الأخبار

«مسألة حياة أو موت» لمصر

hani raslan

 

 

قال الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن مجهودات الدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء، في ملف دول أفريقيا، والتي انتهت بزيارته لجنوب أفريقيا، تبدو جهوداً شكلية، لأنه عملياً لم يحدث شىء ملموس على أرض الواقع، خاصة في الملف الأخطر الذي يخص المياه وأزمة دول حوض النيل.

وأضاف «رسلان» في حوار لـ«المصري اليوم»، أنه يجب على رئيس الوزراء أن يحمل كل الملفات والدراسات الموجودة ويذهب للتفاوض مع القيادة الإثيوبية بشأن السدود الإثيوبية، لأن الأمر بات مسألة حياة أو موت.. وإلى نص الحوار.

  ما تقييمك لإدارة الحكومة الحالية لملف أفريقيا؟

–  أفريقيا تحتل موقعاً يبدو شكلياً على خريطة اهتمامات الحكومة، فما يظهر على السطح مثلاً أن ثمة حضوراً للرئيس مرسي في قمة الاتحاد الأفريقي، وقد حضر بعض الفعاليات الاقتصادية الأخيرة في جنوب أفريقيا وفي السودان، وهشام قنديل كان في زيارة لجنوب أفريقيا ولكنها جهود تبدو شكلية، وقد تؤشر إلى السعي لفتح صفحة جديدة مع أفريقيا، ويمكن أن نسميها جهود إعلان نوايا، لكن عملياً لم يحدث شيئاً ملموساً على أرض الواقع، خاصة في الملف الأخطر الذي يخص المياه وأزمة دول حوض النيل، فليست هناك تحركات فعلية أو ثمار ينتظر قطافها تتواكب مع حركة الزيارات.

 البعض يرى أن الخروج من المأزق الاقتصادي المصري يكمن في التوجه جنوباً، وإعطاء أفريقيا اهتماماً خاصاً.. كيف تقيم هذا الطرح؟

– هذا قول صحيح في منطوقه العام، لكن من الناحية العملية يحتاج إلى استراتيجية بعيدة الأمد ورؤية واضحة يتم تطبيقها على مراحل، لأن التبادل التجاري والاستثماري يواجه الكثير من المعوقات في أفريقيا، والاستثمارات تحتاج لبنية تحتية في معظم الدول الأفريقية، وهي ليست متوافرة بشكل كاف، ناهيك عن الاستقرار الأمني والسياسي في كثير من الدول الأفريقية.

 ما تقييمك لأداء الجانب المصري في تجمع «الكوميسا» الاقتصادي؟

– السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا «الكوميسا» هي منطقة تجارة تفضيلية تمتد من ليبيا إلى زيمبابوي وتضم في عضويتها 19 دولة وهي من التكتلات الواعدة في أفريقيا ولديها آليات لزيادة التبادل التجاري ورفع الحواجز الجمركية في إطار التعاون الاقتصادي، ولكن واقعياً مصر والسودان هما أكبر دولتين في تجمع الكوميسا من حيث التبادل التجاري، ولكن ثمة معضلات في تطبيق الاتفاقية، وإجمالاً وضع مصر في إطار تكتل الكوميسا معقول لكنه بحاجة لرؤية وطموح يهدف لتعظيم المزايا والمكاسب الاقتصادية منها.

 البعض اعتبر اتفاقية «عنتيبي» أو الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل بمثابة «لطمة» لمصر، خاصة عندما فوجئنا بتوقيع «بوروندي»، والذي أدخل الاتفاقية حيز التفعيل القانوني.. كيف تقيم ذلك؟

– لا يجب أن نأخذ اتفاقية «عنتيبي» بوصفها «لطمة» لمصر، لأن هذا التعبير يحمل قدراً من القسوة ويترجم الأمر بشكل عاطفي، والاتفاقية هي جزء من الصراع في حوض نهر النيل وبالفعل هناك صراع محتدم في حوض النهر، والاتفاقية يقف وراءها طرفان أساسيان هما إثيوبيا وأوغندا، ونلاحظ أن إثيوبيا في القرن الأفريقي، وأوغندا في إقليم البحيرات، وكل منهما يعمل وكيلاً للإدارة الأمريكية في منطقته وكلاهما لديه طموح إقليمي يتجاوز حدوده الوطنية، ومن ثم في هذا الإطار السياسي الاستراتيجي نجد أن قضية المياه تستخدم كأداة سياسية، فهي ليست لأغراض تنموية، والخلاف ليس فقط فنياً ولكنه يحمل في طياته بعداً سياسياً استراتيجياً، ولا يمكن لمصر أن تعالج أزمة المياه دون أن تعود إلى الساحات التي انسحبت منها من قبل، وخاصة حوض النيل والساحة السودانية والتي تمثل الخطر الأكبر بسبب الصراع الدائر هناك، ومصر للأسف غائبة عن هذه المسائل كلياً.

 هل لعبت إسرائيل دوراً في أزمة دول حوض النيل؟

– الدور الإسرائيلي غير مباشر، فهو دور محرض، وإسرائيل لها مصلحة في خلق أزمة في حوض النيل وأن تشتعل أزمة المياه بين دول الحوض، ومصلحتها تتمثل في جعل مصر محاصرة طوال الوقت ومشغولة بمشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنكفئة على ذاتها ومقيدة إقليمياً، أما الهدف الخفي فيتلخص في رغبة إسرائيل في موافقة دول حوض النيل على تمرير كمية من المياه التي تقتطع من حصص دول المنابع للأراضى الإسرائيلية عبر سيناء، وهو ما يمثل خطراً على الأمن القومي المصري.

  لماذا ترفض توقيع مصر على اتفاقية عنتيبي؟

– اتفاقية 1959 اتفاقية ثنائية بين مصر والسودان ولا يمكن أن تمس سوى بموافقة الطرفين، لكن تحفظات مصر على الإطار القانونى لا يشير ولا يعترف بالحق التاريخى لمصر، بمعنى أن حصة مصر التاريخية قد تتعرض لإعادة تقييم وبالتالي انتقاص تلك القيمة، والاعتراض الثاني بسبب عدم النص على مبدأ الإخطار المسبق بحيث يلزم أي دولة تريد أن تقيم منشأة على مجرى النهر أن تتشاور مع دول المصب، وهذا الإخطار هو قاعدة عامة ينص عليها القانون الدولي لتلاشي الضرر، وبالتالي توقيع مصر على اتفاقية عنتيبي دون الحصول على حلول وسط تضمن الحقوق المصرية يمثل إهداراً لهذه الحقوق وإذا وقعت مصر على الإطار سوف يبقى حجة لدول المنابع بأنه قد حل محل الاتفاقات السابقة، وخاصة 1999 و1902 و1904 مع أفريقيا، وبالتالى كل المرتكزات المصرية لحماية مصالحنا في الأمن المائى سوف تهدر في مقابل ماذا؟ لست أدري.

 أزمة السدود الإثيوبية وخاصة سد النهضة الأخير، كيف تقيم الدور المصري تجاهها؟

– أزمة المياه التي تواجهها مصر لها شقان، شق متعلق بأزمة اتفاقية «عنتيبي» وعدم التوقيع الذي يخلق وضعاً غير مريح لكنه لا يمثل خطراً في المدى المنظور، بينما الشق الثاني من أزمة المياه متعلق بمشكلة السدود مع إثيوبيا وهو الوضع الأكثر خطورة بالنسبة لمصر لأنها تمثل 90 % من الخطر، خاصة وأن سد النهضة تم تغيير تصميماته حتى الآن 3 مرات.

والمشكلة هنا أنه إذا كانت إثيوبيا تنتج 10 أضعاف احتياجها، لماذا لا تستجيب لمفاوضات مصر بشأن أزمة المياه عندما طلبت إعادة السد إلى التصميم الأول عندما كان اسمه «سد الحدود»، وبالتاليعندما يقل ارتفاع السد وحجم الخزان سيقل حجم الضرر الواقع على مصر وحينها ستقبل مصر هذا الضرر المحدود مقابل الحفاظ على التعاون، لكن عندما تسعى إثيوبيا إلى بناء سد سيولد 6 آلاف ميجاوات، مما سيؤدي لتخفيض 9 مليارات متر مكعب من حصة المياه التي تذهب لدول المصب وتصر على إقناعنا بأنها تشيد السد لأهداف تنموية، وهذا «محض سخرية»، فالأمر له أبعاد سياسية واستراتيجية، وإثيوبيا تسعى لأن تكون قوة إقليمية في المنطقة على حساب الإضرار بالمصالح المصرية المائية، ومصر الآن في حيز الفقر المائي وإذا افترضنا ثبات هذه الحصة الحالية «55 مليار متر مكعب» وبقينا فقط أمام متغير الزيادة السكانية، فنحن نتحرك من حيز الفقر المائي إلى الندرة المائية فلك أن تتخيلي حجم المأساة إذا نقصت الحصة.

  ما الطريقة المثلى لمجابهة أزمة السدود الإثيوبية؟

– مصر عضو في اللجنة الثلاثية للتفاهم بخصوص السد «مصر والسودان وإثيوبيا» والتي تشكلت في أبريل 2011، وفي أبريل 2013 يكون قد مر عامان على تشكيل اللجنة، وحتى الآن لم تخرج بتقريرها في حين أن إجراءات السد تسير بالتوازي وستنتهي منه إثيوبيا في 2015 بحسب ما هو مخطط، ولابد أن تعلن مصر موقفها من سد النهضة، وعلى رئيس الوزراء أن يحمل كل الملفات والدراسات الموجودة ويذهب للتفاوض مع القيادة الإثيوبية شخصياً ولا ينتظر تقرير اللجنة، لأن الأمر بات مسألة حياة أو موت.

 هل ترى أن الرئيس مرسى يمكن أن يضطلع بهذا الدور للدفاع عن مصالح مصر المائية؟

– من مصلحة الرئيس مرسي من الناحية السياسية أن يفعل ذلك، لأنه في ظل الاستقطاب الداخلي الحاد الذي يواجهه وضعف موقفه لابد أن يتصدى لهذه القضية، لأنها توحد ولا تفرق وتجمع أطياف القوى السياسية بالكامل الحاكمة والمعارضة وراء هدف واحد لأنها قضية تتعلق بالدولة والوطن وليس بفصيل دون آخر.

 البعض يعول على دور الأزهر في أفريقيا لعودة الدور الريادي المصري الإقليمي، كيف ترى إمكانية ذلك؟

– هذا طرح مبالغ فيه لحد كبير، لأن الأزهر هو أحد مصادر القوة الناعمة لمصر، والقوة الناعمة دورها إضافي وليس أساسياً ومصر تحتاج لإعادة التوازن الاستراتيجى أولاً، والقوة الناعمة للأسف لا تستطيع أن تعمل بمعزل عن القوة السياسية المفقودة في الإقليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى