حداد :الشراكة في التنمية‏..‏ ركيزة للعلاقات المصرية الإثيوبية

9

 

إذا كانت الرؤية الاستراتيجية للسياسة الخارجية المصرية تضع أولوية للبعد الإفريقي‏..‏ فإن العلاقات المصرية ـ الإثيوبية‏..‏ تأتي في قلب هذا الاهتمام‏..‏ فإثيوبيا دولة هامة ومؤثرة في القارة الأفريقية وأحد اقتصاداتها الصاعدة‏..‏ كما أنها طرف أصيل في منطقة القرن الأفريقي التي لا تزال تشهد تفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية تؤثر بشكل غير مباشر علي المصالح الوطنية ذات الصلة بالأمن القومي المصري‏.‏

هذا بالإضافة إلي كونها الشريك الأهم مع السودان في ملف حوض النيل باعتبارها دولة اساسية من دول المنابع نظرا لسيادتها علي منابع هضبة الحبشة إلي جانب تأثيرها المباشر في منطقة البحيرات الاستوائية.. وتشير تلك المعطيات مجتمعة إلي ضرورة تطوير علاقات ثنائية مصرية ـ إثيوبية قوية ومستقرة.. وهو ما تعرض لكثير من التراجع منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي.

ومن هذا المنطلق.. تتبني مصر توجها جديدا لإعادة بناء تلك العلاقات المصرية ـ الإثيوبية.. يعتمد مقاربة متعددة الأبعاد ويرتكز علي مبدأ الشراكة في التنمية.. مستهدفا إيجاد شبكة مصالح سياسية واقتصادية بين البلدين.. إيمانا بأن التنمية الحقيقية التي توفر الاحتياجات الأساسية وترفع من مستوي المعيشة علي جميع الأصعدة.. هي المفتاح الحقيقي لمواجهة الأزمات والتحول تدريجيا نحو استقرار يحمي المصلحة الوطنية من خلال تحقيق المنفعة المشتركة.. ليس فقط بين مصر وإثيوبيا.. ولكن مع كافة الدول الإفريقية بشكل عام.

وتعتمد مصر في ذلك علي مقاربة متعددة الأبعاد تشمل تواصلا سياسيا مستديما مع إثيوبيا علي جميع المستويات بدءا باتصالات وزيارات رئاسية متبادلة.. مرورا بالتنسيق بين جميع الوزارات المعنية للبلدين.. ووصولا إلي تفعيل مؤسسات المجتمع المدني والعلاقات الشعبية والتوعية الثقافية والإعلامية بأهمية العلاقات المصرية ـ الإثيوبية والإفريقية ككل.

كما يتم ذلك من خلال مقترحات باتفاقيات وبروتوكولات تعاون في مختلف المجالات الاقتصادية مثل الزراعة والري والصناعات الغذائية والطاقة والبنية التحتية والمجالات الخدمية مثل المشروعات التعليمية والصحية.. تركز جميعها علي إيجاد شراكة حقيقية توجد فرصا جديدة وتحقق مصلحة مشتركة من خلال تفعيل مجالات التعاون القائمة.. وإضافة المزيد لتدعيمها ونقلها إلي مراحل نوعية جديدة.

ويتيح هذا التوجه علي الجانب الآخر ايجاد أرضية مشتركة للتعامل مع الأزمات التي تؤدي إلي توتر العلاقات الثنائية بين البلدين وما زالت تراوح مكانها منذ فترة خاصة ملفي الاتفاقية الإطارية وسد النهضة المرتبطين مباشرة بقضية حصة مصر من مياه النيل وسبل حمايتها.

وفيما يتصل بالاتفاقية الإطارية.. فهي مشكلة تتخطي ثنائية مصر وإثيوبيا إلي بقية دول حوض النيل.. وتكمن مشكلتها الأساسية في عدم النص علي الالتزام بالحصص التاريخية لكل من مصر والسودان والمترتبة علي الاتفاقيات السابقة.. وعلي الرغم من سلامة الموقف المصري السوداني قانونيا إلا أن التجربة أثبتت أن النتيجة النهائية تعتمد كثيرا علي أبعاد سياسية للعلاقات بين الدول.

وتري مصر ضرورة اطلاق التفاوض من جديد.. وأن تبذل الدبلوماسية المصرية جهدا مضاعفا للتوصل إلي اتفاق يرضي جميع الأطراف من خلال تبني مفهوم عدالة الاستخدام الذي لا يعني تقاسم المياه بالتساوي.. ولكن توفير المياه اللازمة لاحتياجات كل دولة من دول الحوض أخذا في الاعتبار مواردها المائية الأخري بخلاف نهر النيل.. وهو الأمر الذي يمكن المفاوض المصري من دمج مفاهيم أكثر حداثة ضمن التفاوض ليشمل جميع موارد الحوض وليس فقط مياهه السطحية مثل المياه الخضراء والمياه الافتراضية وفرص حصاد الأمطار واستغلال الفواقد وغيرها.. بحيث تزداد فرص التوصل إلي صيغة جديدة للاتفاقية الإطارية تحفظ مصالح مصر وتراعي في ذات الوقت الاحتياجات المشروعة للدول الأخري.. وتقر نظاما مستقرا لتقاسم الموارد في الحوض وتفتح الطريق أمام نموذج للتعاون التنموي بين دولة بدلا من الصراع الذي يهدر مواردهم جميعا بدرجات متفاوتة.

أما فيما يتصل بسد النهضة الإثيوبي.. فالطرح الحالي الذي يصدر بشأنه تقرير نهائي من اللجنة الفنية المختصة يثير المخاوف من تأثيره سلبا علي حصة مصر من المياه ونوعيتها.

والواقع أن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي.. قد نجح في تحويل السد إلي مشروع قومي يلتف حوله الشعب الإثيوبي.. وتعزز معارضة مصر للمشروع من صورة نمطية سلبية لمصر أخذت في الانتشار بين الشعوب الإفريقية خلال العقود الماضية مفادها أن مصر هي أحد أسباب غياب التنمية والتقدم الاقتصادي في البلاد الأفريقية نظر لاستحواذها بغير وجه حق في رأيهم علي الجزء الأكبر من المياه اللازمة لعمليات التنمية كافة وهي صورة يتوجب تغييرها وتصحيحها.

فمصر تسعي لأن تكون شريكا حقيقيا في التنمية في إفريقيا وتعي وتحترم حقوق ومطالب الشعوب في التنمية, ولكنها تتمسك أيضا بمبدأ عدم الإضرار بأي من الأطراف كنتيجة لمشروعات تنموية حالية أو مستقبلية.

ومن هنا جاء توجه السياسة الخارجية المصرية في محاولات التفاهم المستمر مع إثيوبيا حول كيفية إدارة مشروع السد من خلال قضايا فنية عديدة تشمل المواصفات الهيدروليكية للسد بما فيها معاملات الأمان اللازم توافرها فيه, وخطة المليء والتشغيل المناسبة التي لاتؤدي لتضرر المياه المتدفقة, واشتراك الخبراء المصريين في لجنة إدارة وتشغيل السد.

ويتم التحرك المصري في هذا الإطار بالتنسيق الكامل مع السودان من خلال لجنة الخبراء الثلاثية الدولية المنوط بها اصدار التقارير الخاصة بتقييم السد, مع التأكيد الدائم من الجانب المصري لدي الدول والجهات المانحة لمشروع بناء السد علي ضرورة انتظار التقارير الفنية الرسمية النهائية قبل تمويل المشروعات المرتبطة بالسد كما تحرك الدبلوماسية المصرية مع الدول والجهات المانحة للمشروعات في أي من دول الحوض بعدم البدء في المشروعات المائية بدون اخطار مسبق والتوافق مع الدول الأخري المتأثرة بتلك المشروعات.

إن مصر تسعي لبناء منظومة علاقات إيجابية يتكامل فيها مسارا التعاون في قضايا التنمية وملف المياه بحيث يصبح الثاني جزءا من الأول في إطار مقاربة متعددة الأبعاد لإعادة بناء العلاقات المصرية ـ الإثيوبية تستهدف جعل القضايا الخلافية جزءا من منظومة أكبر للتعاون تساعد بمكوناتها المتنوعة علي الحفاظ علي المصالح الوطنية للجانبين.

الجورنال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى