة الأجنبية منخفضة الأجر، مما أدى إلى انخفاض مستويات الأجور في هذا القطاع وتفضيل العمال السعوديين العمل في القطاع العام المقرون بأجور أعلى.
وبينت قعوار أن القوى العاملة السعودية تبقى أقلية في القطاع الخاص، دون تحسن ملحوظ على مر السنين، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى تفاوت الأجور بين المواطنين والعمال الأجانب، مشيرة إلى أن زيادة عدد العمال الأجانب أدت إلى تباطؤ في الدخل الفردي، مما جعل من الضروري وضع السياسات اللازمة للحد من هذه المشكلة.
واستعرضت استراتيجية التوظيف السعودية باعتبارها مبادرة وطنية شاملة ومفصلة تغطي فترة زمنية تبلغ 25 سنة، وتهدف إلى التوظيف الكامل للسعوديين وزيادة مستديمة في مشاركة الموارد البشرية الوطنية في القوى العاملة، وإلى الارتقاء بإنتاجية العامل لتضاهي نظيره في اقتصاد الدول المتقدمة، في حين تقوم الاستراتيجية على أسس سليمة يبقى تنفيذها مسألة تحد.
ودعت قعوار لوضع سياسة أجور فاعلة قادرة على ضمان حياة كريمة لجميع المواطنين، بحيث تكون قادرة على رصد وتقييم الأوضاع في مختلف القطاعات بصورة مستمرة، وفقا لأهداف التنويع الاقتصادي وأهداف السعودة. بناء عليه، من الواضح أن السعودية بحاجة إلى سياسة أجور متينة ونظام لتحديد الأجور أسوة بما هو معتمد في بلدان أخرى مرتفعة الدخل، ما من شأنه أن يشمل الحد الأدنى للأجور الذي يعد أمرا حساسا جدا، ويجب معالجته والبت فيه بناء على التشاور بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل.

 

 

الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى