الأخبار

“يلا عقبالكن”… إذا هجم النصيب

12

يقال إن الزواج يشبه بطيخة، لا ندري إن كانت حمراء او بيضاء قبل تجربتها. نحن اختبرنا موهبة نيبال عرقجي في حمل ثلاث بطيخات (الانتاج وكتابة السيناريو والتمثيل) في شريطها الدرامي الاجتماعي الأول “قصة ثواني”، لكن ليس في كل مرة تسلم “البطيخات” كلها، بدليل شريطها الثاني الكوميدي- الدرامي- الاجتماعي “يلا عقبالكن” الذي يتناول نظرة المجتمع اللبناني الى النساء العازبات اللواتي سيبقين “ناقصات” برأيه إن لم “يكمّلها” الله معهن بالزواج.

صحيح أن موضوع شريطها اجتماعي- نسائي نوعاً ما، لكن عرقجي لم تختر مخرجة أنثى (كما في فيلمها الأول من إخراج لارا سابا). لقد فضلت الاعتماد على الحس الفكاهي للمخرج ايلي خليفة الذي سبق وقدّم أفلاماً كوميدية قصيرة وساخرة من كتابته مثل “تاكسي سرفيس” و”مرسي ناتكس” و”فان اكسبرس”، إضافة الى شريط طويل هو “يا نوسك” عام 2010. وكما جمعت في فيلمها الاول ثلاث شخصيات حول المأساة الانسانية التي قد تصيب الغني والفقير في الثانية عينها، تجمع عرقجي في فيلمها الثاني أربع شابات قاربن الأربعين وكلهن ميسورات ومثقفات (ليتها أدخلت شخصية متوسطة الحال أو فقيرة للتنويع وكسر النمطية). مأساتهن “كوميدية” هذه المرة وتتمثل في “نصيبهن” الذي لم يهجم بعد. الأولى هي تالين (ندى بو فرحات) صاحبة معرض فني، متحررة في علاقاتها العاطفية العديدة، ولا تسعى الى الارتباط لأنها تخشى الفشل وتحاول ابعاد جارها (ماريو باسيل في دور عن شخصيته التقليدية) المغرم بها. الثانية ياسمينا (دارين حمزة) خبيرة تجميل، على علاقة بطبيب مصري (أيمن قيسوني) تكتشف لاحقاً أنه متزوج، وتعاني ضغوط والدتها (البارعة جوليا قصار) لتزويجها. اما الثالثة، الطبيبة زينا (مروى خليل) فمثالية في نظرتها الى الحب لكن حظها سيئ مع الرجال. وآخر العازبات نيبال عرقجي (ليان) مصممة أزياء مرتبطة برجل متزوج (بديع ابو شقرا) وتثق بأنه سيتخلى عن زوجته من أجلها.

في قالب كوميدي، درامي، اجتماعي خفيف، يعالج الفيلم واقع تأخر سن الزواج لدى الفتيات، والضغوط التي يمارسها المجتمع عليهن. هذا الواقع ليس محصوراً بمجتمعاتنا الشرقية، بدليل سلسلة Bridget Jones’s Diary، لكن الفيلم تناوله من وجهة نظر لبنانية، مظهراً الخصائص و”الإنسايتات” الخاصة بمجتمعنا حيال هذا الموضوع. لقد قدم خلطة فيها الكثير من مكونات Sex And The City وشريط “كاراميل” لنادين لبكي، لكنها اقل خفة من الاول، واقل عمقاً بكثير من الثاني.
مشكلة “يلا عقبالكن” تكمن في السيناريو السطحي بعض الشيء الذي حفل بكثير من الكليشيهات الواقعية طبعاً، حول ما تعانيه كل شابة لبنانية تأخرت في الزواج أو ترفضه لأسباب مختلفة. وهذا ما حوّل الفيلم عرضاً ليوميات صديقات، يمطّ ويتكرر كثيراً بمحطاته وحواراته (كان يمكن تلافيه بالمونتاج)، ويدور في الفلك نفسه ولا يعكس صورة المجتمع كله، بل فئة مستقلة معنوياً ومادياً. عرض جاء أشبه بسلسلة اسكتشات متلاحقة، لكنها لا تغوص في العمق ولا تلامس فئات المجتمع كلها، والأهم أنها لم تؤثر فينا. صحيح أن حكايات الفتيات ستتصاعد، لكن معظمها متوقع ونحن سنشعر منذ البدء بأن المتزوج لن يترك زوجته من أجل حبيبته، والخائفة من الارتباط ستحل عقدتها، والمريضة لن تموت، والنهاية السعيدة في انتظار الجميع.

في المقابل، الفيلم مسلّ في بعض محطاته، وجميل بأناقة صورته وتصويره، وخصوصاً بأداءات بطلاته اللواتي بلغن فعلاً أواخر الثلاثينات ولم يتزوجن بعد. أولئك الممثلات هنّ ما يميّز الشريط ، وخصوصا ندى أبو فرحات المقنعة في دور كأنه فصّل لها لأنه بشبهها قوة واستقلالية وجرأة وظرفاً. بدورها مروى خليل (ممثلة وكاتبة مسرحيات مثل “زنود الست” وwho killed Marilyn) اسرت انتباهنا بعفويتها ونجحت في ملامستنا. تحية كبيرة ايضاً للمتألقة جوليا قصار التي أضحكتنا في مشاهدها كلها. واللافت كذلك في الفيلم عفويته اللغوية، من دون ان يختبئ وراء اصبعه. صحيح أنه لا يمكننا التعميم، لكن لا يمكننا ايضاً انكار حالات متفشية في مجتمعنا مثل الخيانة والحرية الجنسية التي يقدمها الفيلم بصراحة وجرأة وإن بشكل سطحي.
الفيلم في الصالات اللبنانية جميعها.

النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى