قصة العصر الذهبى لفنادق مصر العريقة

إلى القاهرة، ثم إلى صعيد مصر، ثم إلى الاسكندرية فبورسعيد والاسماعيلية والسويس، جاءت السياحة لمصر بداية من نهايات القرن التاسع عشر فى مسار متدفق، شهد تباطؤا مع الهزات الاقتصادية العالمية والحروب ــ وأخيرا مع توترات سياسية تعيشها مصر والمنطقة.
قصة السياحة لمصر وما ارتبط بها من قصة بناء الفنادق الرائعة المعمار التى ذهب بعضها تحت يد الاهمال ومعول الهدم لتحقيق الربح والتى يبقى بعضها مذكرا بفصول ثرية من التاريخ يرويها آندرو هامفيز فى كتاب تتوجه مجموعة جاذبة من الصور تتناسب مع ذوق الباحثين عن تفاصيل من الحياة فى مصر نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وحتى منتصفه، كما تناسب بالتأكيد ذوق الواقعين ابدا فى الحنين إلى مشاهد قد يكونوا رأوها او قرأوا عنها فقط حول ايام كوزموبوليتانية عاشتها الاسكندرية وبدرجة ما القاهرة قبل ثورة يوليو وبدء فصول القومية.
كتاب «الفنادق العريقة لمصر فى العصر الذهبى للسياحة» يحمل بالتأكيد اسماء وصور فنادق مثل شبرد وسميراميس فى القاهرة وسيسل وسان ستيفانو فى الاسكندرية، وكذلك وينتر بالاس بالاقصر وكتراكت باسوان. لكن الكتاب ذاته يحمل ايضا اسماء لفنادق ليست بالضرورة متصدرة لصفحات تأريخ الفندقة فى مصر مثل فندق الجراند هوتيل باسوان وفندق هليوبوليس بالاس بمصر الجديدة الذى اصبح يعرف كثيرون اليوم ــ ايضا بحكم تداعيات السياسة ــ انه الفندق الذى انشأ مطلع القرن العشرين، مع نشأة مصر الجديدة، ليكون بالاساس كازينو ينافس الافضل من ملاهى القمار بمونت كارلو وتحول بسبب رفض الحاكم البريطانى الباحث عن الاستقرار السياسى والاقتصادى إلى فندق، ليأتى يوما تكون فيه اسوار مساحة لجرافيتى رافضة لرئيس مصر المنتخب.
لكن كتاب هامفيز لا يدلف كثيرا فى انحاء الحاضر بل يمد قارئه ــ المتصفح لمجموعة الصور المتنوعة ونماذج الملصقات الدعائية العديدة ــ بقصة بدء بناء هذه الفنادق عندما تأسست مصر مقصدا لمسافرين يبحثون عن طريق للعبور إلى الهند وافريقيا، لاغراض الاعمال كما لاغراض السياحة، ثم لتتحول مصر فى ذاتها، وخاصة مع الاكتشافات الاثرية المتحققة فى مطلع ومنتصف القرنين التاسع عشر والعشرين، لمقصدا فى ذاتها لهؤلاء «البريطانيين المتعطشين بشدة لدفء الشمس» أو لهؤلاء المفتونين بآثار مصر الفرعونية والقادمين لهذا الغرض من أوروبا وامريكا، وكذلك لمصورين ورسامين وكتاب وسينمائين خلدوا فى كتابتهم بعض من هذه الفنادق، كما فعل إى إم فورستر فى رائعته «رباعية الاسكندرية» حيث تطل البدايات من فندق سيسل وكما فعلت كاتبة الرواية البوليسية الاشهر آجاثا كريستى مع «جريمة قتل على النيل» حيث تتداعى احداث فى فندق كتراكت باسوان.
توماس واجرون هو الاسم الذى يقول هامفيز فى كتابه انه ربما أحد اهم صناع السياحة، التى بدأت بالتأكيد وبالاساس بريطانية، لمصر. ولكن توماس كوك ــ الذى مازال اسمه باقيا على واحدة من اهم شركات السياحة والسفر فى العالم بأسره وبالتأكيد فى مصر ــ هو الاسم الاهم والاكثر ترددا فى ذلك الكتاب المصقول الملىء بالصور والصادر عن الجامعة الامريكية بالقاهرة فى ما يزيد قليلا على مائتى صفحة عام 2011 قبل أن يبدأ تداعى سيل السياحة لمصر ليصل إلى حال اليوم حيث رفع اسم مصر من على قائمة بعض كبريات شركات السياحة والسفر لمواسم الشتاء والصيف للعام الحالى والعام القادم مع علامة استفهام باقية حول العام 2015.
السياحة لمصر، كما يروى كتاب هامفيز، بدأت بالتأكيد شتوية، بل ان بعض اهم فنادق القاهرة العريقة والتى جاءت نشأتها مع نهاية القرن التاسع عشر مطلع القرن الماضى، كما فندق شبرد الذى اعيد بناؤه وتطويره فى «العصر الذهبى للسياحة»، لم تكن تفتح ابوابها سوى فى فصل الشتاء.
وعرفت مصر فتح ابواب الفنادق صيفا بالاساس مع تزايد تدفق السياح وتزايد رغبة من لا يستطيع القدوم شتاء لأن يأتى لاحقا، كما عرفت مصر ــ بحسب رواية هامفيز ــ ايضا السياحة فى الصيف مع انشاء فنادق الاسكندرية، التى بدأت بدورها صيفية فقط، ثم اصبحت تعمل على مدار العام لعشاق المدينة الزائرين ولأبناء الجاليات الغربية المقيمين فى واحدة من اهم المدن الكوزموبوليتانية على المتوسط.
فنادق مصر الرائعة ــ والتى كانت وزارة السياحة قد اعدت خطة لتطويرها عما 2010 عشية صدور الكتاب فى العام التالى توقفت لغياب الموارد المالية لاسباب منها تراجع السياحة تحت وطأة توتر السياسة ــ كما يروى كتاب هامفيز اسست بانماط معمارية تتفق مع الاحياء التى انشئت فيها ولكن بحيث لا تقل روعا عن تحف معمارية حفلت بها مدن مصر فى ذلك الوقت، خاصة فى انحاء القاهرة الخديوية وقلب الاسكندرية.
الفنادق ايضا تم تأثيثها بما يناسب ذوق القادمين من الغرب والمترددين عليها لامسيات راقصة وساعات للشاى والقهوة على الشرفات المفتوحة من ابناء الطبقة الارستقراطية بالاساس. ويذكِّر هامفيز قارئه بما نقله عادل ثابت المقرب من الملك فاروق عن حب آخر ملوك مصر لساحة السطح لفندق سميراميس.
أحاديث السياسة وصفقات الاقتصاد ومشادات المحبين ولقاءات الجواسيس فى نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ارتبطت كثيرا بفنادق مصر، سواء فى القاهرة او الاسكندرية او حتى الصعيد، ويتذكر قارئ «فنادق مصر العريقة فى العصر الذهبى للسياحة أياما عاشتها هذه الفنادق تحت وطأة الحربين العالمية الاولى والثانية، بحيث ذكرت مجلة التايم الامريكية فى عام 1942 «أن رؤية مواطن بالزى المدنى فى قاعات فندق شبرد تعد أمرا لا يقل فى غرابته عن رؤية راهبة على أحد شواطئ العراة».
فنادق مصر العريقة، التى وصفت فى العديد من المجلات المعنية وكتب السياحة، منذ نهاية القرن التاسع عشر على انه من افضل الفنادق فى العالم، كانت جزءا من صناعة اوسع للسياحة شملت ايضا رحلات نيلية، بدأت كذلك مع توماس كوك واصدار كتب ارشاد للسائح القادم لمصر واستيراد الاطعمة والمشروبات، خاصة النبيذ الفاخر فى حينه، لتقدم لرواد الفنادق الذين مازلت صور وتوقيعات بعضهم تعلو بهو هذا الفندق أو ذاك.
الشروق