أسامة هيكل..كتاب إبراء الذمة

hekall

 

 

فى أحد أفلام الفنان كريم عبد العزيز، يحاول استقطاب فتاة ليل لاستخدامها فى أمر ما، تتمنع، تسبّه، يهدئها، ويسألها بجدية مصطنعة «هو ليه البنات الـ… كده (يقصد فتيات الليل) بقى خلقهم ضيق كده»؟ لا أعرف لماذا تذكرت هذا المشهد وأنا أقرأ كتاب مذكرات وزير الإعلام السابق أسامة هيكل الذى عنونه بـ«150 يومًا فى تاريخ مصر»، ووضع له عنوانا فرعيا ملفتا «حقيقة فى زمن الكذب».

 

أسأل، بجدية حقيقية، لماذا أصبح «خُلْق» المسؤولين فى ماسبيرو ضيقًا؟ لماذا أصبحوا لا يطيقون النقد ولا يتركون فرصة حتى يهاجموا الجميع وبضراوة؟ لم يترك عبد اللطيف المناوى ومن بعده أسامة هيكل طريقة إلا واتبعوها للرد على كل من انتقد أداءهم كمسؤولين عما يبث على الشاشة التى فقدت مصداقيتها ومتابعيها منذ أمد بعيد، لكن الكتب كانت أسلوبا جديدا، يحتاج إلى وقفة وقراءة دقيقة. الكتب وحدها تبقى، وما يُكتب فيها يُسجل، ليس كالكلام العابر الذى يمر على الشاشة، وإن كان هذا أيضا وجد طريقه إلى التسجيل.

 

كتاب هيكل هو الثالث بعد كتابين للمسؤول السابق عبد اللطيف المناوى لإبراء الذمة، الظاهرة ملفتة، لكنها جديرة بالاحترام، أن يسجل المسؤول آراءه فى كتب، هذا شىء محمود، لكن أن يحاول إبراء ذمته وهو هارب فى الخارج فهذا شىء مخجل، أيضا أن يعمم المسؤول ويفترض أن الإعلام فاسد كله، فهذا غريب من أشخاص يقولون إنهم أفنوا أعمارهم ممارسين لهذه المهنة. من حق الوزير طبعا أن يفترض أن ما يقوله هو الحقيقة، لكن دون الإصرار على افتراض كذب الآخرين.

 

فى شهادة الوزير السابق يروى كيف تولى المسؤولية، تفاصيل الاختيار والتمنع، وما قيل فى الكواليس، يتحدث عن مشكلات ماسبيرو وأهم الأزمات وكيف أسهم فى حلها، وكيف ومن عطله عن حل ما تبقى، كل هذا من حقه. هذه وجهة نظره، وطريقة نظرته إلى الأمور وقتها، لكن الملفت أن يبدأ بإدانة الجميع، لا يجد الوزير حرجًا فى طعن المهنة التى ينتمى إليها وإدانتها (فقط حين أصبح فى مرمى نيرانها) يقول فى الصفحة الأولى من كتابه إن المهنة أصابها العطب «شأنها شأن أمور كثيرة فى مصر خلال 30 عامًا مضت»، فأصبحت تعتمد فى رؤيتها على الانطباعات والأهواء، يقول إن أخبارا كثيرة مما تنشر مجهلة، ورغم ذلك تجد طريقها للصفحات الأولى، بينما الأصل هو الاستناد إلى مصدر معلوم.

تغيرت لغة الصحفى المعارض، فقط لأنه أصبح فى موقع المسؤولية، بمجرد أن أصبحت تصرفاته محسوبة، وأصبح أداؤه محل تقييم انضم إلى المعسكر الآخر، المعسكر الذى يرى أن الإعلام (كله) فاسد، والثوار ملوثون، وأصبح يردد مقولات من نوعيه أنه لا بد من السيطرة على الإنترنت وتحجيمه، أصبح الصحفى المعارض يتحدث بلغة الإحصائيات والأرقام التى تشير إلى كذا والمنحنى البيانى الذى يعنى كذا يقول: «الإحصائيات تشير إلى أن الفئة العمرية أقل من 35 عامًا تميل إلى هذا النوع من الإعلام وتتأثر به وتتفاعل معه، سواء كان ما ينشر فى المواقع الإلكترونية صوابا أم خطأ».

 

الغريب أنه لا يجد أى حرج فى أن يتحدث فى الصفحة المقابلة عن نبل «الأجيال الجديدة» التى كانت كطوفان المياه الذى أزاح مبارك ونظامه، متناسيًّا أن هذا الشباب نفسه هو من كان يطالب بالوصاية عليه، والسيطرة على ما يتعرضون إليه من برامج.

 

باستثناء أنه لم يجد سجادة صلاة فى مكتبه لم يكشف الكتاب جديدا فى ما يخص تعامل الوزير مع مشكلات ماسبيرو، فما كتبه هيكل لم يختلف كثيرا عما حكاه فى البرامج والمداخلات الهاتفية، خصوصا فى «مذبحة ماسبيرو»، لكن الملاحظ أنه على امتداد الكتاب لم يكن أبدا مدافعًا عن حرية الإعلام، بل كان ينتقد الأداء الإعلامى مضيفًا إليه الجرائد فى كل اجتماع وزارى تثار فيه هذه النوعية من المشكلات، كان الوزير يتبنى دائما الموقف المؤيد لوجهة النظر التى ترى أن الإعلام يجب أن يكون موجهًا، أن يراعى الظروف، وأن يفعل كذا وكذا، كان مشغولًا بالضوابط والقوانين، والأحاديث الغريبة عن الثوار، يحكى كيف أن بعض الثوار كانوا يذهبون إليه سرا من وراء زملائهم، وكيف كان بعضهم يعمل لمصلحته الشخصية.

 

يقول «كان بينهم اثنان كنت قد التقيت بهما فى مناسبات مختلفة قبل تولى الوزارة، فاستقبلتهما بشكل بدا منه العلاقة السابقة، فغضب أحدهما، وترك الاجتماع، وحينما سألته عن السبب، أخبرنى أن بقية الثوار سيشكون فيه لأنه يعرف وزير الإعلام، فاستأت جدّا من الحوار، فما دمت لا تفعل شيئا خاطئا، فلماذا الخجل؟ وخلال الاجتماع قام أحد الحاضرين ويدعى ع. ع. ويرأس ائتلافا ثوريّا، ولم يتحدث فى الإعلام، لكنه قال إن ثوار التحرير يرفضون وجودك، وأن عودة وزارة الإعلام تعد تراجعًا عن حرية الإعلام، ويجب عليك أن تستقيل، ثم انصرف تاركًا الاجتماع، وبعد مغادرته أخبرنى الباقون بأن هذا الشاب لا علاقة له بالثورة، لكنه كان يعمل فى الإمارات، وعاد منها فى 1 مارس 2011 أى بعد رحيل مبارك بثلاثة أسابيع، وركب موجة الثورة».

 

ويستمر الوزير فى قصته فيقول إنه فوجئ بالشخص نفسه يتزعم مظاهرة من 50 شخصًا تهتف ضده والمجتمعين معه، «وكانت هذه الواقعة صادمة لى جدّا، ووجدت أن ليس كل من يدعى أنه ثائر يمكن تصديقه أو التعامل معه.. خصوصا أننى وجدت طلبات من بعضهم إما بعمل برامج أو الظهور فى برامج، وكانت إجابتى أن هذا ليس عملى كوزير».

 

سيادة الوزير السابق ألم يكن الدفاع عن حرية الإعلام أجدى وأبقى من تشويه الثورة والثوار وأحاديث الوصاية؟

 

الدستور الاصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى