الصراع الخفىّ والعلنىّ بين الأجيال

177

 

 

«التماسيح» ليوسف رخا رواية جديدة فى الشكل والمضمون. أولًا من حيث الشكل أنت كقارئ مشدود من البداية للنهاية، إلى تلك الفقرات المتتالية التى تتكون منها الرواية، وتصل إلى نحو 400 فقرة مرقّمة، بعضها بطول صفحتين وبعضها الآخر بطول سطر واحد. الأحداث تظل تتحرك فى حالة جِيئة وذهاب طوال الرواية، بين الماضى والحاضر، الماضى فى السبعينيات والتسعينيات، والحاضر الذى يقع فى العام الأخير 2012.

تقع أحداث الرواية فى مجموعة من الأماكن التى يتكرر ذكرها فى النص، مثل البيوت التى سكنها أبطال الرواية، والمقاهى التى كانوا يترددون عليها، والشوارع التى كانوا يمشون فيها، حتى نقترب بالتدريج من لحظة ظهور جسم الرواية قرب نهاية العمل.

ثانيا من حيث المضمون، يمكن اعتبار أن البطل الحقيقى أو الشخصية الرئيسية فى هذا العمل هى «نايف»، الذى كان طالبا فى نهائى كلية الهندسة ثم أصبح مبرمجا للكمبيوتر، وهو أقرب أصدقاء الراوى يوسف، ويكتمل الثالوث بصديقهما المشترك الذى يسميه الراوى «باولو»، رغم أنه مصرى من أصول ريفية، الذى كان طالبا فى الأزهر ثم أصبح مصورا فوتوغرافيا فى «الأهرام ويكلى».

من الأشياء الغريبة فى هذا العمل أن الراوى يتحدث أحيانا عن بعض الشخصيات الحقيقية فى الأوساط الأدبية والاجتماعية مستعملا أسماءها الحقيقية، وأحيانا أخرى يستعمل أسماء مزيفة فيُدخل القارئ فى حيرة التساؤل.

تبدأ الرواية فى أحد أيام يونيو 1997 بتأسيس جماعة التماسيح للشعر الحر، وبالصدفة البحتة يكون هذا اليوم هو نفس اليوم الذى تقرر فيه أروى صالح -وتسميها الرواية رضوى عادل- أن تنهى حياتها بالانتحار، قفزا من الطابق الحادى عشر لإحدى العمارات السكنية، وكانت فى سن السادسة والأربعين من عمرها. «أروَى صالح» من أعضاء الحركة الطلابية فى أوائل السبعينيات. يقابل المؤلف بين ما فعلته «أروى»، وما فعلته فتاة أخرى قررت الانتحار هى الأخرى ولكن بطريقة مختلفة، طريقة الانتحار المعنوى عندما وضعت صورتها عارية تماما على «فيسبوك»، وهى علياء المهدى، وقد ذكرها المؤلف باسمها الحقيقى.

إلى جانب الاهتمام بالشعر، ينشغل الأصدقاء الثلاثة كذلك باصطياد الكائنات الثديية الصغيرة، التى تقترب من نبع ماء الفن والشعر والأدب، ثم هناك قصيدة «الأسد» للشاعر الأمريكى جنزبورج التى تعاود الظهور بأشكال مختلفة فى أثناء قيام نايف بترجمتها من الإنجليزية إلى العربية، ويظهر فيها أسد للمؤلف الأمريكى فى شقته بنيويورك، فيظهر لنايف فى تلك الأثناء أسد حقيقى فى شقته بالزمالك، يراه ويشم رائحته ويلمسه. ثم هناك قصص الصراعات الخفية والعلنية بين الأجيال المتتالية من الشعراء المصريين الأحرار، منذ ظهر الشعر الحر، أى خلال ما يقرب من نصف قرن منذ الستينيات وحتى الآن.

أما الفكرة العامة للرواية فتتعلق بتلك المعجزة التى حدثت لجيم موريسون مغنى فرقة الدورز الأمريكية the Doors، إذ إنه فى أثناء وجوده فى صحراء أمريكية سنة 1965، دخل إلى خيمة هنود حمر ليجد نفسه فجأة فى شقته الباريسية التى لن يمتلكها إلا فى سنة 1971، وتقوده قدماه داخل الشقة إلى صالة الحمّام، ليشاهد فيها جثته ميتًا فى حوض الاستحمام، قبل أن تحدث تلك الوفاة بست سنوات. يحدث هنا تقابل بين هذه الصورة وصورة نايف الذى يموت فى حادثة سيارة على طريق الساحل الشمالى، وهو فى الخامسة والعشرين من العمر، إذ إنه وقبل دقائق من وقوع الحادثة ينظر إلى الكرسى بجواره فيرى عليه جثته، بعد الحادثة، التى لم تقع بعد. فى نهاية الرواية يتركنا الراوى حائرين دون أن نحصل على إجابة محددة عن السؤال: هل كان نايف مصابا بحالة فصام عقلى / شيزوفرينى؟

 

التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى