أين المفر للطفل العربي؟

قد يكون الحديث عن الطفل بشكل عام والطفل العربي بشكل خاص، بعيداً عن اهتمامات العديد من القراء العرب، والذين يتابعون ما يجري على الساحة العربية من صراعات جديدة، إلا أن جذورها قديمة جداً، لقد جر الخريف العربي الويلات على المواطنين العرب وكذلك على كل المقيمين على هذه القطعة من العالم، وما ذلك إلا مجرد بداية لعهد جديد، يحلم الكثيرون أن يكون أفضل مما هو كائن، ويخشى الكثيرون أن يترحموا فيه على الأمس الذي راح، بعدما يرون الجحيم بأم أعينهم، ألا يعني ذلك أن القراءة سواء السياسية أو الاجتماعية وحتى الاقتصادية غير دقيقة بل ربما ينقصها العقلانية والموضوعية وتغلب عليها العاطفة، وهي التي تجر الناس مندفعين وقد تؤدي بهم إلى طريق مظلم وطويل جداً.
من المعلوم أن العديد من الدول في العالم، ومنها الدول العربية قد صدقت على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989، وهي فترة تقارب ربع قرن من الزمان، وهي الاتفاقية التي تتضمن 54 مادة وبروتوكولان اختياريان.
هذه الاتفاقية واضحة في بنودها حول الحقوق الأساسية للطفل في كل أرجاء المعمورة، ومن المبادئ الأساسية الأربعة وهي عدم التمييز وحقه في الحياة وحقه في إبداء رأيه دون خوف أو هلع.
إن هذه الاتفاقية لا تخرج عما دعت إليه الديانات السماوية، والأفكار الفلسفية على اختلاف مذاهبها أو اتجاهاتها ولعلنا هنا نذكر كتاب “أوميل” عن الطفل.
لعل من أبشع الصور التي نشاهدها هذه الأيام سواء في الصحف اليومية أو على شاشات التلفزيون قتلى نتيجة لقصف جوي تقوم به اسرائيل او مذابح جماعية تقوم بها بعض الأنظمة العربية، والتي لا تفرق بين كبار السن والنساء والأطفال هذه الصور والأحداث والمذابح البشعة التي نشاهدها الآن في سوريا، ولعلنا شاهدنا ما بثه الإعلام العربي من صور بشعة لتعذيب الأطفال وقتلهم بدم بارد.
وكأن الأمر أصبح عادياً ولا يعني أي شيء يذكر، وكأننا لم نعد بشر لنا أحاسيس، فهل وصلنا إلى هذه المرحلة من عدم المبالاة وماتت أحاسيسنا وربما تجمدت في القارة القطبية سواء الشمالية أو الجنوبية.
الا يكفي هؤلاء المدنيين العزل الأبرياء، وخاصة منهم الأطفال، حرمانهم من الأمن ومن حق التعليم أو الحياة الكريمة حتى تصب بعض الأنظمة أو الجماعات المسلحة جام غضبها عليهم وكأنهم أعداء يحملون السلاح لمقاومتهم أو يهددون وجودهم وسلطانهم .
في القرن الماضي أنشأ الدكتور إبراهيم الحسن استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، مجلة تهتم بالأطفال، ولا أدري أين مصيرها الآن، وهي الجمعية التي كانت تعرف بالجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية، وتأسست سنة 1980 وفي هذا المجال أصدرت الجمعية حين ذاك ست وعشرون بحثاً حول مشاكل واحتياجات الطفولة في العالم العربي، وقد قام بهذه الدراسات باحثون متخصصون في مجالاتهم المختلفة، إلا أن المنهج العلمي في البحث كان العامل المشترك.
وكم نتمنى أن تقوم بعض المؤسسات العلمية بإعادة طباعة تلك الكتب، بعد اتخاذ الإجراءات القانونية طبعا، ولعل المبادرة الطيبة التي قام بها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة في مهرجان الشارقة القرائي للطفل، هي جزءاً من اهتمامات سموه بالإنسان، وخاصة الأطفال فهم المستقبل، وإعدادهم بشكل سليم يضمن استمرار تفوق الإمارات ومحافظتها على هويتها الوطنية، وتفاعلها مع العالم، ومواكبة التطور من دون فقدان الهوية الوطنية ومنها اللغة العربية كأساس، والتراث الوطني والولاء للوطن، وهو من أساسيات العامود الفقري لأي مجتمع.
أما الجانب الآخر للطفولة العربية، وهو الجانب المظلم والبشع والبعيد كل البعد عن الإنسانية بل يقترب إلى سلوك الحيوان المفترس.. فهو ما شاهدناه منذ أيام في سوريا من أيادي وحشية قذرة قامت بقتل أولئك الأطفال الأبرياء من دون أن يكون لهم ذنب اللهم انهم في وطن يقتل فيه الإنسان من دون رحمة أو شفقة ، قاتل الله الصراع على السلطة والتي لا ترحم البشر، فما بالك بغير ذلك.
ألا يكفي الإنسان العربي ما يشاهده في بعض الدول العربية من مشاهد وحشية لم تعرفها البشرية من قبل ولا في العصور الحجرية، مثل مشهد نحر الإنسان وكأنه خروف العيد أو نعجة تقدم للعشاء. وهو ما يمثل ثقافة مصاصي الدماء.
إلى متى يقف العالم المدعي أنه المدافع عن حقوق الإنسان دون أن ترجف له شعره في بدنه حول ما يجري للإنسان والطفل في سوريا، أم أنهم في العالم المتحضر ينظرون إلى الطفل العربي على أنه عدو مستقبلي وجب القضاء عليه مبكراً، وأين يذهب الطفل العربي المسكين في ذلك العالم المزدوج التوجهات والرؤية.
البيان