الأخبار

رقصة شريف حتاتة المثيرة

157

 

 

فى سبتمبر القادم يكمل الكاتب والروائى شريف حتاتة عامه التسعين، الذى يتأمل مسيرة حياة حتاتة المتنوعة بين الأدب والطب والسياسة والرحلات، سيندهش من هذه الحيوية التى تصاحب هذه المسيرة المثيرة والذاخرة، فقد أصدر شريف حتاتة عددا من الكتب، التى تنوعت موادها الأدبية والسياسية، فقد أصدر عشر روايات بدأت منذ عام 1973 بروايته اللافتة «العين ذات الجفن المعدنية» حتى روايته «نور» التى صدرت عام 2012، ثم روايته «رقصة أخيرة قبل الموت» عن دار المحروسة مؤخرا، إضافة إلى عدد من الكتب المتنوعة التى تتناول الشأن السياسى أو الشأن الصحى باعتباره طبيبا، ثم المذكرات التى تناولت حياته السياسية، وتجربة الاعتقال، كذلك هناك كتب رحلات إلى آسيا وغيرها.

 

وفى روايته «رقصة أخيرة قبل الموت»، لا بد أن تكون الأخبار التى تناثرت هنا وهناك عن حياة حتاتة، مظلة لتفسيرات عديدة لأحداث الرواية، فهناك اشتباكات حادة بين أحداث الرواية، وبين الأخبار التى لم تعد سرية فى حياة شريف حتاتة، وبما أن النص الذى بين أيدينا تم تصنيفه على الغلاف بأنه رواية، سنتجاهل كل ما هو خارج ذلك، وإن كانت أطياف السيرة الذاتية أو تقنات الذكريات تلاحق الكتابة فصلا بعد فصل، لأن الأبطال لا يستمدون أبعادهم الدرامية من الأحداث، بقدر ما يستمدونها من مفارقات أخرى طبيعية، مثل الفارق الزمنى بين «عزت المرشدى» البطل والراوى فى الوقت نفسه، وبين حبيبته «أمينة مروان» حبيبته، التى صارت زوجته فى ما بعد، فهذا الفارق الذى يصل إلى خمسين عامًا يعتبر دراما فى حد ذاته، ويعتبر هذا البعد الدرامى وحده، هو المحرك الأول لبعض فصول الرواية، ودوما يكون الهاجس المهيمن على عزت المرشدى، هو كونه بلغ من العمر 86 عامًا، وأن أمينة تصغره بـ50 عامًا، وهذا البعد هو الذى يجعله متوترا، ويطرح عليها أسئلة خاصة جدا، ففى مستهل الرواية يبدأ الفصل الأول بعيد ميلاد عزت المرشدى السادس والثمانين، وتنشأ مناوشات عاطفية بينه وبين أمينة، وتذكره بعيد ميلاده، وضرورة الاحتفال به، رغم أنه يتملص من الاحتفال به، ويقول لها: «سنى اليوم ستة وثمانين سنة، أليس الأفضل أن نتجاهل هذه المناسبة؟»، ورغم أنه يستطرد بأن العمر وحده ليس المانع الوحيد بعدم الاحتفال، لكن يقر فى عقيدة عزت المرشدى مشكلة السن، خصوصا عندما يقترن بامرأة تصغره بخمسين عامًا، فالسن وحدها لا تشغله، بقدر ما تشغله العلاقة التى تقوم بين اثنين غير متكافئين فى كل الممارسات، هناك رجل يحصى أنفاسه القادمة، بينما الطرف الآخر ما زال ينتظر مستقبلا طويلا، ورغم أن هذه المشكلة تظل هاجسًا كبيرا لدى المرشدى، فإنه يتطرق بالسرد إلى حكايات متعددة ومثيرة، فالعلاقة العاطفية قائمة عبر تفاصيل كثيرة، فأمينة تكتب سيناريو عن المرشدى، وقد بدأت علاقتهما معا عندما طلبته فى التليفون لإجراء لقاء معه، وتحاوره فى رواياته، ومنذ تلك اللحظة تكونت وشائج عاطفية بين الطرفين، وفى ظل زواجه بسيدة بنوران منصور التى كانت على سفر فى أثناء لقاء عزت بأمينة، وتظل العلاقة تنمو وسط أحداث كثيرة تمر بعزت وأمينة فى تطوحات مثيرة، ويصرح الراوى فى متن الرواية بأنه يكتب «رواية»، وأمينة تعيد كتابتها على الكمبيوتر، وتساعده على تفجير طاقاته الإبداعية، وكذلك هى لا تفوت أى فرصة لتصويره والالتقاء مع ذويه، أيًّا كانوا، أصدقاء فى المدينة، أو أقارب فى قريته النائية، وتجرى لقاءً مصورا مع طبيب الأسنان الذى يعالج المرشدى، المرشدى ينشئ هذه الرواية من أجل أمينة، وأمينة تكتب سيناريو عن المرشدى، وفى الوقت ذاته تنمو العلاقة التى تسير على وتيرة اليوميات، فلا توجد خطوط سردية متتالية، لكن الفصول المعنونة تحكى وتنتقى كأنها حكايات منفصلة، وتدخل الشخصيات لتخدم فكرة الذكريات الحميمة التى يصر الكاتب على سردها، ورغم سلاسة وجماليات السرد، فإننا نجد بعض الحكايات التى ليس لها علاقة بالتطور الدرامى للرواية، مثل الفصل الذى أورده الكاتب ليحكى عن ثورة 25 يناير، فهو فصل مقحم، إلا إذا اعتبرنا أن الرواية تحكى على طريقة اليوميات والذكريات، وكذلك النهاية المبهجة التى آثر الكاتب أن يختم بها الرواية، وهى نهاية خاصة بزواج ابن أخته «زينة أو زينب» فالاسمان واردان فى الرواية، هذه الشقيقة التى كانت على علاقة سيئة بشقيقها عزت، لأسباب تتعلق بالميراث، وكذلك بالتوجهات الدينية، وأيضا بعلاقته بأمينة، التى لم يكن قد تزوجها، وهناك أخبار عديدة فى الرواية تخدم فكرة التنافر بين عزت وزينب، لكن فجأة يتلقى دعوة بحضور هذا الفرح العائلى، ويذهب هو وأمينة، فيباغته شكل الترحيب به الذى لم يكن يتوقعه هو وأمينة، وكذلك يجد شقيقته دون حجاب بعد أن كانت متشددة، وإمعانًا فى المفاجأة تنشأ حلقات رقص، وينخرط عزت فى رقص متواصل دون أن يعطى أدنى اعتبارات لـ86 عامًا ولا للأدوية التى يتناولها، وفى ظل كل ذلك يقول: «لمحتها تطل رافعة الكاميرا فوق رؤوس الراقصين لتسلطها على، فرقصت من أجلها وحدها، ثم تركت حلبة الرقص وذهبت إليها، هبطت من أعلى المقعد الذى كانت تقف عليه، أمسكت بذراعى وقادتنى إلى المائدة لم يعد يوجد عليها أحد»، هكذا كان عزت البطل والراوى، الذى يكتب الرواية، وأمينة تقوده نحو أحداثها، يكتب تحت إيقاع عشقه لها، أمينة التى ترك زوجته الأخرى التى ظلت تطارده، وأرسلت له أحد المحضرين لتتهمه بالخروج عن السياق الطبيعى للبشر، فذهب على فوره حتى يطلقها عند مأذون، البطل الذى قرر أن يعيش بطريقته، وهو يعدد الروايات التى تتحدث عن علاقات شبيهة، ويقارن بينها وبين روايته، الرواية ممتعة بالفعل، ورغم بعض ما يصاحب أحداثها من كوابيس صغيرة، فإنها تنم عن عشق عارم للحياة.

 

الدستور الأصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى