الأخبار

السخط السياسى يتصاعد

68

حسن عماد مكاوي يكتب:

مرت تسعة أشهر على اعتلاء الدكتور محمد مرسى حكم مصر بعد الاحتكام إلى الصندوق فى أول انتخابات رئاسية حقيقية تشهدها مصر، وطوال هذه الفترة لم يشهد المواطن المصرى أى تطور إيجابى فى ظروفه المعيشية، بل انحدرت أحواله الاقتصادية على نحو غير مسبوق، فأسعار الغذاء والكساء فى تزايد مطرد، والمسكن الصحى الإنسانى غير متاح، والرعاية الصحية بعيدة المنال، وأزمة السولار تتفاقم ويبدو أنها لن تشهد انفراجة قريبة، والصراع بين أصحاب المخابز ووزير التموين يتصاعد بطريقة درامية، وأزمات المرور والنقل تزداد تعقيداً، وفقدان الشعور بالأمن والأمان يسود الشارع المصرى، فالسطو على الأفراد والممتلكات يحدث فى عز النهار، وانتشار التحرش وهتك الأعراض والجرائم بكل أنواعها أصبح من الأمور الاعتيادية، والعدالة البطيئة جعلت الناس يقيمون حد الحرابة ويوسعون البلطجية ضرباً وسحلاً وتنكيلاً وقتلاً فى مشاهد يندى لها الجبين، وتخالف طبيعة وأعراف المصريين. وعلى الصعيد السياسى انقسم المصريون إلى فريقين متصارعين، وساد منطق المغالبة واستعراض القوة على منطق الحوار والإيثار والبحث عن القواسم المشتركة التى تحقق الصالح العام، وانهارت الكرامة الإنسانية التى كانت أحد البواعث الأساسية لثورة يناير، فمن ضرب وسحل وتعرية للمواطن حمادة صابر أمام قصر الاتحادية، إلى صفع سيدة مصرية مسالمة من أحد بلطجية الإخوان بكل قسوة وسادية على أعتاب مقر مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين بالمقطم مما أثار حفيظة قطاعات عريضة من الشعب حيال عنف الجماعة غير المبرر، فالعنف يولد العنف مما أدى إلى حدوث حرب شوارع واقتتال فى منطقة المقطم المقر الرئيس للإخوان، وتحولت مدينة المقطم إلى جبهة قتال شرس بين شباب الجماعة والمتظاهرين المشاركين فى جمعة «رد الكرامة»، وتبادل الطرفان إطلاق الحجارة والمولوتوف والخرطوش رغم انقطاع الكهرباء فى ميدان النافورة، وتسابق الطرفان فى تنفيذ خطط تكتيكية للسيطرة على الموقف والنيل من الآخر، وتبادل الاستحواذ على المواقع الاستراتيجية لإيقاع أكبر خسائر ممكنة بالطرف الآخر، وأسفرت تلك الاشتباكات العبثية عن 206 مصابين من الطرفين.

أدى هذا الانفلات الأمنى إلى تصاعد حالة السخط السياسى لدى المصريين فى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين ونظام الحكم بأكمله. ويرتكز مفهوم السخط السياسى فى شعور المواطن العادى بحالة من العجز عن الفعل، والتشكك فى الحكام، وانعدام الثقة فى العملية السياسية برمتها كنتيجة لعدم استجابة نظام الحكم لتطلعات المواطنين وانسداد الحراك السياسى، مما جعل العديد من المواطنين يشعرون بالعزلة وبأن نظام الحكم لا يعبر عنهم ولا يسعى لعلاج مشكلاتهم المتفاقمة. ومن المتوقع أن ينتج عن هذه الحالة تراجع معدلات المشاركة فى الانتخابات، وانخفاض الفاعلية السياسية، والانقلاب على مبادئ الديمقراطية وقد تجلى ذلك بوضوح فى مناشدة القوات المسلحة التدخل، وعشرات الآلاف من التوكيلات للفريق السيسى لإدارة شئون البلاد. يزداد شعور المواطن بالسخط السياسى حين يجد القادة لا يفكرون إلا فى مصالحهم الشخصية، أو مصالح الجماعة التى ينتمون إليها، وهو ما يشعر به المواطنون حالياً تجاه الرئيس محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، كذلك يحدث السخط السياسى نتيجة فقدان الثقة فى الأداء الحكومى فى ظل الشعارات الجوفاء التى يطلقها المسئولون دون أن يكون لها نصيب من الواقع، وحين يبحث المواطنون عن العدالة الاجتماعية فلا يجدونها، وحين يرون التغيير فى الأشخاص وليس فى السياسات.

كذلك يمتد السخط السياسى إلى رموز المعارضة أيضاً، فهى تبدو عاجزة ومحبطة ومفتقدة الخيال وليس لديها بدائل واقعية للخروج من النفق المظلم الذى يسيطر على العملية السياسية برمتها.

حذارِ أيها القادة والرموز من أركان الحكم والمعارضة من حالة السخط السياسى التى تجعل المواطن أكثر سلبية ولا مبالاة حيث يمكن أن تتحول هذه الحالة الكامنة إلى فعل ثورى ظاهر من جانب الجماهير المحبطة تُغرق الجميع فى بحور من الدماء، وفى هذه الحالة لا مناص من استدعاء القوات المسلحة المملوكة للشعب لإعادة الأمور إلى نصابها، فمصر باقية والأفراد زائلون.

الوطن

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى