هل تخلت واشنطن عن الإخوان؟

فاض الكيل بأمريكا من تخبط الإخوان فى إدارة حكم البلاد وتهميشهم المعارضة والأقباط والمرأة
ما قاله وزير الخارجية جون كيرى، وهو يعبر عن مواقف وسياسات واشنطن تجاه ما يجرى فى مصر، بالتأكيد جدير بالاهتمام والتحليل والتقييم. والأمر لا يخص اتفاقنا أو اختلافنا أو حتى تشكيكنا فى ما قاله وأعلنه كيرى فى جلسات أربع حضرها بالكونجرس. والتفاتنا ينصب على هذا الحيز الكبير من الاهتمام الأمريكى بالهم المصرى والسؤال الملح: إلى أين تسير مصر؟ وهل من طريقة أو سبيل لإنقاذها أو تفادى إفلاسها وفشلها وسقوطها فى «الهاوية» أو «الفوضى». وكلها أمور أثيرت مع كيرى خلال يومين متتاليين.
وقد قال كيرى بوضوح ما كان يتردد همسا فى الأسابيع الأخيرة فى العاصمة الأمريكية عن واشنطن و«كيف فاض الكيل بها» من تخبط وتلكؤ الإخوان و«تطنيشهم»، لما يجب أن يقوموا به فى إدارة حكم البلاد و«تهميشهم أو تطفيشهم» للمعارضة والمجتمع المدنى والأقباط والمرأة ورجال المال والاستثمار. كما أن ما قاله كيرى عن الجيش ودوره والتزامه يعد تأكيدا لعلاقة استراتيجية ممتدة وراسخة. إلا أن «حتى لا يأخذنا الحماس والاندفاع إلى آفاق واسعة» لا يجب القفز إلى الاستنتاجات و”التفكير بالتمنى» بأن واشنطن بالتالى تؤيد ما يتمناه عديد من المصريين من قدوم الجيش.
وقد يتساءل البعض هل تخلت واشنطن عن الإخوان؟ وهل ما قاله كيرى إن واشنطن لا تقوم بإرضاء أو استرضاء الإخوان ينذر بتوتر ما بين واشنطن والإخوان؟ نعم لم نسمع بعد رأى أهل كايرو «الاتحادية» و«المقطم» فى هذا الأمر. ولا نعرف هل سينعكس هذا التوتر خصوصا إذا اشتد وازداد التوتر فى ردود أفعال سياسية أو إعلامية وتصريحات تخرج من القاهرة ترفض أو تندد بما قاله كيرى.. وبالتالى تتلبد الأجواء ما بين واشنطن والقاهرة.
وبما أن علامات الاستفهام وعلامات التعجب تزداد يوما بعد يوم.. فمنذ متى بدأت واشنطن تعيد النظر أو تراجع موقفها مما يجرى فى مصر ومن الإخوان تحديدا؟ هل مع إصدار الإعلان الدستورى و«تمركز أو تكويش» السلطات لدى الرئيس مع نهاية العام الماضى؟ أم بعد زيارة كيرى للقاهرة و«بلورة صورة أفضل لديه» عما يجرى فى مصر وربما «تأكده أن المطلوب من واشنطن فقط هو دفع مصاريف أو تكاليف أخطاء الإخوان»؟ أم كانت الأسابيع التى تلت الزيارة من «مطاردة للإعلام وحرية التعبير» وتزايد أجواء تحقير المرأة وتخوين المجتمع المدنى وأيضا «التهوين من شكاوى الأقباط» ثم الاعتداء على الكاتدرائية.
ولا بد من التنبيه هنا بأن مثلما لا يريد المصريون تكرار ما كان قائما من قبل فإن واشنطن -كما قالت وأعلنت- لا تريد ما كانت تفعله من قبل.. لن تبحث عن ديكتاتور جديد ولا تريد أن تعيد «اللعبة إياها» التى ملّت منها مع مبارك. وكما نبه أكثر من عضو فى الكونجرس.. لا يجب التشبث بل يجب التخلى عن المعادلة القديمة: الاستقرار مقابل الديكتاتورية.
ملحوظة أخرى لا بد من الإشارة إليها فى تناولنا لتصريحات كيرى. منذ أن تسلم كيرى مهامه كوزير للخارجية اعتاد فى تصريحاته الصحفية وأيضا فى ردوده على أسئلة أعضاء الكونجرس (وهذا لمن يهمه الأمر) أن يذكر أحيانا هذه العبارة أو أن يذكر الحاضرين «أنه يرى وأن الرئيس أوباما يرى» فى تأكيد محدد وواضح بأن الإدارة ترى، وهذا بالطبع تفاديا لتأويل قد يحدث أو تكهن قد يتشكل لدى البعض بأن ما يقوله كيرى غير ما يقوله البيت الأبيض. وهى لعبة اعتاد كثيرون اللجوء إليها فى محاولة منهم لخلط الأوراق وتمييع المواقف والإيحاء بأن هناك خلافا واختلافا ما بين الخارجية والبيت الأبيض، وبالتالى فى هذه الحالة فإن ما يقوله كيرى لا يعبر عن رأى الإدارة أو موقف الرئيس أوباما. إن ما قاله كيرى خلال الجلسات يعبر ويعكس مواقف واشنطن وخطوط سياستها تجاه مصر. أى بصريح العبارة ليس «فرقعة إعلامية» أو «طرطشة فضائية» أو «أى كلام خبراء» التى اعتدنا على سماعها وترديدها يوميا عبر الفضائيات وحلقات النقاش و«التويتات»، لذا لزم التنويه.
ويبقى السؤال الأهم: ثم ماذا؟ هذا ما قد نراه ونسمعه فى الأيام المقبلة. زيارة وزير الدفاع تشاك هيجل لمصر فى إطار جولة شرق أوسطية بالتأكيد ستتطرق إلى ملفات عديدة تتعلق بأمن مصر واستقرارها، وبالتالى أمن المنطقة وتفادى زعزعة الاستقرار بها. ولا شك أن المخاطر التى تواجهها دول المنطقة تقلق كثيرين خصوصا واشنطن وأوروبا أيضا. ولم يعد المجاهدون وانتشارهم على امتداد الخريطة من غرب إفريقيا إلى بلاد الشام أمرا يمكن تجاهله أو التعامل معه عن بعد أو تأجيله.
وأخيرا.. ألم تلاحظ أن الشأن المصرى يتم طرحه والتعامل معه ليس فقط من زاوية اتفاقية كامب ديفيد أو السلام مع إسرائيل وعملية التطبيع؟ فأسئلة أعضاء الكونجرس وأجوبة كيرى تناولت أيضا الإصلاحات السياسية والاقتصادية و«ثورة الجيل الجديد» ومطالب الشعب وضرورة المشاركة السياسية والأقباط والمرأة وحرية التعبير. مصر الجديدة التى تتشكل تتطلب سياسات ومواقف جديدة تتوافق أو على الأقل تتماشى مع ما يحدث وما يتطلع إليه المصريون. هذا ما يقال على الأقل هنا فى واشنطن، أما ما سيتم فعله فسوف نرى ونحكم على أساسه.
الدستور الأصلى