استقيلوا الآن.أو عيشوا فى الحظيرة إلى الأبد

201

 

 

أى لحظة عبقرية تلك التى اخترق خلالها فاروق حسنى الزمن لأعوام تالية فيدعو المثقفين إلى دخول حظيرة سيادته، والتى كان يقصد بها «حظيرة وزارة الثقافة» كونها ملكًا له بصك من السيدة قرينة الرئيس السابق. تلك اللحظة التى ثار فيها المثقفون لكرامتهم، رفضا لتشبيههم بالدجاج أو البقر أو الخرفان، فهاجموا وزير الثقافة الأسبق، بل طالت سهام هجماتهم بعض المثقفين الذين ارتضوا دخول «الحظيرة» طواعية، تحت بنود «عضو فى لجنة كذا أو رئيس للجنة كذا»، ومنها أسماء كبيرة جديرة بالاعتزاز.

الآن، وقد مرت على حادثة الوزير الأسبق وحظيرته سنوات، بل وانتهت دولة صاحبه وزوجته، ليتولى الإخوان حكم المحروسة، ويخوضون معركة تلو الأخرى لأخونة الدولة ومؤسساتها وهيئاتها السياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية وأخيرا الثقافية، يعينون فيها من يشاؤون ويعزلون منها من يشاؤون، ابتغاء مرضاة المرشد ومكتبه وشاطره، لتتحول الدولة كلها إلى «حظيرة» كبيرة، ولكن حتى دون الدعوة لدخولها، كما فعل فاروق حسنى فى السابق، بل دعوا صراحة للخروج من البلد كله وليس من حظيرة الثقافة فحسب.

من يتولى وزارة الثقافة الآن شخص لا نعرفه بالقدر الكافى، كما أنه لم يكن موظفا مهما فى الوزارة ولا رئيس قطاع ولا عضوا فى لجنة من اللجان إياها، ولم يكن حتى صاحب كتاب مهم، أو ضيفا من ضيوف برامج التوك شو، وعليه فإن بأبسط قواعد المنطق «وإذا كنت أشك أن الإخوان يؤمنون بالمنطق أساسا باعتباره علمًا حراما» فإن الرجل لا يصلح لمنصب الوزير. وبالفعل أثبتت الأسابيع الماضية صحة هذا الكلام، بل وأصابه أيضا الفيروس المنتشر بين وزراء حكومة هشام قنديل الخاص بـ«اخبطوا دماغكم فى الحيط.. وإلى الأمام يا إخوان».

المقاومة التى وجدها الوزير الحالى من المثقفين المستقلين عن حظيرة سيادته، ولعل الرفض الشديد لإبعاد إيناس عبد الدايم من الأوبرا، واستقالة سعيد توفيق من المجلس الأعلى للثقافة، وبهاء طاهر من عضوية لجانه، ومن قبلهما أحمد مجاهد، هو تجسيد لحالة «القرف» التى يعانى منها المثقف المصرى من حكم الإخوان، وتغولهم حتى فى المؤسسة الثقافية الرسمية.

علاقة المثقف والسلطة لم تكن سمنًا على عسل فى كثير من الأوقات، خصوصا عندما تكون السياسة هى طرف النزاع. والمثقف الحقيقى بطبيعته لا يميل إلى الحكام إلا من تولى منهم منصبا مهما أو كان ضمن شلة المحظيين، فلا يذكرهم التاريخ بالحسنى «سياسيا»، ولنا فى موقف نجيب محفوظ من اتفاقية كامب ديفيد أسوة، على الرغم من بقاء أثره الأدبى بالطبع. أما الحادثة التى جسدت معاناة المثقف بين التزامه بقضاياه ومبادئه وبين انتمائه للمؤسسة الرسمية هو ما حدث للشاعر العظيم صلاح عبد الصبور عام 1981، عندما اتهمه أصدقاؤه بالخيانة لاستضافة معرض الكتاب «الذى كان يشرف عليه وقتها» جناحا يعرض كتبا إسرائيلية، ولم يمهله القدر حتى أن يرد. المعركة مع الوزير لإنقاذ الوزارة سوف تدخل فصولا أخرى، قد تنتهى فى 30 يونيو، أو بعدها، والمؤكد أنها سوف تنتهى بانتصار الوجدان الثقافى المصرى على أصحاب الثقافة الوافدة، فانتظر بلا شك استقالات أخرى من الوزارة «المتأخونة بوزيرها»، وأتمنى أن تطال رموزا تعلمنا منها المبادئ، واستلهمنا منها القوة فى إعلان المواقف حتى فى جبروت نظام أمن الدولة. فالمقاومة هى الحل، والثقافة المستقلة هى أملنا جميعا فى هدم حظيرة الجماعة على رؤوسهم، فليجوع المثقف ولا يأكل بثدى حكومة قنديل.

 

 

التحرير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى