الأخبار

«بيت الرئيس»..

14

3 أيام متواصلة، من الـ7 صباحاً، إلى ما بعد منتصف الليل، عاشت «الوطن» على باب الرئيس، فى بيته الخاص بالتجمع الخامس، حيث يقطن هو وأسرته، ففى الوقت الذى أنارت فيه «الشموع» بيوت المصريين بديلاً عن تيار كهربائى صار شحيحاً، لم يغب «النور» ولو للحظة عن منزل مرسى، سواء لخفة الأحمال بالمكان الراقى، أو لوجود «كابينة» خاصة لمد خط كهربى إضافى للبيت الرئاسى، وفقاً لإجراءات التأمين.. «الوطن» تابعت الأمر ورصدت آراء جيران الرئيس، عن امتيازات السكن برفقة أعلى رأس فى الدولة.

 

والكهرباء لاتنقطع عنه

 

يقف «عم صابر» الجناينى ممسكاً بخرطوم يرش المياه بأريحية على أرضية حديقة إحدى الفيلات، القابعة بالناصية الأقرب لمنزل الرئيس التى يحدها مدرعة للقوات المسلحة، لا يحب الرجل الأربعينى السياسة وحديثها فأكثر ما يشغل باله هو الاعتناء بعمله البسيط، فالخدمات متوفرة فى المكان بأحسن صورة، والكهرباء حسب وصفه «مبتقطعش غير كل فين وفين ومبتكملش 5 دقايق وترجع على طول».

 

«المربع ده كله منور على طول.. الكهربا شغالة ليل نهار» قالها عبدالله أحمد -حارس العقار الملاصق لمنزل الرئيس من الخلف- بلهجة صعيدية تنم عن أصوله المنياوية، مشيراً إلى أن الأمور بالنسبة للتيار الكهربائى مستقرة حتى من قبل وصول الدكتور مرسى للمكان، فى الوقت الذى تغير فيه ملامح وجهه إلى العبوس، وهو يشير إلى زجاجة مياه أمامه، لتقول زوجته: «المياه ساعات بتكون مش ولابد.. وزى ما أنت عارف البهوات اللى ساكنين هنا بيشربوا البتاعة دى المعدنية.. ومش مظلوم فى الهم ده غيرنا».

 

على بعد خطوات من منزل الدكتور مرسى اتخذوا موقعهم على ملاءة مفروشة على الرصيف بجوار 3 سيارات تمثل ماهية وقوفهم بالمكان، إحداها للإسعاف وأخرى للمطافئ وثالثة للمفرقعات، المهمة هى خدمة منزل الرئيس والحراسة المحيطة به، فيما يخلو مكانهم من خدمات سواء كدورة مياه أو مكان للنوم، لذا لم يكن مستغرباً أن يتخذ أحدهم إحدى العمارات -تحت الإنشاء- ملاذاً لوضع «مرتبة سرير» تعينه على الاستمرار فى العمل 24 ساعة هى فترة عمل كل منهم، يراوح بعدها عماد عوض – مسئول عربة المطافئ- بلدته بالمنيا، قائلاً: «باجى من آخر بلاد المسلمين»، 11 عاماً قضاها الشاب الثلاثينى فى ربوع القاهرة أوصلته لحالة من السأم؛ بسبب أسرته التى يعول فيها 4 من الإخوة وزوجة لا يجدون رعاية جيدة لبعد مكان عمله ويقول «بقيت بفكر أستقيل.. نفسى أنقل فى أى حتة قريبة من سكنى»، الأمر ذاته يشاركه فيه «جمال طه» سائق عربة الإسعاف الذى جاء من بلدة صغيرة بكفر الشيخ، فيما يعتبر «المسعف» وجوده بالمكان فى غير محله «أنا أساساً خريج تربية إنجليزى».

 

«كابينة كهرباء» إضافية صممت خصيصاً كخط إمداد إضافى لمنزل الرئيس للطوارئ، تقبع خلف المنزل -رصاصية اللون- بجوار «بوكس» للشرطة بالقرب من فريق الخدمات، المضاف له طبيب تابع لخدمة الإسعاف الذى يعتبر أن وجوده خدمة وطنية، قائلاً: «إحنا هنا خدمة عسكرية يعنى مش المفروض نسأل عن مكان نوم أو رفاهيات زيادة»، مشيراً إلى تعوده كطبيب على عدم الشكوى جراء دراسته الشاقة وأحوال رفقاء المهنة فى القرى والنجوع، الطبيب العشرينى يؤكد أن التيار الكهربائى لا ينقطع بشكل عام فى القاهرة الجديدة إلا نادراً، مشيراً إلى ما يحدث فى منزله الذى يبعد عن مقر الرئيس بنحو ربع ساعة سيراً على الأقدام «النور بيقطع كل كام يوم وما بيزيدش عن نص ساعة.. أصل عدد السكان قليل هنا.. لكن طبعاً ما بيقطعش فى بيت الرئيس واللى حواليه».

 

يجلس «أبو ندى» ناظراً صوب مكان خدمته السابق، متذكراً الأيام الخوالى حين كان مسئولاً عن حراسة المنزل الذى صار رئاسياً فيما بعد، بعد أن تركه فى شهر رمضان الماضى، يتذكر قائلاً: «كانوا طالعين خارجين يفتشونا واتخانقوا مع خطيب بنتى.. قلتلهم انتوا اللى جايين علينا.. ومشيت»، بتلقائية شديدة يتحدث صاحب الـ44 عاماً، يسخر من طرح السؤال حول انقطاع التيار بالمنطقة «إزاى يبقى الكبير ساكن هنا والنور يقطع.. ده يحصل فى الأرياف بس»، تجلس صغيرته على قدمه فيما يبدأ فى تذكر واقعة انقطاع المياه عن المنطقة منذ شهر ونصف بسبب ماسورة رئيسية تفجرت بشارع التسعين «ساعتها جابوا 4 عربيات فناطيس كبيرة وندهوا فى الجامع والموضوع اتحل»، قبل أن يوضح أن المياه فى المنطقة جيدة «فى كذا خط ممكن يبقى ناس وناس»، مضيفاً أن منزل الدكتور مرسى جرى تزويده بـ3 خطوط إضافية للمياه والكهرباء والغاز «بس ده طبيعى.. هو غيرنا».

 

 

لا يعتبر أبو ندى الوجود فى مكان بالقرب من رأس الدولة ميزة كبيرة فطالما الأسعار تتزايد ولا يتمكن من صد موجة الغلاء فماذا يفيده «هو برضه الريس مش المفروض يحن على الغلابة شويتين».

 

بوجه أشقر كممثلى أوروبا، يُعرب «أحمد الحزين» عن مميزات السكن بجوار رئيس الجمهورية، فالأمان هو سمة الشارع عكس ما يحيط مسامعه بما يدعى انفلاتاً أمنياً، فى فيلا رقم 87 يقطن مهندس الميكانيكا القادم من فرنسا قبل شهور، فيما تحده من اليمين فيلا الرئيس رقم 83 ومن اليسار فيلا نجل الفريق عبدالفتاح السيسى رقم 89، يقول بلهجة ساخرة «أنا هنا ممكن أسيب العربية مفتوحة وأطلع أنام.. ولما بوصف لحد العنوان بقوله على شمال الدبابة»، لا يخفى الشاب العشرينى اعتراضه على سياسات الرئيس «أنا لسه ماضى على تمرد من كام يوم»، فى الوقت الذى يشير فيه إلى احترامه لشخص الدكتور مرسى على المستوى الإنسانى «بصراحة رجل طيب.. كفاية إنه مبيعطلش الطريق للحظة فى المكان».

 

يدخل «سعودى» السايس المسئول عن سيارات المكان فى الحديث معقباً «هو مثلاً اللى أمر إنهم يعملوا مظلات للعساكر بتوع الحرس الجمهورى عشان الوقفة فى الشمس».. يعاود «الحزين» تعليقه على الخدمات بالمنطقة مؤكداً أن طبيعة «التجمع الخامس» تتسم بالتفرد من حيث الاهتمام، علاوة على عدد سكانها القليل، انقطاع التيار كلمة لا تعرف طريقها إلى منزل مهندس الميكانيكا بسبب خفة الأحمال من جانب، ومن جانب آخر بسبب جيرته لمنزل الرئيس، فيما تُقطع المياه مرة كل أسبوع، بينما يشير إلى وصول خط غاز لفيلا الرئيس فى الوقت الذى لم يصل الإمداد للمنازل المجاورة له، «عاملين هدنة فى البيت مبتكلمش فى السياسة» يقولها بوجه بشوش عن خلافه مع والديه حول رؤيتهم لدور «الرئيس الجار»، مستشهداً بتوزيع كتاب الإنجازات بمسجد فاطمة الشربتلى منذ فترة، فاحتفى به الوالد، فيما كان مثاراً لسخرية الابن.

 

أسفل إحدى لوحات التحكم بشركة توزيع الكهرباء بإدارة القاهرة الجديدة -التابعة لمحطة كهرباء شمال القاهرة- يجلس محمود سعيد «فنى الشبكات»، الذى يؤكد أن التيار لا ينقطع فى المنطقة إلا فى حال وجود أعطال قائلاً: «الأحمال هنا خفيفة جداً.. إحنا شغالين بثلث الطاقة المتاحة»، موضحاً أن المكان يعتبر تحت الإنشاء والأعطال تحدث بسبب قطع بعض الأوناش -المستخدمة فى البناء والهدم- لكابلات الكهرباء تحت الأرض، مضيفاً أن هناك أزمة أخرى تتمثل فى سرقة محولات الكهرباء من قبل بعض اللصوص «كل كام يوم نلاقى كشك مسروق ومتاخد منه النحاس وساعات بيسرقوا أبواب أكشاك الكهربا نفسها»، يوضح «فنى الشبكات» أن الكشك -الإضافى- الملاصق لمنزل الرئيس أنشئ خصيصاً عقب توليه السلطة، موضحاً أن هناك خطين يعملان لخدمة فيلا الدكتور مرسى «فى سكينة كهرباء مسئولة عن تحويل الكهربا تلقائيا لما خط منهم يفصل».

 

على بعد حوالى كيلومتر من منزل الرئيس، اصطف نحو 30 عاملاً على مقهى شعبى أسفل «مول الياسمين» الواقع بجوار المعهد الأزهرى بالحى الثالث بمنطقة التجمع الخامس، يشاهدون فيلماً عربياً، ينظر قبلهم الحاج «عبدالفتاح» صاحب المقهى بجلبابه الصعيدى لبنى اللون، ممسكاً بمسبحته، الذى يؤكد أن انقطاع التيار الكهربى يتكرر يومياً لكن لمدد قصيرة لا تزيد على 10 دقائق، معتبراً أنها طبيعة المكان بسبب تعداد السكان الضعيف الذى لا يستدعى قطع النور، وهو ما يحدث فى حى القطامية -مقر سكنه- قبل أن يشير إلى ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء «بيجيلى 450 جنيه فى الشهر والشقق فى المساكن بتوصل ساعات لـ50 جنيه»، غير أنه يلفت النظر إلى عمدان النور المطفأة فى الشوارع العامة، الأمر الذى يرجعه إلى سرقة بعض كابلات الكهرباء، مضيفاً أن «المياه فى المنطقة تنقطع بشكل متواصل».

 

داخل عقار فخيم يسكن ربيع عبدالله، غير أن أُبهة المنظر التى تواجه زائره بمجرد الولوج من بابه المُذهب تُطمس مع أولى درجات النزول نحو البدروم الذى يقطنه الرجل الثلاثينى، لا يعنيه انقطاع الكهرباء أو توفرها فغرضه من الوجود فى الحى الراقى هو «أكل العيش» قادماً من «أبو قرقاص» بالصعيد، لكنه يقول بتندر «ويا ريتنا لاقيينه»، يومياً يقف أبو الأطفال الثلاثة فى طابور العيش بالفرن التابع للقوات المسلحة داعياً الله أن يوفقه فى الوصول إلى الشباك قبل أن تنتهى الحصة المقررة لسكان الحى، يعتبر «ربيع» شراء رغيف خبز بـ25 قرشاً، بذخاً لم يرتق بعد إلى مرتبته «المشكلة هنا إن العيش أبوشلن ما يترميش للفراخ.. بس ما باليد حيلة»، قربه من الرئيس -على بعد شارعين- جعله يبعث بشكوى من خلال مكتبه، مطالباً بالإسراع بتوفير شقة فى مساكن الشباب قدّم عليها قبل 3 سنوات، بينما ظل منتظراً الرد، لكن دون جدوى.

الوطن

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى