الأخبار

أكبر موقع «إسكان اجتماعى» لمحدودى الدخل بـ6 أكتوبر..

41

42 يوماً للوراء، رمال صحراء غرب القاهرة الكبرى ثابتة كما هى، لا يتحرك فيها ساكن، مئات الأفدنة خالية من البشر ومن كل مظاهر الحياة تماماً، لكن صوت محركات مئات الجرافات واللوادر اخترق هذا الصمت، وحوّله إلى ضجيج دائم ليصبح فيما بعد سمة مميزة للمكان الذى يقع فى جنوب مدينة السادس من أكتوبر بالقرب من طريق الواحات، مواقع إنشاء الإسكان الاجتماعى الأكبر فى تاريخ مصر عبارة عن لوحة كبيرة تتناثر فيها عشرات الآلات التى تتحرك بانتظام شديد، ومن حولها يعمل آلاف العمال و«الصنايعية» والمهندسين، مثل خلايا النحل الصاخبة، وعلى مدى البصر، تبرز روافع مضخات الأسمنت سابق التجهيز المعروفة باسم «البامب»، فيما تحولت الرمال الثابتة إلى منشآت خرسانية مغلفة بالأخشاب من كل جانب فى أكثر من 87 موقع عمل بمدينة السادس من أكتوبر للإسكان الاجتماعى فقط. ورغم تسلم شركات المقاولات المصرية مواقع العمل منذ أقل من شهر ونصف فقط، فإن ما تم إنجازه يفوق تلك المدة بكثير، إذ تم إنشاء معظم أساسات العمارات والطابق الأول والثانى، وفى بعض العمارات الأخرى تم الانتهاء من الطابق الثالث، وتواصل شركات المقاولات عملها على مدار 24 ساعة للانتهاء من تنفيذ آلاف الوحدات السكنية فى عام واحد فقط بشكل نهائى بما فى ذلك التشطيبات الأخيرة لتكون صالحة للسكن بعد هذا التاريخ.

جنوب طريق الواحات يتحول إلى خلية نحل فى 87 موقعاً لإنشاء 42 ألف وحدة سكنية كاملة التشطيب فى عام واحد

موقع إنشاء المرحلة الرابعة من مشروع الإسكان الاجتماعى بمنطقة جنوب طريق الواحات بحدائق أكتوبر يُبنى به الآن 1783 عمارة بإجمالى 42 ألف وحدة سكنية، موزعة على أكثر من 72 موقع عمل، يتم الدخول إليها عن طريق الواحات بالقرب من مسجد «الشرقية للدخان» الذى يقع فى الجهة المقابلة للمشروع الكبير، فى مدخل مواقع الإنشاء تنتشر سيارات خلاطات الأسمنت سابقة التجهيز بجوار الشاحنات التى تنقل الحديد والأسمنت. بجوار أول عمارة فى الموقع يقوم أكرم عبدالقوى، 45 سنة، صاحب البشرة السمراء والشعر الأبيض، وابن مركز البدرشين، بلفّ أسياخ الحديد الرفيعة على «ستامبة» حديدية ليكوّن أشكالاً مربعة الشكل ليتم وضعها على الأعمدة الخرسانية. يتحدث أكرم بلسانه بسرعة مثل يده التى تطوى الحديد بسرعة قائلاً: «نعمل لمدة 10 ساعات يومياً ونأتى إلى هنا من البدرشين يومياً بعد رحلة تستغرق قرابة الساعتين ذهاباً وإياباً، ويعمل فى كل عمارة 10 حدادين و10 نجارين مع 5 عمال كهرباء». يتوقف «أكرم» عن الحديث قليلاً بسبب انشغاله بالعمل وتوجيهاته لأحد العمال فوق سطح العمارة قبل أن يقول: «نعمل مع الشركة بالإنتاج ونحاسب بالمتر وهذا جيد جداً للصنايعية الذين يفضلون العمل بالإنتاج عن العمل باليومية لأن هذا يحفزهم لبذل المزيد من الجهد كل يوم». بين العمارات التى يجرى العمل بها، يسير المهندس ماجد الحنفى، مدير مشروع شركة المجموعة المصرية للمقاولات ببطء لمتابعة سير العمل، يرتدى مدير المشروع صاحب الوجه الدائرى والبشرة القمحية قميصاً فاتحاً ونظارة شمسية، ويقول بحماس شديد: «تسلمنا هذه الأرض منذ 42 يوماً فقط، وقمنا فى البداية بعمل جسات للتربة وبدأنا الحفر ثم وضعنا الأساسات العادية ثم الخرسانية، وقمنا بتركيب إضاءة فى مواقع العمل لاستكمال الأعمال ليلاً.

وأشار مدير الموقع إلى أن شركته تتولى إنشاء 134 عمارة، وأنهم تعاقدوا على توريد معظم مستلزمات الإنشاء مع مصانع الحديد والأسمنت والسيراميك، وأوضح أنهم يتسلمون يومياً 150 طن حديد تسليح، بجانب صب 1500 متر خرسانة عادية ومسلحة».

«أكرم»: يعمل فى كل عمارة جديدة 10 حدادين و10 نجارين و5 عمال كهرباء.. والصنايعية يفضلون العمل بـ«الإنتاج» وليس «اليومية».. ومدير موقع: نتسلم يومياً 150 طن حديد.. ونصب 1500 متر خرسانة عادية ومسلحة

ويضيف «الحنفى» مبتهجاً: «يعمل فى كل عمارة 25 عاملاً، ويعمل 16 مهندساً فى مواقع إنشاءات الشركة، حيث يقوم كل مهندس بالإشراف على 4 عمارات، ويوجد 3 مديرين مشرفين على الموقع، وشركتنا تعمل فى 3 مواقع للإسكان الاجتماعى فى مدينة بدر والسادات و6 أكتوبر». بين الألواح الخشبية التى كانت تحمل أحد الأسقف الحديثة، وقف المهندس الشاب هانى وليام، ابن محافظة المنيا، خريج عام 2014، ليتابع تنفيذ المشروع وجودة العمل، يقول مبتسماً: «نستيقظ فى تمام السابعة صباحاً، ونحضر إلى موقع العمل فى تمام الثامنة صباحاً، ومهام عملنا تتلخص فى تسلم العمل من الصنايعية ومتابعة سيره ومدى جودته ودقته، ثم نقوم بتسليمه إلى المهندس الاستشارى، ويتولى كل منا الإشراف على 4 عمارات، ونقوم بشراء احتياجاتنا من الطعام والشراب من كانتين فى الموقع، أما أكثر شىء أحبه هنا فهو سرعة إنجاز العمل، والفرق بين الإنجاز وسلق الشغل هو أن الإنجاز يعنى تنفيذ الأعمال بسرعة ودقة فى نفس الوقت، عكس السلق حيث يتم تنفيذ العمل دون دقة أو جودة». ويضيف المهندس الشاب قائلاً: «أساسات العمارات من أصعب مراحل الإنشاء لأنها تتطلب دقة وتركيزاً شديدين، لأنها ببساطة قاعدة العمارة وعمودها الفقرى مع الأعمدة، ومن مميزات المشروع استيعاب عدد كبير من المهندسين والعمال، ورغم أننى أعمل هنا منذ شهر تقريباً، فإننى عملت من قبل فى منطقة الهايكستب شرق القاهرة مع شركة أخرى، وأنا فخور جداً لكونى من المشاركين فى هذا المشروع العملاق، خاصة أننى أعمل به فى مراحله الأولى».

«مشروعات إنشاء الإسكان الاجتماعى فى مدينة 6 أكتوبر أضخم مشروع إسكان يتم فى مصر حالياً، حيث يزيد حجمه عن نصف حجم الإسكان الاجتماعى فى كل المحافظات المصرية، لأنه سيتم إنشاء وتسليم 125 ألف وحدة سكنية من الإسكان الاجتماعى فى 6 أكتوبر فقط»، حسب وصف عماد بدوى، رئيس جهاز مدينة السادس من أكتوبر، الذى أضاف بنبرة مملوءة بالحماس: «تم إنفاق 10 مليارات جنيه فقط على مشروعات الإسكان الاجتماعى بالمدينة خلال 35 سنة، بينما تم إنفاق 7 مليارات جنيه فى عامين فقط على إنشاء مشروعات الإسكان الاجتماعى، بعد أن خصصت له الحكومة 61 مليار جنيه فى العام المالى 2014/2015، ويجرى حالياً تسليم 16 ألف وحدة سكنية بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وجار تنفيذ 2145 عمارة، بإجمالى 51480 وحدة من تنفيذ وإشراف جهاز المدينة كما يجرى تنفيذ 1826 عمارة، بإجمالى 37706 وحدات من تنفيذ الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ما يعنى أن ما تم إنشاؤه خلال عامين فقط يبلغ ضعف ما تم إنشاؤه خلال 35 سنة، حيث تم إنشاء 77 ألف شقة لمحدودى الدخل منذ تأسيس المدينة وحتى الآن، وسيتم تنفيذ 125 ألف وحدة سكنية فى مدة زمنية لا تزيد على 15 شهراً».

رئيس جهاز المدينة: أنفقنا 10 مليارات جنيه على مشروعات الإسكان فى 35 سنة.. والآن المبلغ وصل إلى 7 مليارات فى عامين فقط

رئيس جهاز المدينة صاحب البشرة القمحية والشعر الفضى المسترسل يقول: «سرعة تنفيذ المشروع لا تؤثر إطلاقاً على جودة العمل وتنفيذ المشروعات، لأنه يتم مراقبة المشروع بشكل كامل من قبَل مهندسى المركز القومى لبحوث الإسكان الذين يتابعون المواصفات القياسية للخلطة الأسمنتية من المنبع، حيث يوجدون فى مواقع تجهيز الخرسانة المسلحة والعادية ويسحبون عينات بشكل دورى للتأكد من مطابقة العينات للمواصفات، كما يتابع مهندسو الجهاز الخرسانة المسلحة أثناء صبها فى القواعد والأعمدة فى مواقع إنشاء آلاف العمارات، ولديهم صلاحيات كبيرة لمعاقبة الشركات المخالفة للقواعد، مشيراً إلى أن المهندسين يتركون الأخشاب التى تحمل الأسقف لمدة تزيد على أسبوع قبل أن يقوموا بإعداد وشدّ خشب السقف التالى لضمان سرعة الإنجاز لأن الإجهاد التام للخرسانة لا يتم إلا بعد مرور 28 يوماً ويتم رشها جيداً بالمياه كجزء من أساسيات العمل».

يوضح «بدوى» قائلاً: «يعمل بمشروع الإسكان الاجتماعى فى مدينة السادس من أكتوبر 62 شركة من الفئات الأربعة، ومن القطاعين، العام والخاص، بالإضافة إلى ما سيتم طرحه خلال الفترة المقبلة، وسيتيح إنشاء هذا المشروع العملاق مليوناً ونصف مليون فرصة عمل مختلفة بجانب الوظائف غير المباشرة التى سترتبط بإنشاء المشروع، المشروعات الكبيرة تدفع عجلة الإنتاج للدوران بشكل ثابت، لأن الشركات تعاقدت مع مصانع الطوب والأسمنت والحديد والسيراميك والكهرباء والأدوات الصحية والأخشاب، ومن جهتنا اتفقنا مع هذه المصانع على توحيد الأسعار وتثبيتها لمدة عام حتى لا يمثل تغيير الأسعار مشكلة لشركات المقاولات، والمصانع نفسها ستستفيد جداً من هذه التعاقدات الكبيرة لأنها ضمنت استمرار خطوط إنتاجها وتشغيل أكبر عدد ممكن من عمالها لمدة عام كامل بعد فترة من الركود».

يشير رئيس جهاز المدينة إلى إحدى العمارات الحديثة التى تم الانتهاء من إنشاء سقف طابقها الرابع وقال: «الشغل بدأ هنا من 42 يوم فقط، يعنى العمارات دى كلها كانت صحراء قبل التاريخ ده، العمارات كلها طالعة مع بعض والشركات كلها شغالة فى نفس التوقيت، وإذا حضرت إلى هنا بعد عام ستجد العمارات التى يجرى تأسيسها الآن وحدات جاهزة للسكن وكاملة التشطيب، وهذا ما تم فى الوحدات التى يجرى تسليمها الآن إلى المواطنين المتقدمين إلى مشروع الإسكان الاجتماعى».

«بدوى»: 62 شركة مقاولات حكومية وخاصة تعمل فى المشروع وندفع المستخلصات كل 15 يوماً فقط

وعن طبيعة عمل الشركات وتعاقدها مع الجهاز يقول «بدوى»: «يتم دفع 10% من قيمة التعاقد إلى الشركات قبل العمل لشراء مستلزمات البناء والإنشاء مثل الحديد والأسمنت والأخشاب، لضمان سير العمل، كما يتم دفع مستخلصات مالية لهم كل 15 يوماً بدلاً من كل شهر، لتشجيعهم على سرعة الإنجاز، وتتولى كل شركة من هذه الشركات توصيل المرافق الأساسية وإنشاء المساحات الخضراء والترفيهية بنطاق عملها ويتم توصيل المرافق بالتوازى مع إنشاء العمارات، ويبلغ سعر وحدة الإسكان الاجتماعى حوالى 154 ألف جنيه وهذه الوحدة مدعمة من الدولة بمبلغ يتراوح ما بين 15 ألف جنيه، و25 ألف جنيه قيمة توصيل المرافق الرئيسية»، مشيراً إلى أنه تم التخطيط لمواجهة الكثافة السكانية المتوقعة وزيادة الطاقة الاستيعابية من المياه والكهرباء وشبكات الصرف الصحى التى يجرى تحويلها الآن إلى محطات معالجة ثلاثية للاستفادة من مياه الصرف فى رى الأشجار والغابات الشجرية، حيث تم إنشاء محطة جديدة تستوعب 150 ألف متر مكعب من المياه بجانب المحطة القديمة التى كانت تستوعب 100 ألف متر مكعب يومياً ليصبح إجمالى القدرة الاستيعابية لمعالجة مياه الصرف الصحى 250 ميلون متر مكعب من المياه الصالحة للتشجير والمساحات الخضراء، أما الصرف الصناعى فإنه منفصل تماماً عن الصرف الآدمى، ويجرى إنشاء محطة معالجة ثلاثية أيضاً للاستفادة منها لتوفير مياه لزراعة الأشجار والمساحات الخضراء. وأوضح «بدوى» أن «مصدر مياه الشرب فى مدينة السادس من أكتوبر هو مياه النيل، حيث تم توصيل المياه عن طريق مأخذ كبير بمدينة العياط إلى محطة الشرب الرئيسية بمدينة السادس من أكتوبر لمسافة تزيد على 38 كيلومتراً بقطر 2200 ملليمتر، وستصل طاقتها الإجمالية إلى مليون و600 ألف متر مكعب من المياه بحلول عام 2018». تخطيط مواقع الإسكان الاجتماعى قام بتنفيذه قطاع التخطيط بهيئة المجتمعات العمرانية، حسب وصف رئيس الجهاز، الذى أضاف: «تم تقسيم المشروع إلى أحياء ثم إلى مجاورات، حيث تبلغ مساحة الحى 250 فداناً، وهذه المساحة تقسم على 5 مجاورات وتبلغ مساحة كل مجاورة 5 أفدنة، لتكون كثافة السكن 220 فرداً على كل فدان، وسيبلغ عدد سكان كل مجاورة 12 ألف نسمة، وسيكون بكل مجاورة مدرسة للتعليم الأساسى ووحدة صحية وحضانة للأطفال ومبنى إدارى صغير ومخبز بلدى ومتجر يضم محلات متعددة وصيدلية، فيما سيكون مستوى الخدمة أكبر على نطاق الحى»، وأوضح أنه يجرى التنسيق مع الوزارات الأخرى مثل التربية والتعليم والصحة والتضامن الاجتماعى، لتسلم المنشآت الخاصة بهم مثل المستشفيات والمدارس، وأشار إلى أن توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى الدائمة لإنجاز المشروع تسرع من وتيرة التنسيق بين الجهاز وبين هذه الوزارات لإمدادها بالموظفين اللازمين لتشغيل المصالح الحكومية.

وتابع «بدوى» قائلاً إن «زيادة الإنشاءات فى المدينة قابلتها زيادة فى أعداد المهندسين، حيث تم تعيين 50 مهندساً جديداً بالجهاز، ومن الممكن الاستعانة بمهندسين آخرين من محافظات أخرى بنظام الانتداب، وأكد أنه قبل إنشاء مشروع الإسكان الاجتماعى كان بعض الموظفين لا يعملون، والآن الجميع يعمل بنشاط كبير، ولمواجهة الزيادة السكانية واتساع المدينة، وللتسهيل على المواطنين، تم تقسيم المدينة إلى 3 قطاعات، القطاع الأم أو وسط المدينة، ثم القطاع الجنوبى أو حدائق أكتوبر، الذى يوجد به الإسكان الاجتماعى، ثم القطاع الشمالى الذى يتضمن التوسعات الصناعية والسكنية، وتم تخصيص مبنى إدارى لكل قطاع لكى لا يجبر المواطن على الحضور إلى مقر الجهاز على أن يتولى رئاسة كل قطاع من القطاعات الثلاثة نائب من نواب رئيس الجهاز يكون لديهم صلاحية كاملة لاتخاذ كل القرارات، وبالفعل صدر قرار وزارى بهذا الخصوص وأتبعه قرار إدارى لنفس الأمر، قبل أن يتم تفويض نائب رئيس الجهاز للقطاع الجنوبى أو حدائق أكتوبر بإدارة القطاع».

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى