“وسط البلد” الذي وهب الحياة لجسد الوطن

tahrir

 

هو أكبر من ميدان، وأصغر من مدينة، على ذلك تبدو حدود ميدان التحرير وكأنها بلا نهاية، وتاريخه وكأنه بلا انقطاع. فى ملامحه يكمن ذلك الشىء الذى يجذبك دون أن تعرف له سبباً وجيهاً، وفى تفاصيله تنتشر تلك الأشياء العادية الصغيرة التى تناديك ما إن تبتعد عنها. حريص هو على العلاقات التى تجمعه بالبشر، ولعله يحفظها جيداً كما يحفظ كل الأحداث التى مرت عليه من قبل، بل ربما يعرف أولئك الذين يترددون عليه واحداً واحداً بالاسم، وكيف لا، وهو ملجأهم وملاذهم فى الأوقات التى تضيق فيها عليهم الأرض بما رحبت، فإذا به يتسع لهم جميعاً، لا يفرق بين أحد منهم، رجال ونساء، أطفال وشيوخ، ملتحون وحليقو الذقون، سلفيون وعلمانيون، إخوان واشتراكيون. يجلسون ويتسامرون ويتظاهرون ويعتصمون ويصدون هجوماً، ويشنون آخر فيَغلبون أو يُغلبون، وعندما يسقط الواحد منهم غارقاً فى دمائه، تطوف جنازته كل ركن فى المكان قبل أن تستقر فى مثواها الأخير، فيما يتجهز الميدان لفاصل جديد من الأحداث يعرف جيداً أنها لن تخطئه طالما ظل موجوداً فى المكان الذى اصطلح الناس على تسميته بـ«وسط البلد».

 

الوطن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى